كتب البروفسور عماد شاهين، الباحث في السياسة العامة في معهد وودرو ويلسون، ومحرر موسوعة أوكسفورد عن الإسلام والسياسة في صحيفة "واشنطن بوست"، مقالا تحدث فيه عن حالة التشدد التي تمر فيها
مصر، حيث قال: "خلال العام الذي حكم فيه الرئيس المعزول محمد
مرسي والإخوان المسلمين ارتكبت أخطاء فادحة، لكنهم ومع ذلك انتخبوا بطريقة شرعية وكان يجب التخلص منهم بالطرق التي جاؤوا فيها للسلطة: صندوق الاقتراع".
واستدرك بأن الحكومة المدعومة من
العسكر "قررت التخلص من منافسها القوي عبر الشيطنة، والاعتقالات الجماعية والمحاكمات الزائفة، وصنفت جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، وقيدت الاحتجاجات عبر التهديد بفترات سجن طويلة وغرامات ضخمة. فيما سجن الناشطون مثل أحمد ماهر وأحمد دومة، وتم التعامل مع المعارضة بشكل شرس".
وأضاف شاهين: "لقد دهشت عندما وجدت نفسي من بين الأكاديميين والصحفيين الذين استهدفهم النظام، ففي بداية 2011، عدت لمصر بعد سنوات من التدريس في الولايات المتحدة، ومثل بقية المصريين الذين عاشوا في الخارج، كنت أحن لمصر الجديدة، الخالية من الفساد والاضطهاد. ولأنني كنت حريصا على المحافظة على استقلاليتي الأكاديمية فلم أنتم إلى أي حزب سياسي، ولكنني ارتبطت بالجيل الشاب الذي كسر حواجز الخوف ودعا للديمقراطية".
وتابع: "مع تلاشي آمالنا بمصر ديمقراطية وسط عودة الديكتاتورية، عبرت عن معارضتي لسيطرة العسكر على السلطة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وأدى انتقادي إلى غضب الدولة الأمنية التي اتهمتني بالتجسس والتخريب والاتهامات الزائفة. وخرجت قبل فترة من مصر لمعرفتي أنني لن أتلق محاكمة عادلة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأوضاع اللا إنسانية التي يتعرض لها السجناء السياسيون، وغياب حكم القانون، وعبثية الإجراءات القانونية في ظل نظام قضائي مُسيَّس".
ويشير للمشهد الهزلي: "في مصر اليوم لا يسمح إلا للرواية التي تدعم النظام، ومن يعارضون الدستور الجديد -الذي صاغته لجنة لا تمثل الجميع واختارها قادة الانقلاب- يعتقلون ويعتبرون خونة. ومُرر الدستور باستفتاء بنسبة 98% -نسبة تذكر بنسب صدام حسين- وتعطي الوثيقة مزايا ضخمة للجيش وتحصن وزير الدفاع من قيام الرئيس بإعفائه من منصبه، وتجعل من مدة توليه للمنصب أطول بمرتين من مدة ولاية الرئيس".
ويعلق شاهين على اعتقال ومحاكمة الصحفيين بقوله: "يُلخِّص اعتقال ومحاكمة 20 صحفيا الأخير تدهور حرية الإعلام في مصر، ومع ذلك لم ينجح قمع النظام بإعادة الاستقرار للبلاد، فما تزال التظاهرات الضخمة تنظم تقريبا كل يوم. ولسوء الحظ أدت أساليب النظام إلى إنتاج استقطاب اجتماعي وانقسام، وحولت المجتمع المصري لمجتمع اورويلي (نسبة لجورج أورويل). ففي الفترة الأخيرة قدم رجل شكوى ضد زوجته في مركز الشرطة؛ لأنها من الإخوان المسلمين. وقدم دليلا على هذا صورة لها وهي ترفع علامة رابعة في تذكير للمذبحة التي ارتكبها النظام ضد المعتصمين في الساحة. وفي سياق مشابه قالت أم للشرطة إن ابنها ينتمي لحركة 6 إبريل. وسنشهد حوادث مماثلة في حالة استمرار جو سياسي مشحون بهذه الصورة".
ويعلق شاهين على ما يراه من الهوس بالمشير السيسي قائلا: "يُصور الإعلام الداعم للدولة المشير عبد الفتاح السيسي كبطل قومي أنقذ مصر من الإخوان المسلمين الذين يلقون دعما من الولايات المتحدة. في وقت تتزايد فيه المشاعر
الشوفينية المحلية المعادية للولايات المتحدة. فقد هدد الصحفي المعروف المؤيد للسيسي مصطفى بكري بذبخ الأمريكيين في الشارع لو أصاب السيسي ضرر".
ومن هنا "وفي حالة انتخاب السيسي كرئيس لمصر في هذا الربيع، فمن المحتمل أن يحاول تعزيز سلطات جديدة، ولن يمنع هذا من توسع حالة الاحتجاج الشعبي، خاصة بين الشباب؛ بسبب تدهور الاقتصاد المصري، ولا يمنع هذا من استمرار العنف الذي لا يميز".
ومن أجل منع عدم الاستقرار والعنف فعلى قادة الانقلاب "وقف الاضطهاد وسفك الدماء كوسيلة لتعزيز مكاسبهم السياسية. والطريق الوحيد الدائم للتقدم أماما هو فتح المجال أمام كل الجماعات المعارضة، وإعادة سيطرة المدنيين على العملية الديمقراطية، ويجب القيام بجهود حقيقية لتحقيق المصالحة الوطنية، وتشمل هذه إطلاق سراح السجناء السياسيين، وإنهاء كل عمليات الشيطنة والتحريض على الكراهية ضد المعارضة السياسية، ووقف كل أشكال القمع ضد الاحتجاجات، والانخراط في جوار جدي للتوصل لحل سياسي".
وفي نهاية مقاله يقول عن الولايات المتحدة ودورها في مصر: "كانت الولايات المتحدة راعيا لمصر ولعقود، ودورها في هذا المجال حيوي، وما يزال دعاة الديمقراطية في مصر يتذكرون خطاب الرئيس باراك أوباما عام 2009 في القاهرة الذي شجب فيه الحكم الديكتاتوري ووعد بدعم الديمقراطية، ومن هنا فتصريحات المسؤولين الأمريكيين أن مصر تسير على طريق الديمقراطية تناقض هذا الكلام بشكل كبير".
ويذكر شاهين في نهاية مقاله "بناء على القانون الأمريكي، من أجل أن يستمر الدعم لمصر، يجب على وزير الخارجية جون كيري الشهادة أمام الكونغرس أن الحكومة المؤيدة للانقلاب في مصر تتحرك نحو الديمقراطية الانتقالية. ولكن الأحداث في مصر منذ الصيف الماضي تظهر بوضوح أن الديمقراطية وحكم القانون في تراجع مستمر. وعلى كيري إخبار جنرالات مصر أن الولايات المتحدة لا تستطيع دعم نظام يقتل المتظاهرين السلميين، ويعذب المعتقلين السياسيين، ويعتقل الصحفيين، ويقمع المعارضة، ويلجأ للحكم العسكري. فسفك الدماء والقمع لن يقود مصر نحو الاستقرار ومن المحتمل ان تقود إلى عنف مضاد، فمفتاح الاستقرار هو التمسك بالقيم والمبادئ الديمقراطية الأساسية، وتسليم العملية السياسية للمدنيين".