يترقب
اللبنانيون انطلاق أولى جلسات المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق
الحريري في 16كانون الثاني/ يناير الجاري، في لايدسندام بهولندا، فيما لا يزال الجدل محتدماً بين النخب السياسية حول المسؤول عن هذه الجريمة التي أطاحت بإستقرار هذا البلد وأستتبعت الكثير من الأحداث ذات الصلة.
وبمضي الوقت تتوالى المعلومات، وتتطور الإتهامات، فيما يتداول لبنانيون ما يصفونه بتبادل للأدوار بين النظام السوري الذي يتهمه البعض بإغتيال الحريري عبر عناصر من حزب الله ،والكيان الإسرائيلي الذي يُتهم بإغتيال عماد مغنية بتواطؤ من نظام دمشق بهدف قطع الخيط الذي يربطه بعميلة اغتيال الحريري.
وبينما يقترب الموعد، لا يستبعد لبنانيون أن تسفر
المحاكمة عن مفاجآت، وهو الأمر الذي سيفضي بالضرورة عن موجة جديدة من الجدل وتبادل الإتهامات ،وفي هذا الصدد نقلت "الجريدة" الكويتية بأن الاستخبارات الإسرائيلية قدمت للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان معلومات موثقة وتسجيلات لقياديين في "حزب الله" تتعلق بضلوعهم في اغتيال الحريري ، منهم القيادي العسكري في الحزب عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق، ومصطفى بدرالدين، وحسان اللقيس الذي اغتيل في ظروف غامضة في ديسمبر الماضي، وآخرون.
وأشار مصدر الصحيفة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية قدمت أيضاً للمحكمة، التي عقدت جلسة تمهيدية في لاهاي أمس وتستعد لعقد أولى جلساتها في 16 يناير الحالي، تسجيلات لمكالمات هاتفية خليوية وأرضية لهؤلاء القياديين، تؤكد أن مركز قيادة عملية الاغتيال كان في مكان ما بالضاحية الجنوبية لبيروت، لافتاً إلى أن مسؤولين سوريين كانوا على اتصال بغرفة العمليات هذه، وتلقوا لحظة بلحظة معلومات حول سير العملية.
وأوضح المصدر أنه بسبب التعقب الإسرائيلي لقياديي حزب الله، وتأكد الاستخبارات الإسرائيلية من أن هناك عملية كبيرة ستتم دون معرفة ما هي تلك العملية، قامت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بتعقب القياديين الميدانيين لحزب الله فترة ليست قصيرة، وقامت بتصوير ورصد تحركاتهم بشكل متواصل، والتقطت هذه الطائرات صوراً واضحة للمتهم الرئيسي باغتيال الحريري مصطفى بدرالدين وقيادي ميداني آخر في حزب الله أثناء وجودهما أكثر من مرة قرب مسرح جريمة الاغتيال.
من جهته، لا يزال حزب الله يرفض تسليم المتهمين وبقي على موقفه الثابت من هذه المحكمة التي وصفها بـ "الأمريكية - الإسرائيلية"، معتبرا أن كل ما يصدر عنها "باطل" وهدفها القضاء عليه بسبب مقاومته اسرائيل.
ولم يتغيّر موقف حزب الله من المحكمة رغم قول القيمين عليها، مرارا وتكرارا، إن الاتهام غير موجه للحزب انما لعناصر منه متهمة بالضلوع بهذا التفجير، وبالتالي فانّه حتى ولو ثبتت التهم على عناصر الحزب الـ5، فذلك لا يعني أنّه سيكون هناك أي قرارت تطال حزب الله لأنّ المحكمة تحاكم أفرادا وليس أحزبا أو حكومات.
واعتبر الناطق باسم المحكمة مارتن يوسف أن يوم 16كانون الثاني/ يناير الجاري، موعد أولى جلسات المحاكمة، "هو يوم تاريخي للشعب اللبناني والمحكمة كما للعدالة الدولية".
وأوضح يوسف، في تصريح لوكالة "الأناضول"، أن المحكمة الخاصة بلبنان هي المحكمة الدولية الأولى من نوعها التي تحاكم غيابيا وتتداول في قضايا ارهاب.
ومضى قائلا إنه تم تعيين محامين للدفاع عن المتهمين من قبل المحكمة "باعتبار أنّه لا ينفع أن يعين المتهمون الذين يرفضون المثول أمام المحكمة محامين عنهم الا اذا قرروا تسليم أنفسهم."
