أقفل المجلس الدستوري بالجزائر منتصف ليلة الثلاثاء/ الأربعاء باب تسلم ملفات الترشح لانتخابات الرئاسة المقررة يوم 17 نيسان/ أبريل القادم، باستلام 12 ملفا من جملة أكثر من 120 مرشحا سحبوا استمارات الترشح من وزارات الداخلية قبل اكثر من شهر.
وفي حادثة غريبة، لم يتمكن المرشح رشيد نكاز من التقدم بترشيحه، رغم حضوره مع معاونيه إلى مقر المجلس الدستوري قبل انتهاء المحدد، حيث مكث مع معاونيه نحو ساعة من الزمن منتظرا قدوم أخيه ومعه استمارات التوقيعات التي تم جمعها من المواطنين لكنه لم يأت.
واضطر رئيس المجلس الدستوري، الوزير السابق للخارجية
الجزائرية مراد مدلسي، لإضافة ساعة أخرى خارج الآجال المحدددة لغلق مكتب استقبال الترشيحات، إلا ان شقيق المترشح المفترض لم يصل إلى المقر وبالتالي يكتمل ملف ترشح رشيد نكاز. وبذلك سقط ترشح نكاز حتى قبل ان يشرع المجلس الدستوري في غربلة الملفات وترسيم المترشحين المتوفرة فيهم كل الشروط قبل بدء الحملة الانتخابية رسميا يوم 23 آذار/ مارس الجاري.
وظهر نكاز محبطا، شاحب الوجه، وقال للصحفيين امام مقر المجلس الدستوري: "لا أدري ماذا جرى، كنت على اتصال مستمر مع شقيقي، الى أن اقفل هاتفه، سأرى ما أفعل، لكن أولا سأبحث عن شقيقي".
ورشيد نكاز البالغ من العمر 42 عاما، كان يفترض أن يكون أصغر المترشحين لرئاسة الجزائر، وهو مغترب بفرنسا وقد حاول الترشح لانتخابات الرئاسة في فرنسا عام 2012 إلا ان ملفه قوبل بالرفض.
ونكاز أشهر الجزائريين في فرنسا دفاعا عن ارتداء النساء المسلمات للبرقع في أوج الحرب التي شنتها الحكومة الفرنسية على النقاب، وكان يتكفل بالغرامات المالية التي تفرص على المنقبات بفرنسا.
والمترشحون الذين أودعوا ملفاتهم للتنافس على منصب رئيس الجمهورية هم: الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة (للمرة الرابعة) ورئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي (يترشح للمرة الثالثة) ورئيس حزب التجمع الجزائري علي زغدود (للمرة الاولى) ورئيس حزب جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد (للمرة الاولى) والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون (للمرة الثالثة) والمرشح المستقل علي بن فليس (للمرة الثانية) ورئيس حزب النصر الوطني محفوظ عدول (للمرة الاولى).
كما أودع كل من رئيس حزب "عهد 54" علي فوزي رباعين ورئيس حزب الكرامة محمد بن حمو، والمترشحين المستقلين علي بنواري والصادق طماش وحمادي عبد الحكيم، ملفات ترشحهم بالمجلس الدستوري.
وينتظر ان يعلن المجلس الدستوري عن القائمة النهائية للمترشحين المقبولين خلال 10 أيام من تاريخ انتهاء مهلة إيداع ملفات الترشح، بحسب ما ينص عليه قانون
الانتخابات.
وتوجب المادة 73 من الدستور على المترشح لانتخابات الرئاسة التمتع بالجنسية الجزائرية هو وزوجته، ويدين بالاسلام، ويتمتع بحقوقه المدنية والسياسية، الى جانب التصريح بالممتلكات العقارية والمنقولة داخل وخارج الوطن.
ولا تعلق الطبقة السياسية آمالا كبيرة في ان تحدث انتخابات الرئاسة تغييرا تنحو الافضل في البلاد، بسبب استمرار النظام القائم على حكم الرئيس بوتفليقة. وقد أحدث إعلان ترشحه للمرة الرابعة ضجة وسط احزاب المعارضة التي شككت في قدرته على حكم البلاد لفترة اضافية.
وقال القيادي في حزب العدالة والتنمية الاخضر بن خلاف لـ"عربي21"؛ انه "بات واضحا ان الرئيس المترشح ليس قادرا على حكم البلاد، والدليل على ذلك هو خلطه بين الدستور وقانون الانتخابات، لدى حديثه مع رئيس المجلس الدستوري مراد مدلسي، وهذا يدل على ان قدراته الذهنية ضعيفة".
وتتصاعف موجة الاستياء من ترشح الرئيس بوتفليقة لانتخابات الرئاسة، إذ قررت حركة "بركات" المناهضة للولاية الرابعة لبوتفليقة القيام بمظاهرة، غدا الخميس وسط العاصمة.
وحركةّ "بركات" ولدت بعد قمع السلطة لمظاهرة قام بها الصحفيون والنشطاء لرفض رابعة الرئيس المترشح، السبت الماضي.
وقام الصحفيون بمظاهرة أخرى، أمس الثلاثاء، أمام المجلس الدستوري للتنديد بخرق الدستور والقانون وقمع الحريات وتحويل الجزائر الى "ملكية خاصة".
