تقارير

"إسلاميو المغرب" في الحكم والمعارضة تحت المجهر استعدادا لمؤتمرهم الوطني

"حزب العدالة والتنمية.. حصيلة التجربة وأسئلة المستقبل".. خبراء وسياسيون يقدمون رأيهم في أداء الإسلاميين السياسي في المغرب..
"حزب العدالة والتنمية.. حصيلة التجربة وأسئلة المستقبل".. خبراء وسياسيون يقدمون رأيهم في أداء الإسلاميين السياسي في المغرب..
بدأ حزب العدالة والتنمية المغربي استعداداته لعقد مؤتمره الوطني التاسع، وأطلق حراكا داخليا لتقييم أدائه وتجديد هياكله بعد التحديات التي واجهها في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد التراجع الملحوظ في نتائج الانتخابات الأخيرة.

وفي خطوة لافتة ضمن تحضيراته للمؤتمر، نظم الحزب ندوة تشاورية دعا فيها سياسيون وخبراء مستقلون، لفتح باب النقاش أمام مختلف الآراء، والاستفادة من رؤى متعددة لتعزيز دوره السياسي.

ويبدو أن الهدف من هذه الندوة، التي حضرها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، هو استقطاب وجهات نظر موضوعية حول الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المغرب، مما قد يساعد الحزب في رسم استراتيجيات جديدة تتماشى مع تطلعات المواطنين وتحديات المرحلة.


                                    عبد الإله بنكيران.. الأمين العام لحزب العدالة والتنمية

وقد اعتبر الدكتور إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العادي التاسع للحزب، أن تنظيم اللجنة لندوة "حزب العدالة والتنمية.. حصيلة التجربة وأسئلة المستقبل"، محطة أساسية من خلالها يحضر الحزب لمؤتمره المقبل، ويضع تجربته أمام المهتمين والأكاديميين من أجل التقييم والتعديل واستشراف المستقبل.


             إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العادي التاسع

وأكد الأزمي في كلمة له خلال فعاليات ندوة نظمها الحزب السبت الماضي بالرباط، أن هذه المحطة سبقتها محطات داخلية وطنية وجهوية، أطرتهما كفاءات داخل الحزب بنفس تشاركي لتقييم مسار الحزب في ثلاثين سنة، بما في هذا المسار من نجاحات، وكذلك صعوبات وتحديات أو حتى إخفاقات.

وأضاف أن الحزب بصدد الإعداد لمساطر المؤتمر والنظام الأساسي، واللجنة التحضيرية في صلب الموضوع، وتشتغل على وثيقتين أساسيتين؛ الأولى البرنامج العام للحزب أو الورقة المذهبية والوثيقة، الثانية هي الأطروحة السياسية للحزب باعتبارها جوابا على السياق الوطني السياسي وما يفرضه من تحديات ورهانات، ويستلزم من إجابات وتموقعات، وكل هذا سيتم وضعه للنقاش والتدقيق بأعين خارجية، من طرف باحثين وأكادميين من خارج الحزب.

أسئلة الشرعية والعلاقة بالدعوي في تجربة العدالة والتنمية

وضمن فعاليات المؤتمر، قال عبد الله ساعف، السياسي والأكاديمي ورئيس مركز الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية، بأن حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه إلى الآن، وجد نفسه في تحدي الإجابة عن سؤال: هل يجب أن ينكب على حماية الدعوة كوظيفة أساسية له؟ أم هو مطالب بالانخراط في بلورة تصور سياسي ينطلق من الدعوة؟

وأضاف الوزير السابق للتربية الوطنية في حكومة التناوب، أن من بين الأسئلة المطروحة أيضا على الحزب، هل هو حزب يمارس الصراع السياسي كبقية الأحزاب؟


              عبد الله ساعف.. رئيس مركز الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية

وأشار إلى أن هذه الأسئلة أنتجت تضاربا داخل الحزب، بحكم ما أسماه تعدد "النشآت" بصيغة الجمع، وتعدد مسارات مؤسسيه وقيادييه، فمنهم من انطلق من تجربة الشبيبة الإسلامية، ومنهم من انطلق من جمعيات أخرى كالتي أسست لتجربة رابطة المستقبل الإسلامي، وبعد ذلك حركة التوحيد والإصلاح. كما ساهم تعدد الأجيال وتعدد المكونات داخل الحزب إلى هذا التضارب وتباين الأصوات داخله.

