قال الأكاديمي
المصري عماد الدين شاهين، الأستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة، والمحرر الرئيسي لموسوعة أوكسفورد عن الإسلام والسياسة، أن تعيين الحكومة المصرية الجديدة يؤكد أن مصر سقطت في يد "دولة بوليسية فاسدة"، و"ديكتاتورية"، ذاهبا إلى أن مصر بحاجة إلى مساعدة العالم حتى تتغلب على القمع الجديد.
وفي مقال نشرته صحيفة "الغارديان"، شدد شاهين على أن
الأزمة المصرية ستستمر حتى يخرج العسكر من الحياة السياسية. وربط عملية الإصلاح السياسي ونهاية الشرخ العميق في "مصر
السيسي" برحيل العسكر، وعدم تدخلهم في
السياسة.
وقال إن هذا لن يتحقق إلا بمنع الجنرالات، وكل من يحمل شارة عسكرية، من الترشح للانتخابات.
وعلق شاهين في البداية على التأكيدات المتكررة من مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، بأهمية تحقيق الاستقرار، والمسار الديمقراطي في مصر.
ولم يتحقق أي شيء من هذا مع أن مصر شهدت في السنوات الثلاث الماضية ست حكومات، كانت آخرها حكومة إبراهيم محلب التي تبعت استقالة جماعية لحكومة حازم الببلاوي.
ويرى شاهين أن كل التغير في الحكومات فشل في تحقيق طموحات المصريين الاقتصادية والسياسية، ومطالب ثورة 25 يناير 2011؛ وهي تحقيق العدالة، والكرامة الإنسانية.
ويقول شاهين إن حكومة محلب في شكلها ومضمونها ترسل رسالة واضحة عن المستقبل الذي تتجه إليه مصر: مزيج خطير من الشمولية والفساد، وفي أحس حالاته إعادة لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ويلفت إلى أن عزل حكومة حازم الببلاوي جاء بعد أشهر من تعيينها، وقبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة التي ستؤدي إلى تشكيل حكومة دائمة.
وفي الوقت الذي يرى محللون أن عزل حكومة الببلاوي يتعلق بفتح الباب أمام قائد الانقلاب المشير عبد الفتاح السيسي للترشح للرئاسة، وبعجز حكومة الببلاوي نفسها عن أداء واجباتها، يرى شاهين أن هذا التحليل غير مقنع؛ لأن ثلثي حكومة الببلاوي المعزولة احتفظوا بمناصبهم في الحكومة الجديدة لمحلب.
ويوضح أن تشكيل الحكومة بدد الآمال بأي تحول ديمقراطي وتغير ذي معنى في مصر، بل عزز –كما يقول- مخاوف الكثير من أن الثورة المضادة حية، وتعمل بشكل نشط؛ حيث "تريد جر البلاد نحو مرحلة ديكتاتورية جديدة".
وأشار الكاتب هنا إلى ان محلب نفسه كان عضوا في نظام مبارك، ومقربا من نجل الأخير جمال، ومتورطا بشكل كبير في قضايا فساد.
وتحدث محلب عن "مهمة للمواجهة" وأطلق على حكومته، "حكومة المحاربين"؛ مما يؤشر على أن عمليات اضطهاد المعارضين السياسيين للحكومة سيتواصل، وحسب تقارير حقوقية، قتل منذ تموز/ يوليو 3 آلاف شخص، وهناك 16 ألف جريح، و 22 ألف معتقل بمن فيهم عشرات الصحفيين.
ويكتب شاهين كيف استهدفه النظام الديكتاتوري الجديد؛ بسبب نقده له: "كواحد من المعارضين الأشداء لنظام مبارك الديكتاتوري، ومعارض لعودة النظام الشمولي العام الماضي، تم استهدافي من قبل حكومة الانقلاب لمعارضتي الصريحة والعلنية، ولم أكن يوما عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، لكن تم وضعي معهم، واتهمت بارتكاب جرائم خطيرة مع قائد الجماعة، بما في ذلك التجسس ومحاولة تغيير النظام، وهي اتهامات قد تؤدي لحكم بالإعدام، وإذا حدثت هذه الاتهامات اللامسؤولة لي كأكاديمي مستقل؛ فمعنى هذا أن لا أحد محصنا منها في مصر السيسي".
