لقيت ظاهرة انتشار إعلانات
التهنئة لعبدالفتاح
السيسي بالفوز برئاسة البلاد (بعد انقلابه على الرئيس المنتخب) انتقادات حادة في
مصر، وصلت إلى حد وصفها بـ"إعلانات النفاق"، والمطالبة بحظر نشرها، واستبعاد أي صحفي من أي موقع تنفيذي يشغله إذا كتب مقالا في هذا الصدد بهدف المجاملة.
وأجرى الكاتب الصحفي كارم يحيى استقصاء لإعلانات التهاني الموجهة للسيسي على مدى اليومين التاليين مباشرة لإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية (الأربعاء والخميس 4 و5 حزيران/ يونيو 2014) في 11 صحيفة يومية، وخلص فيه إلى أن صحيفة واحدة (الأهرام المسائي) لم ينشر فيها أي إعلان، وأن الصحف العشر نشرت 49 إعلانا في تهنئة السيسي خلال اليومين شغلت نحو 14 صفحة كاملة.
وأوضح يحيي -في مقال بجريدة الأهرام بعنوان: "تأملات فى إعلانات التهانى"- أن
حصة الصحف القومية من هذه الإعلانات بلغت 37 إعلانا تملأ نحو ثماني صفحات، وبنسبة 57 في المائة، قائلا إن الأدعي للتأمل هو أن جهة معلنة واحدة نشرت في مختلف الصحف 16 إعلانا تشغل 10 صفحات كاملة، وبنسبة 70 في المائة من إجمالي مساحة إعلانات التهاني، علما بأنها شركة دولية مقرها خارج البلاد.
ولاحظ يحيي أن عشر وحدات تشغل مساحة تقارب الصفحة وربع الصفحة روجت لبيع سلع وخدمات تجارية تحت لافتة الشعار الانتخابي لحملة السيسي وصورته، مشيرا إلى أن "هذا خلط بين التجارة والسياسة"، وأنه ثمة عدد مماثل من الوحدات يشغل ما يقارب 1/2 صفحة برز فيها الطموح السياسي للمعلنين أنفسهم خالصا من دون الترويج لسلعة أو خدمة.
وعلق الباحث بالقول: "يفصح الطابع الشخصي عن نفسه عندما نرصد سبعة معلنين قاموا بنشر صورهم الى جانب الصور الشخصية للرئيس المحتفى به. ولدينا هنا من قدم نفسه بوصفه "برلمانيا مخضرما"، وأولئك الذين وضعوا الى جوار أسمائهم منسوبة الى مواطنهم الانتخابية صفة: المرشح لعضوية مجلس النواب 2014".
ويبرز بين هؤلاء -بحسب الكاتب- أسماء معروفة بارتباطها بالحزب الوطني المنحل بمقتضى حكم قضائي. وعلى مستوى مضمون الخطاب في إعلاناتهم فقد أغدقوا عبارات المديح للرئيس الجديد الممزوجة بالنفاق من قبيل :"قائد العبور الثاني في 3 يوليو 2013"!
وأشار إلى أن العديد من وحدات المادة الإعلانية تروج لمصطلح "الرئيس الزعيم"، ومفهوم "الحاكم الفرد"، وأنه في المطلق فإن هذه الإعلانات تفتقر إلى الدعوة لقيم مؤسسية أو ديمقراطية واضحة، بل ولا يتطرق أي منها الى المناداة بمطالب سياسية عامة من قبيل الإفراج عن المحتجزين على ذمة قضايا لا تتعلق بالعنف أو إلغاء قانون التظاهر أو تعديل قانون انتخاب مجلس النواب، وفي هذا لون من الإعلان السياسي تألفه الدول الديمقراطية.
وخلص الباحث إلى أن فقر الإعلان السياسي في مصر كما يترجم نفسه في إعلانات التهاني لرأس الدولة وكبار المسؤولين قد يجعل منه لونا من المجاملات أو النفاق، مذكرا بوصف الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق، حينما كان رئيسا للمجلس الأعلى للصحافة في 1986، إعلانات التهاني للمسؤولين بأنها "إعلانات النفاق".
وكان الرئيس الدكتور محمد مرسي أصدر قرارا بمجرد توليه الرئاسة في 30 حزيران/ يونيو 2012 يحظر فيه نشر إعلانات للتهنئة موجهة إليه، عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، علاوة على حظر وضع صوره بمؤسسات الدولة ودواوينها.
أسوأ أدوار الصحافة
في سياق متصل، قال سامح محروس نائب رئيس تحرير جريدة "الجمهورية": "لو كنت مكان الرئيس عبدالفتاح السيسي لأصدرت قرارا بتشريع يحظر المجاملة في مختلف الصحف ووسائل الإعلام، وأن يتم استبعاد أي صحفي من موقع تنفيذي يشغله إذا كتب مقالا بهدف المجاملة على أن يكتفي فقط بموقعه ككاتب".
وأضاف -في مقاله بالجريدة بعنوان: "لو كنت مكان السيسي"-: "ما يعج به الكثير من الصحف لا يخدم البلد، ولا المشير السيسي على حد سواء. وأرى أن صحافة مصر تقوم حاليا بدور يعد الأسوأ في تاريخها حين تتراقص أمامنا الأسماء والمعلقات التي تنشر بمساحة الصفحات في صحف قومية مملوكة للشعب يتحدث فيها كتابها عن رسالة السماء، والموعد مع القدر. ويمتد الحديث إلى "غيبيات" لسنا في مجال الحديث عنها. لكنها تبقى في النهاية مجرد روايات تخص أصحابها، ولا تصلح للتداول أو الاستهلاك الإعلامي".
وأضاف: "كثير من صحفيي وكتاب اليوم يخلعون أرديتهم الصحفية، ويرتدون ثيابا ليست لهم. فنجد الصحفي يخرج عن دوره الأصيل في كشف الحقائق، وصنع الوعي العام إلى ممارسة دور سياسي يقدم نفسه فيه على اعتبار أنه مشروع واعد لصحفي الرئيس، وكاتب خطبه. ولا مانع من أن يكون مستشاره السياسي والإعلامي. في محاولة لاستنساخ أو استدعاء تجارب عبدالناصر/هيكل، والسادات/ موسى صبري وأنيس منصور.. برغم الفارق الشاسع بين القيم الصحفية والمهنية لقامات في حجم هيكل وموسى صبري وأنيس منصور. وما نراه من بعض كتاب اليوم".
وكان مجلس الوزراء المصري اتخذ قرارا في حزيران/ يونيو 1989 بحظر نشر إعلانات التهاني من جانب الوزارات والمصالح الحكومية وهيئات وشركات القطاع العام، وذلك بهدف خفض الإنفاق الحكومي، الأمر الذي جعل رجال الأعمال يتصدرون واجهة مثل هذا النوع من الإعلانات حاليا بمصر.