كتب هشام ملحم: بدا جون
كيري مرهقا ومحبطا، وان يكن حاول جاهدا ألا يفقد صبره تحت وابل السهام السامة التي وجهها اليه زملاؤه السابقون في لجنة العلاقات الخارجية التي رأسها سنوات طويلة. الصورة التي التقطها مصور صحيفة "النيويورك تايمس" لكيري وهو يمسح جبينه مغمض العينين عبّرت أكثر من أي كلمات عن احباطه واستيائه من الانتقادات الجارحة والساخرة لادائه وزيرا للخارجية.
لا احد يستطيع ان ينكر ان طاقة كيري (70 سنة)، على النشاط المكثف والسفر المضني، كانت وراء جهوده الكبيرة لاحياء مفاوضات
السلام بين
الفلسطينيين واسرائيل، والدفع لعقد مؤتمر
جنيف 2 حول سوريا، والمفاوضات النووية مع ايران. وحتى عندما كانت تبرز الازمات الحادة والملحة مثل ضم روسيا شبه جزيرة القرم، كان كيري يعالجها وكأنها الازمة
الوحيدة امامه.
وعلى نقيض سلفه هيلاري كلينتون التي تفادت معالجة مثل هذه القضايا المعقدة لأنها يمكن ان تكلفها داخليا وتؤثر في فرصها للترشح لمنصب الرئاسة، كان كيري متحررا من هذه الاعتبارات ونجحت جهوده في كشف حسابات كلينتون وسجلها الهزيل وزيرة للخارجية.
في الخبر الذي نشرته "النيويورك تايمس" للعقاب الذي تعرض له كيري على ايدي الجمهوريين والديموقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية، قارنت بينه وبين الشهادة التاريخية التي ادلى بها وزير الخارجية سابقا جيمس بايكر قبل 24 سنة حين كان يشعر باحباط مماثل بسبب سياسات الاستيطان لحكومة اسحق شامير. بايكر هدد بوقف الوساطة الاميركية، وخاطب الاسرائيليين قائلا: "عندما تشعرون بالجدية في شأن السلام اتصلوا بنا". ورأت الصحيفة ان الفارق بين الوزيرين هو ان بايكر كان قادرا على تعليق الوساطة، بينما كيري يريد مواصلة الوساطة. ولكن الفارق الاساسي الذي لم تذكره الصحيفة هو ان بايكر كان يحظى بدعم قوي جدا من رئيسه وصديقه جورج بوش، بينما لا يحظى كيري بدعم مماثل من رئيسه اوباما غير المستعد للاضطلاع بدور قيادي ومباشر.
السناتور جون ماكين كان جارحا حين قال لكيري انه سيحقق هزيمة ثلاثية: اخفاق مفاوضات جنيف 2، ومفاوضات السلام، والمفاوضات مع ايران. فاجابه كيري: طبعا قد نفشل. انت تريد ان ترمي كل شيء عليّ؟ قد افشل. انا لا ابالي. يجب ان نبذل الجهد، وهذه القضايا تستحق ذلك".
قبل يومين وجه زبيغنيو بريجنسكي مع عدد من الشخصيات السياسية السابقة رسالة دعم لجهود كيري في هذه المفاوضات تطالبه بموقف قوي ضد الاستيطان وفندوا مطالب اسرائيل التعجيزية الاخرى. عنوان الرسالة " قف بحزم، جون كيري". لكن السؤال الاهم هو : هل باراك اوباما قادر على الوقوف بحزم؟ والى اشعار آخر يقف كيري وحيدا.
(النهار اللبنانية)