ويقول شاهين إن عمليات القمع لم تنجح في إنهاء الاحتجاجات، ولم تمنع مئات الألوف من المصريين من الخروج للشوارع في كل اسبوع، فيما تصاعدت التظاهرات التي يقودها الشباب والتي تدعو إلى إعادة الديمقراطية.
ويعبر الكاتب عن مخاوفه من التعذيب والاعتقالات الجماعية والاغتصاب التي يرتكبها الأمن ضد المتظاهرين، وتؤدي إلى عنف مضاد، حيث حرقت العديد من سيارات الشرطة، وقتل ضباط شرطة من قبل معارضين غاضبين.
وقال شاهين إن "الحكومة الجديدة عبرت عن تغير في تحالفها، من التحالف المضاد للإخوان المسلمين الذي قدم أفراده الغطاء السياسي للانقلاب، إلى التحالف مع أنصار النظام السابق من أصحاب المال والمحسوبين والإليغارغ الذين يحتاجهم النظام لدعم ترشيح السيسي للانتخابات الرئاسية".
ويؤكد شاهين أن رئاسة السيسي لن يكون لها الحظ الأوفر لتحقيق الاستقرار في وقت يتواصل فيه التدهور الأمني بدون توقف، والوضع الاقتصادي يخرج عن السيطرة، وتتداعى فيه البنى التحتية للدولة؛ فالانقطاع الدائم للكهرباء، وزيادة أسعار المواد الغذائية كانت الأسوأ التي تمر على مصر منذ سنين، على الرغم من أموال الدعم من الإمارات والسعودية والكويت.
وذهب شاهين إلى أن السيسي لا يرى -على ما يبدو- الشرخ العميق ولا الاستقطاب السياسي الذي أسهمت في خلقه سياساته. فلا حكومة جديدة ولا ديكتاتور جديد بقادرين على رأب الصدع؛ لأن الأزمة الحقيقية في مصر نابعة من عدم توفر الرؤية الواضحة لدى أي واحد للتصدي للتحديات –بحسب قوله-.
وبيَّن أنه لن يحصل أي تحسن في الأمن ولا الاقتصاد طالما لم يتم حل الأزمة السياسية؛ فمنذ ثورة عام 2011 لم يعد قطاع جوهري من المصريين ليقبل الحكم العسكري. ومن الواضح أن الوسائل المفرطة التي استخدمت لتركيع المتظاهرين لم تنفع.
وحتى تعود الديمقراطية فيجب أولا –وفق رأيه- أن يبتعد الجيش عن السياسة وللأبد. وأحسن اشارة عن هذا ستكون بمنع كل من يحمل شارة عسكرية من الترشح للانتخابات الرئاسية، أو لعب دور بارز في الحكم.
"فمنذ ستة عقود والجيش يتحكم بالحياة السياسية والاقتصادية لمصر، فمن بين 27 محافظا، هناك 19 جاؤوا من المؤسسة العسكرية، ومديرو أكثر من 55 شركة كبيرة في مصر كانوا جنرالات في الجيش، وهذه الشركات تسيطر على معظم الاقتصاد المصري" –كما يقول-.
أما الأمر الثاني –بحسب ما يرى- فيجب نزع فتيل الاستقطاب السياسي الذي يعم كل مصر، ولن يحدث هذا بدون السماح للحركات والأحزاب السياسية العمل بحرية بدون خوف أو استفزاز، وهذا يقتضي تفكيك الدولة البوليسية التي عادت بعد انقلاب تموز/ يوليو.
وأضاف: "نحتاج أيضا إلى إعادة حكم القانون والحريات المدنية وحقوق الإنسان وإصلاح القضاء وإنهاء الاستقطاب الإعلامي، ويجب إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإنهاء كل المحاكمات المزيفة".
وتابع: "أخيرا، يجب العمل على تأكيد مبدأ العدالة الانتقالية لرأب جراح المجتمع، وتعتمد جهود المصالحة على التحقيق المستقل الذي تقوم به مؤسسات تحظى بمصداقية، ويحب تقديم المتهمين بارتكاب انتهاكات فظيعة للمحاكمات".
"ويجب على الاتحاد الأوروبي والدول الديمقراطية المساعدة لتحقيق هذا؛ ولن تتم إعادة الديمقراطية لمصر حتى يقوم المجتمع الدولي باتخاذ موقف واضح وثابت ضد الحكم الشمولي والدولة البوليسية".