القصر العدلي في حي جمعية الزهلاء بعد السطيرة عليه السبت
حقق الثوار الذي يسعون للسيطرة على مقر فرع المخابرات الجوية في حلب تقدما مهما السبت، بعدما تمكنوا من السيطرة على مبنى القصر العدلي الجديد (قيد الإنشاء) الذي كانت تتخذه قوات النظام السوري مقرا لها، حيث باتوا على مقربة من أسوار الفرع الذي يمثل أحد مراكز الرعب للمواطنين في حلب.
وقال شهود إن اشتباكات اندلعت صباح السبت على مشارف فرع المخابرات الجوية في حي جمعية الزهراء غرب حلب الذي سبق أن تعرض للقصف بقذائف الدبابات في وقت سابق.
من جهة أخرى، عثر الثوار على مقبرة جماعية في أقبية أحد المباني القريبة من الفرع. ونشر النشطاء تسجيل فيديو يظهر عددا غير محدد من الجثث غائبة المعالم، وقد دفنت بشكل جزئي. وفي أحد المشاهد بدت جمجمة وقد حطم بحجر ما زال يرقد عليها. ويقول صوت في التسجيل إن هؤلاء مدنيون، مشيرا إلى أن أحدهم يرتدي بنطالا من الجينز.
وبحسب النشطاء، فإنه لم يتم التعرف على أصحاب هذه الجثث حتى الآن بسبب تحللها، حيث يتطلب الأمر فحوصات مخبرية.
ويعتقد أن الجثث تعود لمعتقلين في فرع المخابرات الجوية تم إعدامهم ميدانيا أو توفوا تحت التعذيب. وظهرت في الماضي جثث عديدة ملقاة قرب حاويات النفايات أو في أراض خالية في أماكن غير بعيدة عن الفرع، كما انتشلت عشرات الجثث من نهر قويق الذي يمر في المدينة.
وتأتي محاولات السيطرة على فرع المخابرات الجوية ضمن "معركة الاعتصام" التي أطلقها الثوار الأسبوع الماضي بهدف "تحرير" أحياء حلب الغربية، وذلك بعد نجاح المقاتلين في دخول إلى منطقة الراموسة وعرقلة الطريق الرئيسي لإمدادات قوات النظام السوري من مطار حلب إلى هذه المناطق. وقبل ذلك، استكمل الثوارالسيطرة ريف حلب الغربي بالإمساك بتلة جبل الشويحنة الاستراتيجية المطلة على جمعية الزهراء.
وكان قائد إحدى المجموعات المقاتلة في جبهة المخابرات الجوية قد قال لـ"عربي21" في وقت سابق (قبل انطلاق المعارك للسيطرة على القصر العدلي) إن الثوار تمكنوا من السيطرة على مباني جمعية الزهراء وصولا إلى دوار المالية.
وأضاف: "ومن جهة الجوية أخذنا مبنى الخدمات الفنية وأخذنا مبنى الهلال الأحمر وشركة الكهربا وقسما من مبنى الميتم". وأوضح أن الخطوة التالية هي السيطرة على القصر العدلي والجامع المجاور، وبالتالي يصبح مقر المخابرات الجوية تحت حصار شبه كامل، حيث يبقى طرف واحد هو الطريق الرئيسي المطل على الخالدية.
وبالسيطرة على القصر العدلي الذي يستخدمه النظام السوري مركزا للقناصة، يصبح تركيز الهجوم على مقر المخابرات الجوية نفسه.
وبث الثوار في وقت سابق تسجيلات فيديو لقصف مبان تابعة لفرع المخابرات الجوية بالدبابات، ما ألحق دمارا كبيرا بها.
والأسبوع الماضي، سيطرت الكتائب المقاتلة على قرية فجدان في ريف حلب الجنوبي، إضافة إلى حاجزي الدشم وبرج الحمام على أطراف قرية عزيزة عقب اشتباكات عنيفة مع قوات النظام.
وبعد قطع الطريق الرئيسي لإمدادات النظام بالسيطرة على الرمواسة، قام النظام السوري بشق طريق ترابي محاذ للطريق القديم لتسهيل الإمدادات.
كما يسعى النظام السوري لتحقيق تقدم في منطقة الشيخ نجار الصناعي في شمال شرق حلب منذ نحو شهرين، في إطار سعي النظام لقطع إمدادات الثوار من الريف الشمالي، لكن الثوار تمكنوا في الأسابيع الأخيرة من استعادة العديد من النقاط في المنطقة.
