دفع قرار إحدى أكبر شركات الحديد
المصرية التخارج
من
البورصة المحلية بشطب نفسها اختياريا، مراقبين للتخوف من تبعات ذلك القرار، وأن يكون
مقدمة لتتابع التخارج من سوق الأوراق المالية في أكبر بلد عربي سكانا (107 ملايين نسمة)،
خاصة مع ما يعانيه الاقتصاد المصنف كثاني أكبر اقتصاد أفريقي في 2024، من أزمات مركبة
وهيكلية مزمنة.
وقرر مجلس إدارة شركة "
حديد عز"
المملوكة لرجل الأعمال أحمد عز، البدء في الشطب الاختياري لأسهمها من البورصة المصرية
وشراء أسهم المساهمين المعترضين أو الراغبين بعدم استمرارهم لديها والأسهم محل شهادات
الإيداع ببورصة لندن، وبحد أقصى للسعر يصل إلى 120 جنيها للسهم، وفق بيان الأحد.
وعن تمويل عملية الشطب، كشفت صحيفة
"البورصة"، المحلية عن حصول الشركة على قرض من بنك الإمارات دبي الوطني
(NBD) الإماراتي، إلى جانب جزء من السيولة النقدية المتاحة
بالشركة لتمويل عملية الشطب التي تسعى "عز" لتنفيذها منذ فترة، والمتوقع
إتمامها بالشهور الثلاثة المقبلة.
"حديد عز"، المصنفة بين أكبر
20 شركة مقيدة بالبورصة المحلية، وتستحوذ على ثاني أعلى وزن نسبي بقطاع الموارد الأساسية
بلغ 22.87 بالمئة؛ تراجع على الفور سعر سهمها، الاثنين، بنسبة 4.51 بالمئة ليغلق عند
مستوى 107 جنيهات (2.12 دولار)، لتخسر الشركة 2.7 مليار جنيه (53.7 مليون دولار) ليصل
إلى 58 مليار جنيه (1.1 مليار دولار).
اظهار أخبار متعلقة
"أهمية الشركة وحجمها بالسوق"
تأسست حديد عز، عام 1959، باسم "عز
للتجارة الخارجية" كمستورد لحديد التسليح، لتصبح في سبعينيات القرن الماضي، أكبر
مستورد وموزع للصلب بمصر، ليؤسس أحمد عز عام 1994، مصنع "حديد عز"، بمدينة
السادات بدلتا النيل، ليتوسع بالعام التالي بمدينة العاشر من رمضان، ليؤسس مصنعه الأكبر
بالسويس شرق القاهرة عام 1998، ثم بالإسكندرية عام 2000.
تنتج الشركة، جميع أنواع حديد التسليح،
ولفائف أسلاك الصلب، ومسطحات الصلب، والشبك الحديدي الجاهز، وتصف نفسها بأنها أحد أسرع
منتجي الصلب نموا، فيما تبلغ الطاقات الإنتاجية لمصانعها بمدن الإسكندرية والسويس والسادات
والعاشر من رمضان، 7 ملايين طن سنويا.
وفي العام 1999، طرحت "حديد عز"
أسهمها المالية للاكتتاب العام، ثم استحوذت على أول حصة حاكمة لها في شركة "العز
الدخيلة للصلب – الإسكندرية" بطاقة إنتاجية 2.1 مليون طن سنويا، فيما تمكنت عام
2006 من توحيد هيكل المجموعة.
وفي طريقها للتوسع، وفي كانون الثاني/ يناير
2022، اشترت "العز الدخيلة للصلب"، 18 بالمئة من شركة "حديد المصريين"
من رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، لتحصل في أيلول/ سبتمبر 2023، "حديد عز" على
حصة الحكومة المصرية في "العز الدخيلة للصلب"، والبالغة نحو 31 بالمئة.
ويتوزع هيكل ملكية "حديد عز"
بواقع 61.46 بالمئة لأحمد عز، و6.74 بالمئة لـ"The Bank
of New York Mellon"، والنسبة المتبقية أسهم تداول حر، بالبورصة
المصرية.
