لاحظ مراسل صحيفة "واشنطن بوست" عودة النخب القديمة التي عملت مع
مبارك إلى صدارة الحياة الاقتصادية، حيث كانت مكاتب سلطة الاستثمار
المصرية الفخمة تعج بالحياة، فيما يصفه المسؤولون بأنه تحسن الاقتصاد.
ونقل ما قاله قتيبة الغانم، رئيس مجموعة شركات الغانم الكويتية في مؤتمر صحافي "هذا هو أحسن وقت للاستثمار في مصر"، وأضاف "اعتقد أن مصر الآن أصبحت في أيدٍ أمينة".
ويعني الغانم في تصريحاته بالأيدي الأمينة تلك الطبقة التي عملت مع الرئيس السابق حسني مبارك، والتي يقوم رجالها الآن، وبدعم من دول الخليج باستثمار المليارات في مصر، خاصة الدول التي ساهمت أو دعمت الانقلاب العسكري على الرئيس محمد
مرسي.
وتقوم الحكومة المصرية الآن بتسخير تلك الأموال لتعزيز النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز 2% عام 2013، وتخفيض العجز في الميزانية.
ولكن عودة ظهور النخب التي تنتسب لعصر مبارك تثير القلق من قيامها مرة أخرى بإدارة نظام اقتصادي أسهم في تشجيع رأسمالية المحسوبية، وزاد من مستويات الفقر وعدم المساواة التي كانت سببا في ثورة 2011.
وتضيف الصحيفة إن اختلاط التجارة بالسياسة عادة ما تكون على حساب السكان الذين ظلوا عالقين في فقر مدقع، ويؤدي إلى تعزيزالحنق من الدكتاتورية التي تحكم مصر منذ عقود.
وما يثير الخوف هو أن رجال أعمال ومسؤولين سابقين في عهد مبارك اتهموا في مرحلة ما بعد الثورة بالفساد بدؤوا يعودون مرة أخرى إلى مراكز التأثير بما في ذلك الحكومة التي عينها العسكر في الصيف الماضي.
ونقل عن تامر وجيه، الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قوله إن نخبة رجال الأعمال "تستعيد قوتها ويمنحها النظام مساحة للعمل". وقام وجيه بمتابعة الجهود الدولية لإغلاق الحسابات والأرصدة التي وضعت باسم مبارك وعائلته وحلفائه.
ويقول وجيه إن بعض كبار رجال الأعمال من أصدقاء النظام السابق عبروا عن استعدادهم للعمل مع إدارة الرئيس المعزول محمد مرسي وبالعكس. لكن ورغم ذلك كانت هناك محاولات عامة لملاحقة بعض هؤلاء قضائيا وكشف فسادهم.
وفي الوضع الحالي، فعودة هذه لهرم السلطة يعزز حس الـ"دي جافو" (رؤية شيء سبق أن رأيته)، بشكل يقضي على الآمال بتحسن الاقتصاد.
ويقول وجيه "الآن هي متحالفة مع النظام"، أي النخبة القديمة ويشعر أعضاؤها "بالسعادة والأمان مرة أخرى".
ويقول محللون واقتصاديون تحدثت إليهم الصحيفة إن الوضع السياسي اليوم مناسب بشكل خاص لزمرة بارونات الأعمال وحلفاءهم من البيروقراطية الذين عملوا بصمت في ظل حكومة مرسي. فالحكومة المؤقتة مليئة بمسؤولين من أجهزة البلاد الأمنية ومؤسسات الإستثمار، وكذلك من رجال الحزب (الوطني) سيء السمعة الحاكم في عهد مبارك، والذي حل عام 2011.
فوزير الإسكان والتطوير المحلي هو المدير التنفيذي السابق لشركة المقاولون العرب الذي عينه مبارك، والذي اتهم بمساعدة مبارك وابنيه في تبذير المال العام لتطوير القصور الرئاسية المصرية. أما وزير البترول فهو شريف إسماعيل، وهو وإن لم يُتهم بالفساد، إلا أنه ظل مديرا حتى الشهر الماضي لشركة جنوب الوادي القابضة للبترول.
وخارج الوزارة هناك حسن هيكل، المدير السابق للبنك الإستثماري إي أف جي – هيرمس، والذي استقال من منصبه لتقديم الاستشارة للحكومة حول الميزانية والسياسة الاقتصادية، ويواجه اتهامات بالتلاعب بالأسهم العامة.
وهناك نجيب سويرس، الملياردير الذي دعم بشكل علني حركة تمرد التي قادت الاحتجاجات، وبدعم من الجيش ضد مرسي، وقد أعلن أنه سيقوم باستثمار مليار دولار في الاقتصاد المصري حال الإعلان عن الانتخابات. ووصلت أسعار شركته أوراسكوم للميديا والتكنولوجيا يوم الأربعاء إلى أعلى مستوياتها. ويوم الأربعاء الماضي أعلنت شركة بناء ومقاولات يملكها شقيق سويرس عن التوقف عن دفع أموال للضريبة تم الاتفاق لتسويتها مع حكومة مرسي حيث قامت بالاستئناف لإلغاء الحكم الصادر بحقها.
وتنقل الصحيفة عن فرح حليمي، الزميلة السابقة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والتي كتبت عن اقتصاد التمرد قولها "من عوقبوا في عهد مرسي يعودون "لمناصبهم".
وفي مقابلة معها قالت "ما يجب أن نتحدث عنه هو الإصلاح، وإلا فإننا سنجد أنفسنا في المكان الذي كنا فيه قبل عامين ونصف"، أي قبل الانتفاضة في 25 يناير 2011.
ويقول الاقتصاديون إن هناك حاجة لإعادة بناء نظام الدعم المنتفخ للدولة، والحد من زيادة التضخم الذي يقوم بخنق الفقراء. وهناك أمر آخر مهم، وهو "إصلاح النظام المصرفي الذي سمح لأعضاء النظام الماضي بإخفاء أموالهم التي حصلوا عليها بالفساد ورأسمالية المحسوبية".
وتقول الصحيفة إنه بعودة رجال مبارك لرأس السلطة، يبدو أن الحكومة غير مهتمة بالإصلاح البنيوي للاقتصاد الذي يعاني من الكثير من الخلل بشكل يؤدي لتحسين حياة المصريين.
ويتوقع الكثير من المصريين قيام الحكومة الحالية بوضع الأسس لنظام اقتصادي مشابه للأجواء التي سبقت الثورة. ويقول صاحب محل إلكترونيات "قيمة الجنيه المصري تنخفض منذ الثورة وستظل قيمته تتراجع". وبسبب ضعف الجنيه أمام الدولار، لم يكن باستطاعة صاحب المحل شراء المواد الإلكترونية من الخارج، وتساءل "مادام نفس الناس في السلطة، فهل نتوقع تغييرا؟!".
ويقول عبد الوهاب مصطفى الذي يبيع أجهزة ساتلايات مستوردة في القاهرة إن الرشوة التي يدفعها منذ سنوات لمسؤولي هيئة قناة السويس المعروفة بفسادها زادت أضعافا في الأشهر الأخيرة.
وفي المؤشر الأخير عن الفساد والشفافية في العالم؛ وضعت منظمة الشفافية العالمية مصر في المرتبة 144 بين الدول الأكثر فسادا من بين 171 دولة في العالم.
ويقول مصطفى إنه أيد عزل مرسي على أمل انتخاب رئيس جديد "لكن لا توجد على ما يبدو خطط لإصلاح البلد".