ولاحظ أعضاء الحركة ان "المجلس الدستوري عامل بوتفليقة بمنطق الرئيس وليس بمنطق المترشح لما اودع ملف ترشحه". ونددت الحركة باستعمال وسائل الدولة من قبل بوتفليقة، بما في ذلك سيارات الرئاسة وحرسه الرئاسي، وتخصيص المجلس الدستوري قاعة خاصة لاستقباله.
ولم تظهر صور التلفزيون الرسمي بوتفليقة وهو يمشي، واكتفى بنقل تصريحاته على كرسي، الامر الذي زاد من قناعة المعارضة بعدم قدرة بوتفليقة على الحركة، وبالتالي على تسيير امور البلاد لفترة خماسية اخرى.
والأربعاء، ساند عضو الحكومة السابق المكلف بالجالية الجزائرية بالخارج حليم بن عطا الله، المرشح المستقل علي بن فليس، موضحا في رسالة وجهها إلى الوزير الأول عبد المالك سلال ان "بوتفليقة يعتقد انه بإمكانه تسيير البلد لوحده".
والاهم في الرسالة التي بعث بها الوزير السابق لعبد المالك سلال، والتي حصلت "عربي 21 "على نسخة منها، يكمن في خاتمتها، عندما قال: "لا أحد ينفي أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ليس بالرجل الذي يترك للآخرين مجال العمل بصلاحياته الرئاسية، وكلنا يتذكر قوله: أنا لست ثلاثة أرباع الرئيس. لذلك، يحق لنا التساؤل عن سبب شذوذ المرحلة الحالية، شذوذ يستدعي سؤالا آخر يردده الشارع الجزائري: هل يراد تسيير البلد باسمه؟"، معتبرا أن "وحدها شرعية هذا السؤال تكفي للدفع بانتخاب السيد علي بن فليس".
وتناول الوزير السابق والدبلوماسي بن عطاء الله مرض الرئيس بوتفليقة، مشيرا الى أن التأكيدات التي قدمها سلال بخصوص تحسن وضعه الصحي "مرجعها تشخيص فريق طبي للقوة الاستعمارية السابقة"، وقال إنه "يمكننا اليوم بعد هذا التأكيد من قبلكم معرفة مدى صحته وبشكل علني من قبل الفريق طبي الجزائري الذي يتابع صحة رئيس الجمهورية".
وقال مسؤول "حركة الصحوة الاسلامية"
السلفية عبد الفتاح زراوي حمداش إن "الانتخابات الرئاسية قد فقدت كل ذوقها عند الجزائريين وأصبحت بلا طعم، بسبب إغلاق اللعبة بترشح الرئيس بوتفليقة، وفصل رجال القرار والظل والضغط في أمرها بعد الحرب الضروس الطاحنة التي دارت رحاها بين العصابتين المتصارعتين على المصالح والحكم والتركة والمكاسب".
وأضاف حمداش: "لم يبق من رسوم المنافسة الانتخابية إلا مرارة العيش عند الجزائريين ببقاء دار السلطة على حالها، وسوء التفاؤل الذي يعيشه الجزائريون بسبب الغموض والظلام السياسي في بلادنا، وأن لا شيء سيتغير سياسيا ولا اقتصاديا في العاجل أو الآجل إلا أن يشاء الله، لعلة بقاء العصبة الحاكمة المتسلطة على السلطة والحكم والثروة والقرار ومصير البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
وقال حمداش: "أعلن أني لن أشارك في الانتخابات الرئاسية لا من قريب ولا من بعيد في مساندة أي طرف، ولن أرشح مرشحا من الموالاة أو المعارضة أو الأحرار، و لن نقوم بحملة أو دعاية انتخابية لأي مرشح أو عصبة، ولسنا في حرب العصب ولا مع أي طرف ولا جماعة فيها، ولن نضف الصبغة الشرعية الإسلامية أو السلفية او العلمية على هذه المهزلة الانتخابية المفصول في أمرها قطعا وجزما"حسب تعبيره.
وكان أربعة مرشحين قد أعلنوا انسحابهم من سباق الرئاسة، وانضموا إلى دعوات المعارضة لمقاطعة الانتخابات.
ومن بين أبرز المنسحبين رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور الذي دعا المرشحين الآخرين للانسحاب معتبرا أن الانتخابات "قد أغلقت لصالح الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة"، في حين لم يكتف الجنرال المتقاعد محند طاهر يعلى بالانسحاب، بل دعا الجيش للتدخل لوقف المسار الانتخابي.
وكان رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان قد أعلن انسحابه من السباق الرئاسي في وقت سابق والتحق بمتظاهرين مناهضين للعهدة الرابعة لبوتفليقة، واغلبهم صحفيين، اعتقلوا في تجمع مناوئ للرئيس بوتفليقة قرب الجامعة المركزية، قبل اطلاق سراحهم.
وفي حركة لافتة، اختار المرشح كمال بن كوسة لإعلان انسحابه الأسبوع الماضي من مقبرة "العالية" بالعاصمة، للتدليل على أن الأموات "صاروا يحكمون". ومقبرة العالية هي أشهر مقبرة في الجزائر وفيها رؤساء الجزائر المتوفون مدفونون.