وتعدت مبيعات "حديد عز" 100 مليار
جنيه (2.03 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الجاري، فيما سجلت أرباحا بقيمة
2.3 مليار جنيه (45.9 مليون دولار)، مقابل خسائر بلغت 810 ملايين جنيه (16.3 مليون
دولار) خلال نفس الفترة من 2023.
لكن الشركة وبحسب إفصاح مرسل للبورصة المصرية
تكبدت خسائر فروق عملة بقيمة 1.33 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام الحالي.
وتواجه الشركة عدة أزمات منها تحقيق المفوضية
الأوروبية في شكوى رابطة الصلب الأوروبية، بشأن فرض رسوم إغراق على واردات الاتحاد
الأوروبي من الصلب المسطح المدرفل من مصر والهند واليابان وفيتنام، فيما تعد حديد عز
المصدر المصري الوحيد له.
وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تعطل
فرن الصهر الثاني بمصنع الشركة بالعين السخنة، ما تسبب في تراجع أسهم الشركة بالبورصة
المصرية بنسبة 9.33 بالمئة، وتحقيق خسارة سوقية بلغت 5.8 مليار جنيه (117.9 مليون دولار).
"حصة الحكومة إلى الصندوق السيادي"
وفي رؤيته، لأسباب شطب عز نفسها من البورصة
المصرية، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكر الله، إن "عمليات
الشطب عمليات متتابعة وحدثت بالبورصة المصرية أكثر من مرة منذ عام 2009 وحتى الآن".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن
"التأثير السلبي على البورصة وعلى إجمالي عملها قائم مع هذا الشطب، لأن رأس المال
السوقي للبورصة يتأثر سلبا كون الشركة المتخارجة الآن هي حديد عز، شركة كبيرة".
ولفت إلى أن "حصول حديد عز على قرض
من بنك إماراتي، يأتي بناء على نص القانون حين تقرر الشركة أو الجمعية العمومية لها
الشطب من البورصة، تلتزم الشركة بدفع قيمة الأسهم لحملة الأسهم المعترضين على الشطب".
وأوضح أنه "ولذلك نلاحظ أن هذه العملية
ملاصقة لإعلان شركة حديد عز، التعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة وهي: (بي دي أو كيز
للاستشارات المالية) لإجراء تقييم عادل للسعر السوقي الحالي للسهم".
وعن الأسباب الدافعة لحديد عز، لمثل هذا
الشطب، قال الأكاديمي المصري: "لا يوجد الكثير من المعلن، ولكن يجب أن نعلم أولا
أن حصة الحكومة في حديد عز كانت تصل نحو 14 بالمئة مملوكة للبنك الأهلي وبنك الاستثمار
القومي".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "قيل إن هذه الحصة نُقلت بالفعل
للصندوق السيادي المصري، وأن الصندوق ربما يبيعها إلى مستثمر استراتيجي، وربما كان
هناك استباق من حديد عز بأنه يمكن أن تستولي الشركة على حصة الحكومة".
وأنهى حديثه، مشيرا إلى أنه "قيل إن هناك أيضا اتفاقا ضمنيا بين إدارة الشركة والحكومة على الحصول على نسبة الحكومة خلال
الفترة القادمة، وأن هذا الشطب من البورصة ربما يكون تمهيدا لمثل هذه الإجراءات".
"تبحث عن امتيازات"
وعن دلالات تخارج إحدى أكبر شركات الحديد
من البورصة المصرية، وأسباب قرار الشركة، ونواياها المستقبلية المحتملة للتسجيل في
بورصات أخرى عربية أو عالمية، تحدث الكاتب والباحث والمحلل الاقتصادي محمد نصر الحويطي،
لـ"عربي21".
وقال إن "حديد عز لم تعد ترى امتيازات
بالنسبة لها في البورصة المصرية، وأن سوق الأوراق المالية المحلي لا تقدم لها شيئا
في الوقت الحالي".