وفي الأثناء يواصل طيران النظام السوري قصفه للمناطق المدنية في حلب وريفها بالبراميل المتفجرة. فقد تعرضت أحياء الأنصاري الشرقي والحيدرية ودوار الجندول للقصف، كما قصف النظم بلدة مارع في الريف الحلبي.
تطمين الأهالي:
وبينما تسعى الكتائب المقاتلة لاستكمال السيطرة على أحياء حلب الغربية، تعهدت "الغرفة المشتركة لأهل الشام" التي تضم الكتائب المشاركة في معارك حلب؛ بضمان أمن الأهالي في هذه الأحياء.
وقالت في بيان: "إن دماء أهلنا في المناطق المحتلة الواقعة تحت سيطرة ميلشيات النظام هي أمانة في أعناقنا، وحمايتها والذود عنها هو واجب محتم علينا".
وطالب البيان "كافة الجهات والفصائل العسكرية في حلب باتخاذ إجراءات الاحتياط عند قصف تجمعات ميلشيات النظام في مناطقه"، محذرة من أنه "كل من يثت عليه عدم مراعاة الدقةفي عملية القصف ستتم محاسبته واتخاذ كافة الإجراءات الصارمة في حقه".
وفي ذات السياق، دعت "الغرفة المشتركة" الأهالي "في المناطق المحتلة" إلى الابتعاد مسافة لا تقل عن خمسين مترا عن أي ثكنة أو نقطة أمنية أو أي تجمع باز لقوات النظام وشبيحته".
لكن الثوار هددوا بقطع الكهرباء عن أحياء حلب الواقعة تحت سيطرة النظام السوري ما لم يتوقف النظام عن قصف محولات ومحطات الكهرباء في المناطق الخارجة عن سيطرته، إضافة إلى وقف الغارات الجوية على المناطق المدنية.
قصف ونزوح:
وفي الأثناء، تتعرض المناطق الخاضعة سيطرة الثوار لقصف جوي عشوائي عنيف، دفع مزيدا من السكان إلى مغادرة تلك المناطق سواء إلى الريف أو إلى تركيا.
وقال أحد سكان حي الصالحين، وهو من أوائل المناطق التي سيطر عليها الثوار في حلب؛ إن بعض النازحين كانوا قد بدأوا بالعودة إلى بيوتهم، ولو بأعداد قليلة، ولكن الحملة القصف المستمرة بالبراميل المتفجرة المدينة وريفها دفع الناس لكي "تعيد حساباتها".
وقال هذا المواطن، واسمه يوسف، لـ"عربي21" إن سكان حلب الذين ظلوا الأحياء التي تتعرض للقصف "شعارهم سوف نبقى هنا". واعتبر أن أي شخص من هؤلاء "إما أنه شخص قوي إيمانيا من باب لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، أو أنه شخص ليس لديه أحد في الخارج أو لا يملك مال للخروج".
وتظهر تسجيلات فيديو وصور سيارات نقل صغيرة وقد حملت بالمفروشات المنزلية الأساسية، وعلق أصحاب هذه التسجيلات بالقول إن هذا استمرار لمسلسل النزوح من حلب.
وأشار يوسف إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في المدينة، مقدرا الحد الأدنى لمصروف الأسرة المتوسطة الحجم بما لا يقل عن 25 ألف ليرة سورية (نحو 200 دولار بأسعار الصرف الحالية).
ولفت يوسف إلى صعوبة إيجاد فرص عمل في ظل الأوضاع الحالية، باستثناء "بعض المخابز والورشات الصغيرة التي يمكن أن تعتمد على مولدة كهرباء" أو البيع على البسطات، إضافة إلى بعض محلات الطعام والمواد الغذائية"، داعيا "الجهات الداعمة التي تركز على موضوع الإغاثة" إلى الالتفات إلى "موضوع دعم المشاريع التنموية".
ومن أصل 2,5 مليون نسمة هم عدد سكان مدينة حلب في الأصل، لم يبق فيها الآن سوى 500 ألف بعد أن ألقت عليها طائرات النظام السوري أكثر من 1400 برميل متفجر منذ بدء الحملة على المدينة قبل نحو خمسة أشهر. وبحسب إحصائية نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، فقط ألقى النظام نحو 4000 برميل متفجر على مختلف المدن والبلدات السورية بالمجمل، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 20 ألف مدني.
ولا يكاد سكان مدينة حلب يتذكرون بأن قرارا من مجلس الأمن صدر بالإجماع؛ للمطالبة بوقف القصف بالبراميل المتفجرة، ويمتلئ موقع يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى بصور الضحايا والدمار الهائل في المناطق المدنية نتيجة القصف.
ومنذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139 في 22 شباط/ فبراير الماضي، قتل نحو ألف شخص نتيجة القصف بالبراميل المتفجرة.
وتتحدث أسرة من مساكن هنانو في حلب عن محنتها لوكالة رويترز. وتقول طفلة من الأسرة عمرها تسع سنوات وتدعى جودي إنها مصابة بثقب خلقي في القلب، لكن أسرتها لا تملك المال اللازم للفرار الى تركيا بحثا عن الأمان والعلاج.
وتضيف جودي وحولها أمها وأخوتها: "السلام عليكم. أنا جودي عمري تسع سنين وساكنة بحلب.. مساكن هنانو. أبوي استشهد وانحرمنا. معي فتحة بالقلب وما فيه دوا. وكل الصيدليات مسكرات. انحرمنا كل شيء. طلعت الطيارات صفقتها برميلين. شوفوا بيتنا. شوفوا ها الدمار. شوفوا هدول. انحرمنا كل شي. ومام بدها تطلع على تركيا وما معنا مصرات (مال)".
تقول أسرة جودي ان كثيرا من سكان تلك المنطقة في حلب فروا من القصف اليومي. وتقول والدة جودي التي رفضت ذكر اسمها انها لم تعد تشعر بالأمان في بيتها.
وتضيف أم جودي: "أنا مرة (امرأة) الشهيد. عندي ثلاث أطفال بنتين وصبي. والصبي أصغر شيء بيناتهن.. ما شاف أبوه يعني عمره ثمانية شهور.. توفى يعني الأب. ما فتح عينه ع أبوه ما شاف حنية أبوه. ما شاف شي يعني بحياته. يعني الحياة صعبة. أول شيء الرجال جنب المرة بها الظروف وها الأيام الحرب وها الشيء بيكون أمان لها ع الأقلية وأمان للأطفال. يعني هلا أنا صرت من دون رجال. طبعا لها السبب بها الشيء اللي احنا فهي وها المشاكل وها الدمار...اللي راح فيها جوزي".
وتقول جدة جودي أن الأسرة تدعو الله ان تتوقف الغارات الجوية المهلكة التي تتعرض لها المنطقة. وتضيف: "هلا صار لنا ثلث سنين وداخلين ع الأربع سنين. طيب ها الدمار وها الشيء كله لأي متى بدنا نستنى. لأي متى بدنا نستنى. عم ندعي لربنا يارب دخيلك ما بدنا شيء. لا أكل ولا شرب. بس وقف لنا ها الطيران.. ها الطيران وحده هدنا. عم بأسمع الطيران أداني (أذناي) التنتين (الاثنتين) ما بأسمع بيهما".
وتحولت حلب التي تضم العديد من المواقع الأثرية والمساجد التي بني بعضها في القرن الثامن؛ إلى أطلال وخرائب، وخلت شوارعها من الناس والسيارات.
وقال رجل من أهالي حلب يدعى أنس بينما كان يسد نوافذ منزله بالأسمنت: "طبعا عمدنا لإعمار القرميد أو البلوك بفعل القصف اليومي على حلب بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة. طبعا أأمن للنساء والأطفال بفعل الشظايا اليومية. حتى لو ما تعرض المبنى أو البناء للقصف بالبراميل المتفجرة أو الطيران الحربي الضغط الكبير يلي بييجي من مسافات بعيدة بخلي ما في بلور (زجاج النوافذ) أبدا بالبيت لذلك عشان ما يتشظوا الأولاد أو ينأذوا عمدنا لهذه الفكرة البسيطة".
وذكر ناشط سوري يدعى غيث أنه مصمم على البقاء في حلب رغم تزايد العنف. وقال: "ما حدا بيحسن يبعد عن بلده ما حدا بيحسن يعيش برة بلده. أنا هون ولدت وهون بدي أتم (أظل) وهون بدي أموت. الناس نزحت الله يحميها ويوفقها لأن صار الوضع لا يحتمل أبدا. 20 برميل يوميا في مناطق مدينة حلب. البرميل بدمر أربع بنايات. الناس نزحت. أنا ليش أنزح.. الثورة لنا. تمينا (بقينا) هون عشان مظل مع الناس يلي ظلوا هون. فيه نسبة هون ظلت ما سافرت. فيه ناس ما عندها إمكانية تسافر. البلد بشبابها.. البلد برجالها.. مستحيل نترك البلد لبشار".