تقارير

"العدل والإحسان" المغربية: مؤتمر "الإيمان في عالم متغير" بالرباط تجاهل غزة

"العدل والإحسان": يعز علينا أنهم فقدوا بوصلة فقه الأولويات، وواجب الوقت، وبُعدهم عن آمال الأمة وآلامها، عن واقعها وقضاياها.. (فيسبوك)
"العدل والإحسان": يعز علينا أنهم فقدوا بوصلة فقه الأولويات، وواجب الوقت، وبُعدهم عن آمال الأمة وآلامها، عن واقعها وقضاياها.. (فيسبوك)
أثار مؤتمر "الإيمان في عالم متغير" الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع الرابطة المحمدية بالعاصمة المغربية الرباط الأسبوع الماضي، جدلا حول الهدف من عقد هذا المؤتمر من الأساس في هذا الوقت، ومن إصدار وثيقة باسم وثيقة الرباط "الإيمان في عالم متغير"، لم تشر فيها إلى حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة منذ نحو عام.

فقد أكدت الوثيقة العالمية الصادرة عن أعضاء المؤتمر الدولي: "الإيمان في عالم متغيّر"، على مركزية الدين في قيام الحضارات وازدهارها، وأثره في صياغة أفكار المجتمعات وتقويمها، وقدرته على مواجهة المشكلات ومعالجتها، محذرين من أنَّ تهميش دور الدين في الاهتداء الروحي والإرشاد العقلي يفتح الباب واسعاً أمام مظاهر الفوضى الأخلاقية والسلوكيات المنحرفة والإباحية المهينة، ويضع العالم أمام حالة غير مسبوقة من التردي الأخلاقي والانحلال القيمي.

مرصد دولي لدلائل الإيمان ومواجهة الشبهات

واختتم المؤتمر أعماله الأربعاء الماضي في العاصمة المغربية الرباط، بمشاركة شخصياتٍ دينيّةٍ وفكريّةٍ عالمية، بإصدار الوثيقة التي حملت عنوان "الإيمان في عالم متغير"، وتضمَّنت الإعلان عن تأسيس المرصد الدولي لدلائل الإيمان ومواجهة الشبهات، كهيئة إنسانية إيمانية متخصصة.

وشدّد المؤتمِرون على أنَّ القيم الأخلاقية تستند إلى الفطرة الإنسانية وتتأكد بالرسالات الإلهية، وتبقى على الدوام أصلاً مشتركاً ومرتكزاً ثابتاً وإطاراً جامعاً تنبع منه الأفكار المستنيرة والأطروحات الرشيدة في مسيرة الحضارة والتقدم، لافتين إلى أنه بقدر رسوخ تلك القيم في الوجدان الإنساني يتحقق الأمن والوئام المجتمعي.

وأوضحوا أنَّ الإنسان هو محور الرسالات الإلهية، فضّله الله على سائر المخلوقات، وسخَّر له الأرض؛ ليؤدي مهمة الاستخلاف في إصلاحها وعمارتها، واستدامة بنائها ونمائها، والمحافظة على مواردها وثرواتها، ليَسعد الجميع بحياة طيبة كريمة، ويتمكنوا من عبادة خالقهم سبحانه وتعالى، داعين إلى حِفظ كرامة الإنسان وصيانة حقوقه وحرياته المشروعة، والاعتراف به وجوداً وحضارة، أياً كانت هويته الدينية والوطنية والإثنية، واعتباره أخاً مشاركاً في بناء المجتمع وتنميته.

و أكد المؤتمرون في الوثيقة على مسؤولية القيادات الدينية والفكرية والمجتمعية حول العالم في استثمار الإرث الإنساني المشترك، للحفاظ على المكتسبات الحضارية المتراكمة عبر التاريخ والتصدي للظواهر السلبية التي أفرزتها العولمة، واحتواء الآثار المدمرة التي سببتها الجوائح والأوبئة والحروب.

ونبهوا إلى أنَّ التعاون والتكامل بين المكونات الدينية المختلفة واستثمار مشتركاتها المتعددة هو المسار الأنجح لصياغة الأطُر الفكرية الرشيدة للتحصين من مخاطر السلوك المتطرف، وتحييد خطاب الكراهية، وتفكيك نظريات الصدام والصراع.