وأضاف: "نعم هي تفكر بحسب ما لدي من
معلومات بأن تقيد نفسها في بورصة أبوظبي، ولكن ليس الآن، وليس فور انتهاء عملية الشطب
التي ستستغرق نحو 3 شهور".
وحول تأثير شطب حديد عز نفسها على البورصة
المصرية، وحجم ما تتركه من فراغ في البورصة المحلية لفت إلى أن "لخروج عز تأثيرا سلبيا كبيرا، وستترك فراغا، لأنها من كبرى الشركات المصرية ولها قيمة سوقية عالية جدا،
وسوف تقلل من القيمة السوقية أو تخفض رأس المال السوقي للبورصة المصرية التي تحتاج
إلى بديل يعوض شركة بمكانة عز ورأسمالها ووزنها الكبير بالمؤشر الرئيسي للبورصة المصرية
(إيجي X30)".
وألمح إلى أنه "على مدار سنوات تخارج
من البورصة المصرية شركات كبيرة مثل أورانج، وفودافون، والبنك الأهلي المتحد، وشركات
مثل جلوبال تريكو، وباكين، وكلها شركات تركت فراغا كونها ذات وزن نسبي عال، ولكن للأسف
عز من كبرى الشركات التي تترك فراغا وبالتالي يجب أن يكون هناك بديل قوي يعوض خروجها".
وعن الامتيازات الموجودة في باقي بورصات
الخليج وأوروبا وأمريكا وغير موجودة في مصر، وتغري الشركات الكبرى للقيد بها ومنها
المصرية قال الحويطي: "لا توجد امتيازات أخرى في البورصات الأخرى غير زيادة عدد
المستثمرين".
ويرى أن "الامتيازات في القيد بالأسواق
الأخرى تتمثل في (مضاعف الربحية) أو (مكرر الربحية) التي تكون عالية لأن الإقبال أو
الطلب كبير من المستثمرين والمتعاملين على الأسهم، وليس ضعيفا مثل سوق المال المصري،
الذي يعد صغيرا بالمقارنة بالأسواق الأخرى، والتي يعد وضعها الاقتصادي أكثر استقرارا".
وبين أن "لشركة حديد عز أسهما متداولة
في بورصة لندن وأتوقع أن تقوم بشطبها؛ لكن عندما تتداول أي شركة أسهمها في بورصات عالمية
وخليجية مثل سوق أبوظبي أو دبي يكون لها امتيازات أفضل من السوق المصري، ولكن السؤال:
هل سيتمكن من التوافق مع قواعد التداول الخاصة بالأسواق الخارجية أم لا؟".
وفي نهاية حديثه أكد الحويطي على أهمية
وتأثير قضية سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى وأنها كانت أحد أسباب شطب حديد عز نفسها، من البورصة المحلية، وأحد العوامل التي تجعل أي مستثمر
يغادر لبورصات أخرى.
ويواصل سعر الجنيه رحلة الهبوط أمام الدولار في الأيام الماضية، حيث لامس 51 جنيها مقابل الدولار ببداية تعاملات الثلاثاء، مسجلا في البنك المركزي
المصري 49.9352 للشراء 50.0697 للبيع، مقابل 49.94 جنيه للشراء و50.04 جنيه للبيع بختام
تعاملات الخميس الماضي.
"سوء إدارة.. وهرب من توزيع الأرباح"
وضرب المحلل الاقتصادي هاشم الفحماوي، مثلا
بشركة "داماك" إحدى أكبر شركات العقار الإماراتية والمسجلة في سوق دبي، موضحا
أنها "كانت تسجل أرباحا قوية وإيرادات قوية وتوزع أرباحا سنوية على المساهمين
فيها بشكل دوري، لكنها تساءلت: لماذا أقوم بتوزيع هذا الكم من الأرباح في البورصة؟".
اظهار أخبار متعلقة
ولذلك يرى خبير المال والأعمال، أن
"سوء إدارة البورصة المصرية تسبب في سحب أسهم عز، من السوق المحلي"، مضيفا:
"تحدثت عن هذا الأمر قبل أشهر، بل وتوقعت أن تنسحب شركات من سوق الأوراق المالية
المصري، بسبب ضعف البورصة".
