لماذا سميتموها
منظمة التحرير الفلسطينية، وليس منظمة تحرير فلسطين؟
كان هذا هو السؤال الذى طرحته على أحد مؤسسيها الراحلين رحمة الله عليه، منذ ما يقرب من ربع قرن، وكانت إجابته أنهم منذ البداية، أدركوا أن مهمة تحرير فلسطين لن تكون مهمة الفلسطينين وحدهم، اذ لا يمكن ان تتحرر بدون مشاركة باقى الشعب العربي، ولذلك أطلقوا عليها هذا الاسم إدراكا منهم أنهم لن يكونوا وحدهم، فلابد أن تكون بجانبهم قوى وحركات عربية من كافة الأقطار لتحرير فلسطين تشاركهم المقاومة والنضال، وأن دورهم كفلسطينيين ينحصر فى تقدم الصفوف وإعطاء النموذج فى المقاومة والفداء، وإبقاء المعركة مشتعلة طول الوقت، مما سينعكس بالضرورة على باقي الشعوب العربية، التي لن تحتمل انفراد العدو الصهيوني بأشقائهم الفلسطينيين، وستسارع الى الدعم والمشاركة والالتحاق بالمعركة.
لاشك أن هذه الرؤية أو النظرية لتحرير فلسطين، أثبتت نجاحا كبيرا على الدوام، حتى قبل قيام المنظمة، منذ رفضت كل الدول العربية قرار التقسيم وقررت المشاركة في القتال ضد الكيان الصهيونى المزمع إنشاؤه، عام 1948 .
وكانت أول تجلياتها فى معركة الكرامة بالأردن عام 1968، حين اشترك الجيش الأردني مع المقاومة الفلسطينية فى مواجهة العدوان الصهيوني، قبل أن يقرر ملك الأردن طرد القوات الفلسطينية من المملكة في أيلول الأسود 1970.
وأثبتت هذه الرؤية صحتها مرة أخرى فى لبنان، حين توحدت القوى الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، ضد
إسرائيل وعملائها، قبل أن يقرر النظام الرسمى العربى ممثلا فى سوريا في تقليم أظافر المقاومة الفلسطينية فى مذبحة تل الزعتر 1976.
وهو ما تكررعام 1982 بانفجار الشارع العربي من المحيط إلى الخليج غضبا على جريمة الاجتياح الصهيوني للبنان وصمود المقاومة تحت الحصار 83 يوما، وارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا.
وتأكدت هذه النظرية مرة أخرى عام 1987 مع انتفاضة الحجارة، التي ساهمت فى صنع جيل عربي جديد معاد للمشروع الصهيوني.
وهو ما تكرر على نطاق أوسع مع انتفاضة الأقصى عام 2000، التي نجحت بما سبقها وما تلاها من استبسال وعمليات استشهادية وإيقاع خسائر كبيرة فى صفوف العدو، فى تصدر معارك الدعم و النضال الشعبي العربي فى السنوات الأولى من الألفية، قبل أن يتم الغزو الأمريكي للعراق 2003.
إن نظرية إحياء القضية من خلال المقاومة الدائمة، بهدف استنفار وتعبئة الشعوب العربية، نجحت على امتداد ما يقرب من نصف قرن ليس على أيدي منظمة التحرير فقط، بل نجحت فى لبنان فى عام 2000، وفى حرب تموز 2006، ونجحت فى معارك كسر الحصارعن غزة، وفى مواجهة الاعتداءات الصهيونية 2008/2009 و2012.
والعكس صحيح، فإنه كلما هادنت القيادات الفلسطينية إسرائيل، وتنازلت لها عن أرضها أو سلاحها، كلما انفضت الشعوب والحركات الوطنية العربية عن القضية.
وهذا لا ينطبق فقط على الشعوب العربية والصديقة لفلسطين، وإنما على العالم كله، ولا أزال أتذكر ما ذكره لي أحد الشخصيات الأوروبية الداعمة للقضية الفلسطينية، عن التحول الذى طرأ فى الرأي العام الأوروبي بعد اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل والتنازل لها عن فلسطين 1948، الذي لم يستوعب أن يتنازل شعب عن أرضه إلى الاحتلال تحت أي ظرف، ففسر هذا التنازل على أنه إقرار فلسطينى بصحة الرواية الصهيونية وبكذب الرواية الفلسطينية، وهو ما انعكس فى حالة من الفتور الشعبي الأوروبي فى التعامل مع المطالب الفلسطينية، حتى فيما يتعلق بأراضى 1967، وللتذكرة فإن الفاتيكان نفسه لم يعترف بإسرائيل إلا عام 1994 بعد اتفاقيات أوسلو واعتراف الفلسطينيين بها.
قارن ذلك بما حدث فى مايو 2010، حين ألهم الصمود الفلسطيني مئات من نشطاء العالم على تنظيم "أسطول الحرية" لاختراق الحصار الاسرائيلي، وتعرض السفينة "مافى مرمرة" لاعتداء صهيوني أسفر عن استشهاد عشرة أشخاص.
إن كثيرين يعملون الآن على قدم وساق من أجل تصفية القضية الفلسطينة؛ أمريكا وإسرائيل والمجتمع الدولي والأنظمة العربية الرسمية، وكلهم يملكون أدوات ضغط هائلة لإخضاع وترويض الإرادة الفلسطينية، بينما لاتملك قوى المقاومة الفلسطينية أى نصير لها سوى الشعوب العربية والإسلامية والصديقة، وهي تحتاج إلى دعمهم وضغوطهم لتعادل الضغوط الدولية.
ولكن الشارع العربى للأسف ولظروف القهر والاستبداد لا يناصر القضية الفلسطينية من تلقاء نفسه، وإنما يحتاج دائما إلى محفزات وجدانية، يحتاج إلى فعل مقاوم في الأرض المحتلة ليلهمه و يعبئه ويحركه ويلتف حوله.
إن المقاومة والاشتباك مع العدو هي وحدها القادرة على تعبئة الشعوب العربية لنصرة القضية.