هذا التمايز في الرؤى أو المواقف، لم يخلق حسب ساعف، حالة تقاطب حاد كما وقع في تجارب أخرى، ولكن تم احتواؤه ضمن ديمقراطية مؤسساتية تعدّ نموذجية.

العلاقة مع الإطار الجمعوي

ساعف طرح إشكالا آخر بخصوص أداء العدالة والتنمية يتعلق بعلاقته مع الشكل الجمعوي، هل الحزب فرع يغطي الجانب السياسي للجمعية أي حركة التوحيد والإصلاح، وأن هذه الأخيرة تتولى بقية المجالات.

وأوضح المتحدث ذاته، أنه في الحالة المغربية، المعتاد أن الأحزاب هي من يخلق الجمعيات، لكن حزب العدالة والتنمية حسبه يعدّ حالة فريدة، حيث إن الجمعية هي من خلقت الحزب، وبهذا الخصوص، طرح إشكالية التمايز بين الدعوي والسياسي، وهو سؤال مطروح حتى داخل الحزب.

ورغم أن الحزب اختار التمايز، فإن ذلك، حسب ساعف، لم يمنع من حدوث التداخل، فمشاكل الشأن الديني انعكست على السياسي، وهذا واقع إلى حدود اليوم في قضايا التعليم والتطبيع والحريات العامة وغيرها.

في المقابل، رصد ساعف أن حركة التوحيد والإصلاح في المرحلة الأخيرة، بدأت تبتعد عن الحزب وربما وصلت إلى حدود تجميد العلاقة معه، وهو عنصر جزئي لتفسير نتائج انتخابات 2021، مما يطرح على الحزب في المرحلة المقبلة، هل سيتم تثبيت هذا الفصل وتعميقه أم لا؟

حسم أسئلة المشروعية

في أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 و16 أيار/ مايو 2003 أعطيت للدولة إمكانية تحجيم الحزب وبالتبع نزع الشرعية عنه، وجاء تأسيس الأصالة والمعاصرة لقيادة هذه التوجه وبداية المواجهة مع الحزب.

لكن الذي وقع حسب ساعف، أن هذه اللحظة تم فيها تأكيد المشروعية المجتمعية للحزب، وتم تثبيت شرعية الحزب في المشهد السياسي، ثم جاءت أحداث الربيع العربي. ورغم أنه لم ينزل كحزب للشارع، إلا أن ذلك ساهم في تثبيت الحزب في المشهد السياسي، وحسمت معه أسئلة المشروعية بشكل نهائي.

ورغم ذلك، لاحظ المتحدث أن الحزب يكاد يكون غائبا في المؤسسات باستثناء البرلمان، فهو غائب في التعيينات في مناصب الولاة والعمال والكتاب العامين للوزارات، وفي المؤسسات العمومية والدستورية، بمعنى أنه رغم تثبيت المشروعية والوصول إلى رئاسة الحكومة طبقا للدستور، يبقى الحزب حزبا لا يشبه الأحزاب الأخرى التي أُدمجت في النسق السياسي.

قوة ذاتية وسياق مساعد

وأكد ساعف أن الحزب يتمتع بقوة ذاتية وبناء تنظيمي متماسك وبديمقراطية داخلية، لكنه استفاد أيضا مما أسماه "حظا"، ويتعلق الأمر، ببعض أخطاء السلطة وضعف المنافسين، وكذلك أداء حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يوفق في المواجهة التي فتحها مع الحزب، بالإضافة إلى السياق الإقليمي والمد الذي عرفه الإقليم لقوى مشابهة، أو تتقاسم مع الحزب التصورات أو المرجعية في تونس ومصر وغيرها.

لكن اليوم الخريطة المجتمعية تغيرت وحتى التنظيمات تغيرت، وبعضها أصبح شاردا والقوى المجتمعية التي تغذي الأحزاب السياسية تغيرت أيضا، مما يجعل الأفق حسب ساعف مفتوحا أمام جميع الاحتمالات.

تحدي السياق

من جهتها قالت سلوى الزرهوني أستاذة العلوم السياسية؛ إن أكبر تحدّ لحزب العدالة والتنمية، والأحزاب السياسية عموما، هو الالتزام بالديمقراطية في هذا السياق المتسم بالعودة القوية للاستبداد والسلطوية.