وكانت المحكمة أصدرت قراري اتّهام، الأول عام 2011 بحقّ أربعة أفراد ينتمون لحزب الله، لدورهم المزعوم في اغتيال الحريري، وهم مصطفى بدر الدين، سليم عيّاش، حسين عنيسي، وأسد صبرا، والثاني في أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت فيه أن قاضي الإجراءات التمهيدية فيها صدّق قرار اتّهام جديد بحق، اللبناني حسن مرعي المنتمي لحزب الله والمتهم ايضا بالمشاركة باغتيال الحريري.
وبموجب القرار 1757 الصادر عن مجلس الأمن، فإنّ لبنان ملزم بالبحث المستمر عن المتّهمين وتوقيفهم وتسليمهم الى المحكمة. وأعلنت السلطات اللبنانية أنّها لم تتمكن حتى الساعة من توقيف المتهمين.
ولفت مارتن يوسف الى أنّه على السلطات اللبنانية أن تقدم تقريرا شهريا لرئيس المحكمة عن الخطوات التي تتخذها للبحث عن المتهمين، موضحا أن "مسؤولية الدولة اللبنانية في هذا المجال لا تنتهي إلا مع القاء القبض عليهم أو عند تسليم أنفسهم".
وأوضح أن القضية التي تتعامل معها المحكمة هي قضية أشخاص وليس حزب ولا حكومة، وأن ما يهم القضاة هو أن يكون هناك أدلة تثبت تورط المتهمين الـ5 باغتيال الحريري أم لا.
وتابع بقوله: "انتماؤهم (المتهمين) لحزب الله أو غيره لن يؤثر على براءة أو ادانة المتهمين ولن يؤثر على قرار القضاة".
وأضاف أنه "حتى ولو أدين المتهمون الـ5، فلن يكون هناك أي قرارات ضد حزب الله باعتبار أن المسؤولية هي مسؤولية فردية.. لن يكون هناك أي مجال لاتخاذ قرارات ضد حزب الله أو ضد الحكومة.. فالقرارت ستكون ضد أشخاص فقط".
وأوضح أنّه "سيُسمح خلال الجلسة الافتتاحية لفريقي الدفاع والادعاء كما لممثلي المتضررين (الضحايا الذين قتلوا في عملية اغتيال الحريري) بالقاء كلمات ستعطي لمحة عمّا ستكون عليه الجلسات المقبلة، أي انّها ستوضح الاستراتيجية المعتمدة بشأن عدد الشهود الذين سيتقدم كل طرف بهم، إضافة إلى نوع الأدلة والوقت اللازم لكل ذلك".
وأعرب يوسف عن أمله بأن يكون للمحكمة "تأثيرات ايجابية على الشعب اللبناني، فتضع حدا للاعتداءات التي تحصل في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط".
وقال إن :"الشعوب تريد أن تتم المحاسبة وهو السبب الاساسي لوجود المحكمة الخاصة بلبنان والتي تُعتبر الأولى من نوعها بالشرق الأوسط، ما يجعلنا واثقين بأنّها ستترك التأثيرات المطلوبة على العدالة الدولية في المستقبل".
ويرد شارل رزق، وزير العدل السابق في حكومة رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة عام 2005، والذي أشرف على الاجراءات اللبنانية لطلب قيام محكمة دولية تحقق باغتيال الحريري، اعتماد الدولة اللبنانية على القضاء الدولي بدل القضاء اللبناني، إلى كون الأخير "غير قادر كليا (على اتمام العدالة).. كل من كان ولا يزال يطالب بأن يحقق القضاء المحلي في القضية بدل المحكمة الدولية اما هو غير واع أو يستسخف الرأي العام اللبناني".
وأضاف رزق، في تصريحات لوكالة الأناضول: "لقد أصرينا ايضا على أن تكون المحاكمات الغيابية متاحة لعلمنا مسبقا بأن من تجرأ وأقدم على اغتيال الحريري سيتجرأ أيضا على عدم المثول أمام المحكمة".
وتابع أن الحكم الذي سيصدر عن المحكمة سيكون له "قوة معنوية أكثر منها عملية، لعلمنا بأن الأمم المتحدة لن تشن حربا على الطرف الذي لن يسلم المتهمين".
وأوضح ان "مقاضاة الفاعلين لم يكن الهدف الوحيد من قيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بل اعادة ثقافة العدل ومعاقبة المجرمين طالما القضاء اللبناني عاجز عن ذلك."
وقال:"نتمنى بعد أن تصدر الأحكام أن نكون أحيينا شيئا من هذه الثقافة في لبنان والمنطقة، فتعيد هذه المحكمة مفهوم العدالة الى منطقة الشرق الأوسط".
وبدا رزق متفائلا للمنحى الذي قد تتخذه الأمور في المرحلة المقبلة من محاكمة قتلة الحريري، متحدثا عن وجود "تغيير ليس فقط بموقف حزب الله من المحكمة الذي يذهب باتجاه الاعتدال بل بالموقف الايراني (الداعم لحزب الله) بعد التقارب الغربي – الايراني الذي سيكون له تأثير كبير على تنفيذ أحكام المحكمة".
