شهدت
مصر قبل الانقلاب العسكري ولعدة شهور تحالفاً بين القوى الثورية التي تصدرت المشهد خلال ثورة يناير من جانب وبين الأحزاب المدنية وفلول نظام مبارك والجيش والشرطة من جانب آخر، وتوحدوا جميعا في مواجهة الاخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي.
وبدا للمراقبين منذ 30 حزيران/ يونيو أن هؤلاء الفرقاء تصالحوا وفتحوا صفحة جديدة، وعاشوا شهر عسل بعد الإطاحة بمرسي استمر لأسابيع.
وحاولت حكومة الانقلاب التقرب من الثوار، فأقامت قبل يوم واحد من تظاهرات إحياء ذكرى اشتباكات محمد محمود - التي شهدت مقتل العشرات وإصابة المئات من الثوار على أيدي الشرطة عام 2011 - نصبا تذكارياً لشهداء الثورة، وأصدرت الداخلية بياناً تنعيهم فيه، في خطوة أثارت استغراب وسخرية الكثيرين، ورد شباب القوى الثورية في نفس اليوم بتحطيم النصب.
اشتباكات مع أنصار
السيسي والشرطة
وأثناء أحياء ذكرى محمود محمود يوم الثلاثاء، شهد
ميدان التحرير تطوراً لافتاً، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين شباب الثوار ومؤيدي السيسي الذين جاؤوا للاحتفال بذكرى ميلاده ما أسفر عن عشرات المصابين، وتمكن الشباب من طرد أنصار السيسي من الميدان، بعد أن تظاهروا فيه جنباً إلى جنب في 30 حزيران/ يونيو وما بعده.
كما شهدت عدة محافظات اشتباكات أيضاً بين شباب الثورة ومؤيدي السيسي أسفرت عن سقوط قتيلان و51 مصاباً وفقا لوزارة الصحة، ووصل الأمر إلى اتهام حملة "كمل جميلك" المؤيدة للسيسي لأعضاء بحركة "6 إبريل" باختطاف أحد كوادر الحملة من ميدان التحرير والاعتداء عليه بمعاونة أنصار مرسي.
وفي المساء تطور الموقف إلى اشتباكات بين المتظاهرين في التحرير وقوات الشرطة التي استخدمت المدرعات والغاز المسيل للدموع والخرطوش لتفريقهم، وأسفرت عن سقوط قتيلين من المتظاهرين الذين رددوا هتافات منددة بالداخلية وحكم العسكر.
وأصدرت الحكومة بياناً وصفت المتظاهرين في التحرير بـ"العناصر التخريبية"، التي تهدف لزعزعة أمن واستقرار مصر، وتوعدتهم بالحسم والحزم. وذكر هذا البيان النشطاء ببيانات الداخلية قبل ثورة يناير.
هجوم على السيسي
وبعد أشهر من التعايش بين الجانبين، عاد عدد من قادة الشباب الثوري إلى انتقاد الجيش بشكل صريح، كان آخرهم الناشط أحمد حرارة الذي طالب بمحاكمة السيسي على دوره في جرائم القتل التي وقعت منذ ثورة يناير وحتى الآن. ووصف حرارة قوات الشرطة باليد القمعية للنظام العسكري، مؤكداً أن التعذيب وسوء المعاملة للمواطنين لم يتغير.
كذلك حمل أحمد دومة الناشط السياسي النظام الحاكم المسئولية عن الاشتباكات التي شهدها التحرير، بسبب الدعوة التي وجهها لأنصاره بالنزول للميدان.
وأعلنت حركة "6 أبريل" في بيان لها الاثنين أنها ستستمر في فعاليتها ومطالبها فى الأيام المقبلة للقصاص لدماء شهداء محمد محمود وكافة شهداء الثورة."
انتهاء شهر العسل
والمتابع للاعلام المصري المؤيد للانقلاب يلاحظ بوضوح حالة الارتباك والتعجب من التحول المفاجئ في موقف شباب القوى الثورية، وتساءل مؤيدو
الإنقلاب: ألم نكن معاً يوم 30 يونيو؟ ألم تحملوا الشرطة على الأعناق في ميدان التحرير؟ أم أنكم تحالفتم معنا حتى يطيح الجيش والشرطة بالإخوان وبعدها عدتم إلى سيرتكم الأولى؟
من جانبه، اعتبر الكاتب الصحفي سليم عزوز أن تظاهرات الشباب ضد العسكر تعني أن "زواج المتعة" انتهى بين السيسي والثوار.
وأضاف عزوز، في تصريحات تلفزيونية أن القوى الثورية أثبتت اليوم خلال إحياء ذكرى أحداث "محمد محمود" بعودتها إلى معسكر الشعب والشرعية وابتعادها عن "معسكر الانقلابيين".
وأوضح أن القوى السياسية والليبرالية رغم اختلافها مع حكم الإخوان إلا أنهم الآن يشتركون في هدف إسقاط حكم العسكر.
كما قال المتحدث باسم "حزب مصر القوية" أحمد إمام، الذي كان مشاركاً في الانقلاب، إن مشاركة القوى الثورية في فعاليات محمد محمود أثبتت أن الثورة ما زالت حية تنبض، وإن قوى الثورة المضادة لن تستطيع أن تقضي على ثورة يناير.
اصنع معارضتك بنفسك
لكن محللين يرون أن التحول في موقف شباب الثورة ربما يأتي في إطار توزيع أدوار متفق عليه مع الانقلابين، حيث يسعى الإنقلاب إلى صنع معارضته بنفسه، كما كان يفعل نظام مبارك، بحيث تحتل الحركات الثورية جزءاً من المشهد ولا تترك الاسلاميين يتصدرونه وحدهم.
ويريد قادة الإنقلاب أن يخلقوا طرفاً معارضاً لهم، يحظى بشرعية ثورية، ويعمل على تنفيس الضغط الثوري المتزايد على الانقلابين، ويجذب النظر بعيداً عن الاسلاميين، ويكتفي بمهاجمة الشرطة والحكومة - وهي جهات يمكن التضحية ببعض رموزها - مع الحفاظ على النظام الانقلابي بعيداً عن المحاسبة.
كذلك يمكن إذا سقط الانقلاب ألا يستأثر الإسلاميون بحكم البلاد وحدهم، بل يكون هناك موطئ قدم للقوى المدنية ممثلة في الشباب الثوري لمزاجمتهم من جديد.