                                         سلوى الزرهوني أستاذة العلوم السياسية

وأضافت أستاذة العلوم السياسية، أن السياق الذي شارك فيه الحزب كان سياق الانفتاح السياسي، لكن اليوم وفي كل المنطقة وفي العالم، هناك سياق تراجعي، وهناك تغليب للتنمية على الديمقراطية، وهناك سردية تقول بأن التنمية الديمقراطية تنحصر في ضمان الحريات الفردية بشكل عام.

وكشفت المتحدثة، أن هذا السياق ليس فقط نتيجة سلوك الأنظمة، ولكن هناك أدبيات تركز على دور الفاعلين الدوليين في دعم الأنظمة السلطوية، وهو سياق جد معقد بالنسبة للديمقراطية ككل.

والرهان الذي تطرحه الأستاذة على الحزب، هو النجاح في إدماج الديمقراطية كقيم ومبادئ حاكمة، وعدم الارتهان فقط للديمقراطية المسطرية.

التحديات الداخلية للحزب

وبعد أن أقرت الزرهوني بأن الحزب لديه ديمقراطية داخلية وهذا شيء جدّ مهم، دعت إلى تجاوز البعد المسطري، وضمان حرية الأفراد وحسن تدبير الاختلاف، واستعارت في هذا الصدد مفهوم الفضاء العام عند هابرماس، معتبرة أن تنظيم هذه الندوة واللقاءات الداخلية التي سبقتها يندرج في هذا الإطار.

أما محمد الطوزي، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والعلوم السياسية، فقد طرح تحدي تدبير حزب العدالة والتنمية لإشكالية العلاقة بين الإيديولوجي والسياسي، باعتبار أن الكفاءات التي يتطلبها موقع الخطاب أو الدعوة، ليست هي الكفاءات التي يتطلبها موقع التدبير، وهذه الإشكالية مطروحة على جميع الأحزاب التي لها خلفية إيديولوجية.


                           محمد الطوزي، أستاذ وباحث في علم الاجتماع والعلوم السياسية

وأضاف الطوزي، أن التدبير يساهم في توسيع دائرة المنتمين لأن الحزب يكون في موقع القوة، والإقبال عليه يكون واسعا، مما يطرح إشكالا يتعلق بتدبير مرور المنتمين من مرحلة "مناضل" إلى مرحلة "مدبر"، ذلك أن الوقت لن يكون كافيا لتنميط الملتحقين، ولذلك يقوم الحزب بتغليب عنصر الكفاءة والنجاعة على عامل النضال أو الصلاح، مما يفتح الباب لأصحاب المصالح أو الراغبين في تحقيقها.

كما توقف الباحث عند إشكال تدبير تعاقب الأجيال فالحزب فيه أربعة أجيال، ابتدأت بجيل التأسيس ووصلت الآن إلى جيل التواصل الاجتماعي، وفي ذات السياق أوضح أن الحزب سيواجه إشكالية تدبير مخلفات المنطق الإيديولوجي القائم على الصواب والخطأ والحلال والحرام، ما يدفع إلى صدامات بين القناعات المختلفة.

كما لفت إلى إشكال مواكبة الموقع التدبيري بمواصلة الإنتاج الفكري الإيديولوجي، وهو ما لم يقع أو كان ضعيفا بالنسبة للمتحدث؛ لأن الإنتاج الإيديولوجي كان من المفترض أن يتم بالفاعلين في الدائرة الدعوية، وكان الأمر صعبا بالنسبة للحزب، مع ملاحظة أن مرحلة السبعينيات والثمانينيات كانت قوية في الإنتاج الفكري، في حين اليوم تراجع هذا الأمر بشكل عام.

مقاربة الحزب كحزب إسلامي

على هذا المستوى، يرى الطوزي أن تجربة الحزب بقيت مبصومة بتعدد مرجعياته ومسارات أعضائه، وكان هناك توافق على نقط على مستوى الحركي، ولم يتم الحسم في بقية النقط، مشيرا إلى التباينات التي تقع في بعض الأحيان في مواقف بعض قيادات الحزب لاختلاف مساراتها وتنوعها.

ولم يخف الطوزي قناعته بأن الحزب عكس ما يشاع عنه، لا علاقة له بحركة الإخوان المسلمين، رغم النهل من الثقافة المشتركة بينهما.