ويعتقد أن "هذا السحب أو شطب حديد
عز نفسها، ليس بغريب لشركة لديها أرباح وإيرادات، فانسحابها عادي وبه توفر على إدارتها
توزيع أرباح سنوية لا تقل عما بين 200 إلى 400 مليون جنيه سنويا توفرها لمشروعاتها،
دون أن توزع أرباحا للمساهمين، بل إنها لا ترغب في الاستمرار في البورصة حتى لا توزع
تلك الأرباح لا أكثر".
وحول التأثير السلبي لشطب حديد عز نفسها،
على البورصة المصرية، يقول الفحماوي: "سوق المال المصري ليس قائما على حديد عز،
وحدها، فهناك أكثر من 200 شركة بالبورصة المحلية؛ لذلك لن يكون لشطبها تأثير كبير،
وإن كان هناك تأثير فيتلخص في العامل النفسي لا أكثر".
وتوقع أن "تتخذ شركات كبرى أخرى ذات
النهج، وتنسحب شركات مصرية من البورصة كما فعلت حديد عز"، ملمحا إلى أن
"مشكلة تراجع قيمة الجنيه بشكل مستمر تؤثر بلا شك بالسلب على إيرادات الشركات
وأرباحها، وعند توزيع الأرباح السنوية كذلك".
وأكد أن "هذه إحدى أسباب انسحاب حديد
عز، بأن الجنيه قيمته في انخفاض مستمر مقابل العملات الأجنبية، والشركة تحقق إيرادات
تنخفض مع ارتفاع سعر الدولار الذي سجل أكثر من 50 جنيها في معدل قياسي، وربما يصل أكثر
من ذلك، ولذا عند توزيع الأرباح على المساهمين تخسر الشركة، ولذا فضلت حديد عز، اتخاذ
قرار الشطب الذي لا أستبعد أن تتخذه شركات أخرى".
وبشأن الجهة المحتملة التي قد تتوجه إليها
حديد عز بأسهمها، وهل هي بورصات دول الخليج أو أوروبا وأمريكا، يتوقع أن "تحصل
إحدى شركات عز على رخصة في الإمارات، فمن الممكن لها أن تطرح اكتتابا جديدا بالسوق
الإماراتي أو أن تفتح فرعا للشركة في أبوظبي والشركة الأم تبقى في مصر".
اظهار أخبار متعلقة
"عز.. من مبارك إلى السيسي"
ويظل أحمد عز، مثيرا للجدل طوال نحو 28
عاما، حيث برز على الساحة الاقتصادية بشكل مثير للتساؤلات في عهد مبارك، وسط اتهامات
له باحتكار سوق الحديد وتكوين ثروة مالية ضخمة، مدعوما بارتباطاته الواسعة مع نجلي
مبارك علاء وجمال منذ العام 1996.
لكنه برز لاحقا كسياسي في منصب رفيع كأمين
لتنظيم "الحزب الوطني" المنحل، الحاكم في عهد مبارك، ثم رئيسا للجنة الخطة
والموازنة بمجلس الشعب.
وإثر ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011،
اتهمته النيابة المصرية بالفساد المالي والتربح، والاستيلاء على أسهم "الدخيلة
للحديد والصلب-الإسكندرية"، وتحويلها لـ"عز الدخيلة"، واحتكار صناعة
الحديد والصلب، واستغلال النفوذ للاستيلاء على المال العام، وغسيل الأموال، وتكوين
ثروات طائلة بطرق غير مشروعة، بلغت 4 مليارات و821 مليون جنيه، بين (2001 إلى
2011).
وقضت محكمة جنايات الجيزة في آذار/ مارس
2013، بسجن عز 37 عاما، ليمضي 3 أعوام محبوسا، ثم يُطلق سراحه في 7 آب/ أغسطس 2014،
بعد شهرين من تولي السيسي، الحكم، وذلك إثر اتفاق على سداد 100 مليون جنيه بقضية احتكار
الحديد.