ومضى قائلا: "أنا متفائل لأن ايران ومنذ انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني تنتهج نهجا أكثر اعتدالا وايجابية، ما يسمح بأن تنتهي الأمور بما يتعلق بالمحكمة الدولية بشكل من أشكال الايجابية".
واشار الى ان موافقة حزب الله على تمويل المحكمة الدولية من خلال حكومة نجيب ميقاتي الحالية في الأعوام الماضية "والتي كانت الى حد بعيد تحت سيطرته.. ثبت بأن الحزب بات يعترف بهذه المحكمة ضمنيا.. هذا الأمر ايجابي جدا ويضع حدا لكل الانقسامات والخلافات السابقة بما يتعلق برفض الحزب لوجود المحكمة".
وتموّل المحكمة بنسبة 51% من مساهمات طوعية من الدول، فيما يدفع لبنان سنويا 49%، أي 29 مليون يورو من نفقاتها.
وقد سددت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 2009 حصة لبنان ولم يعترض حزب الله، الذي كان ولا يزال الطرف الاقوى في الحكومة الحالية، على تمويل المحكمة 3 مرات متتالية.
بينما ينفي النائب في كتلة حزب الله النيابية كامل الرفاعي نفيا قاطعا أن يكون "سكوت" الحزب عن التمويل اعترافا بالمحكمة، معتبرا أنها ومنذ تأسيسها "ساقطة قانونيا ودستوريا ومسيسة".
واعتبر الرفاعي، أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان "استثمار لاغتيال الحريري وصولا لضرب خط المقاومة والممانعة في لبنان.. ونحن لا نزال عند موقفنا الرافض لهذه المحكمة وما يجري فيها من مداولات لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد".
ورأى ان "سكوت حزب الله عن تمويلها هو لامتصاص بذور الفتنة السنية الشيعية من الشارع اللبناني.. لم نقبل بالتمويل، بل سكتنا عنه لعدم إيجاد سبب جديد يغذي الفتنة... نحن نقدّم الكثير من التنازلات في سبيل الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدة الطائفة الاسلامية؛ لأننا نعلم تماما أن هناك مشروع كبير لتفتيت المنطقة وتقسيمها من خلال الفتنة المذهبية".
وأضاف الرفاعي أن "المحكمة الدولية هي صهيونية – أمريكية - بدوية لا يعنينا كل ما يجري فيها على الاطلاق تماما كما قراراتها".
وتابع: "لن نرد على كل المهرجانات التي بدأوا بها احتفاء بالمحكمة لأننا نعي تماما أنّها ليست الا محاولة للضغط علينا خلال العام أو العامين المقبلين حتى يتضح ما يخطط للمنطقة من تقسيمات ومشاريع".
ويشمل اختصاص المحكمة عملية اغتيال الحريري واعتداءات أخرى وقعت في لبنان بين 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2004 و12 ديسمبر/ كانون الأول 2005، "إذا تبين أنها مرتبطة بها، ومماثلة لها من حيث طبيعتها وخطورتها".
إذ ينص قانون المحكمة على ان ولاية المحكمة تجيز لها أيضاً ممارسة الاختصاص على جرائم ارتكبت في أي تاريخ لاحق، اذا تبين أنّها مرتبطة باعتداء 14 شباط/فبراير 2005.
وبعد اغتيال الحريري شهد لبنان سلسلة اغتيالات مماثلة طالت خمسة سياسيين، هم الوزير السابق باسل فليحان والمسؤول في الحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، والوزير السابق بيار الجميل، والنائبان وليد عيدو وانطوان غانم، وصحافيان اثنان، هما سمير قصير وجبران التويني، وجميعهم أعضاء أو مناصري قوى 14 آذار المناهضة للنظام السوري.
كما اغتيل مدير المخابرات في الجيش اللبناني فرنسوا الحاج، والنقيب في فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي وسام عيد.
فيما نجا الوزيران السابقان الياس المر ومروان حمادة، والاعلامية مي شدياق والعقيد في قوى الامن الداخلي سمير شحادة، من محاولات اغتيال استهدفتهم خلال هذه الفترة.
وبعد توقف دام حوالي أربع سنوات، عاد مسلسل الاغتيالات ليطال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، العميد وسام الحسن، المقرب من قوى 14 آذار، والذي قضى بتفجير استهدفه في تشرين الأول / أكتوبر2012، فيما قتل محمد شطح، مستشار رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، الشهر الماضي عندما انفجرت سيارة مفخخة لدى مرور موكبه وسط العاصمة بيروت.