وانتقد الباحث تغليب الحزب منطق الديمقراطية المسطرية وليس الفلسفية، باعتبار أن الحقيقة نسبية، كما انتقد عدم نجاح الحزب من المرور من حزب ذي مرجعية إسلامية إلى حزب محافظ، ليس بمعنى حزب غير حداثي، ولكنْ، محافظ حداثي.

تدبير الإكراهات

اعترف الطوزي أن موقع التدبير يفرض مجموعة من الإكراهات للحصول على التوافقات الممكنة، ومن ثم، فالحزب كان مرغما على اجتراح بعض الاختيارات الاقتصادية “النيوليبرالية”، وهذا ما جعل الحزب يؤدي الثمن سنة 2021.

الخليفة: اختيارات حزب العدالة والتنمية كلها كانت صائبة

أما امحمد الخليفة، السياسي والوزير السابق، فقد شدد على أن الزمن أكد أن كل اختيارات حزب العدالة والتنمية كانت صائبة، حيث اختار أن يبني أطروحته على الإسلام في صيغة تجديدية، وأنه لا يمكن أن يعيش إلا في ظل ديمقراطية ملكية، وأيضا على أساس النقد البناء، وأن يدافع على الوطن في أبنائه وشخوصه وحدوده.


                                           امحمد الخليفة.. سياسي ووزير سابق

وأضاف الخليفة، الذي كان يتحدث ضمن فعاليات الندوة، التي نظمتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية حول “حصيلة الحزب وأسئلة المستقبل، اليوم السبت 2 تشرين الثاني/ نوفمبر في الرباط، أن الحزب اختار المساهمة في تربية المواطن على مبادئ أساسية قائمة على الإسلام، وأن يبنى تفكيرهم على قيم الإسلام الخالدة وعلى الصدق والتجديد وقداسة المال العام، وكان حزبا أيضا منفتحا على التكنولوجيا الحديثة وعلى العلوم، مشيدا بديمقراطيته باعتبارها أساسا لقيامه واستمراريته، وحفظا وصونا لاستقلالية قراراته.

عمر قصير ونجاحات كبيرة

واعتبر الخليفة أن الحزب عاش زمنا قصيرا، لكن ذلك الزمن لا يقاس بما تحقق أو ما حصل عليه من مكتسبات وحققه من نجاحات.

ففي سنة 2011 ومع 20 شلاط/ فبراير، أكد الحزب رسميا إيمانه بالنظام الملكي كنظام راسخ، وكان أول حزب في تاريخ المغرب، يحصل على 107 مقاعد داخل البرلمان ثم بعد ذلك 125 مقعدا، رغم أنه لم يسبق له المشاركة في الحكومة، وكان أداؤه مبهرا في الفترتين الحكومتين، ومن ثم الحزب استطاع على مستوى الأداء الحكومي أن يبلور أفكاره، وأن ينفذ بعضها في مختلف المجالات، وهذا مهم لحزب لم يمارس الحكم، ولو لم يحقق فقط غير إصلاح المقاصة لكان كافيا، فقد كانت كل الحكومات المتعاقبة تهاب مجرد التفكير في معالجة اختلالات الصندوق. وأن الإصلاح الذي قام به الحزب، استطاع به صون التوازنات المالية للدولة، وفتح المجال لتحقيق المكتسبات الاجتماعية المختلفة، وكذلك البنيات التحتية.

حزب لم يتغير

وأوضح القيادي الاستقلالي السابق، أن حزب العدالة والتنمية لم يتغير أبدا في مبادئه، سواء داخل الحكومة أو خارجها، وبقي وفيا لها، مشيرا إلى قضية اللغة العربية، والقاسم الانتخابي والقنب الهندي، واتفاق التطبيع، ومدونة الأسرة، وغيرها.

وقد تفاعل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، الذي واكب فعاليات الندوة، مع الآراء التي طرحت في الندوة، وقدم موجزا مكثفا من تاريخ حزب العدالة والتنمية وانتقاله من جماعة دينية متزمتة، إلى حزب سياسي يواكب تطورات العصر من دون التخلي عن المرجعية الإسلامية، من مفهوم واقعي.

وكانت ملاحظته حول تحدي القيادات الجديدة للحزب، أكد بنكيران أن هذه مسألة يحسمها المؤتمر بأدواته الديمقراطية الشفافة.


التعليقات (0)