وحثوا على الرقي بالعمل الإنساني والسموّ به على كافة مظاهر التحيّز والتعصب والتسييس، ليكون عملاً صالحاً ينفع الناس بلا تمييز أو تفريق، مع العمل على إرساء الأخوة الإنسانية بإقامة المشاريع الإغاثية والتنموية حول العالم، والتمسك بها وتطويرها، ضمن أبعاد عالمية وشراكات استراتيجية مثمرة تخدم الإنسانية، وترسي دعائم الوئام والسلام، وتحقق للبشرية الرخاء والاستقرار.

وشدَّد المؤتمرون في الوثيقة على التزام المنهجية العلمية الرصينة في تفسير النصوص، وفهم الحقائق الدينية، وتوضيح المصطلحات والمفاهيم الفكرية وتنزيلها على المستجدات العصرية، بما يحقق مقاصد الدين في حفظ الضروريات، وتحقيق التوازن والاعتدال.

وأكّدوا أنَّ تعزيز العلاقة بين الدين والعلم أمرٌ جوهري؛ يتجلى به التكامل بين الإيمان والحياة وبين المعرفة والفلسفة، لمواجهة انحرافات الإلحاد العدمي والفكر المادي الذي يُقصي الروحانيات والقيم عن دورها المركزي، وصولاً إلى رؤية تبرز مكانة الإنسان ودوره في الكون، وتضع الطبيعة في سياقها الصحي، وتجسد أهمية الإيمان في التوصل إلى معاني وجودنا على هذا الكوكب وأهدافه.

وأشاروا إلى أنَّ الحوار بين الأديان والثقافات قيمة عليا؛ تساهم في بناء جسور التواصل بين الشعوب، وتفتح أبواب التعارف وتداول المعارف وتوسيع المفاهيم والاحترام المتبادل، ما يرسخ العلاقات الإنسانية على أسس من التعاون والتسامح ويعزز من قدرة المجتمعات على مواجهة تحديات العصر بروح منفتحة ومقتنعة.

وأوضحوا أنَّ التكنولوجيا والتقدم العلمي والذكاء الاصطناعي وسائل رئيسة في تشكيل الفكر والوعي والرقي بسلوك المجتمعات، وتتصدر لرسم معظم ملامح المستقبل المادي والمعرفي للأجيال القادمة، مشددين على أهمية المسارعة إلى استغلالها، والمبادرة إلى الاهتمام بتطوير وسائل التربية الدينية وتجديد طُرقها لتتلاءم مع العصر الرقمي والتطورات المتسارعة، وتنجح في بناء جيل قادر على فهم العالم المحيط به من منظور إيماني راسخ ومتجدد.

وأكدوا أنَّ التضامن بين الشعوب هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات العالمية الكبرى؛ كالتغير المناخي وهدر الموارد وشحّها وحماية البيئة والمحافظة على الثروات الطبيعية، وهو واجب ديني وأخلاقي لا يتحقق إلا بتعاون الجميع في تعزيز الوعي البيئي وتهذيب السلوكيات المستدامة واستشعار المسؤولية.

وشددوا على أنَّ المرأة في إطارها الإيماني مصدر نور وإشعاع حضاري لها الحظ الأكبر في غرس ثوابت الدين ومكارم الخلق الحميد، منبهين إلى أنه من الواجب حراسة دورها الرئيس في الأسرة ورعايتها وتربية الناشئة والعناية بها، وترسيخ التآلف والانسجام بينها، وتحصين الأجيال الصاعدة من فوضى المشاعر واضطراب الأفكار.

وعَبْر الوثيقة، دعا المشاركون في المؤتمر كلاً من رابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء إلى تأسيس هيئة إنسانية إيمانية رائدة تحت مسمى "المرصد الدولي لدلائل الإيمان ومواجهة الشبهات" تهتم بترسيخ مبادئ الإيمان وتعزيز قيمها الأخلاقية، مع رصد الشبهات المثارة والأجندات المشبوهة للفوضى التحررية، والعدمية الإلحادية، والعبثية المجتمعية.

ومن المتوقع أن يقوم المرصد بهذه المهام المسندة إليه من خلال كتابات مستوعبة وندوات متخصصة، يُستكتب لها ذوو التميز والإجادة، وتوظّف لإنجاح أهدافها وإيصال رسالتها: الوسائل الرقمية والإعلامية الحديثة، وينشر عن أعمالها ومنجزاتها تقرير سنوي باللغتين العربية والإنجليزية، لتكون مرجع اهتداء فكري ومعلم إرشاد إيماني، تساعد الإنسان على التعامل الأقوم مع المستجدات المتسارعة والمتغيرات الكبرى في وطنه وعالمه.

وتعهد المشاركون في المؤتمر بالاحتفاء بمضامين "وثيقة الإيمان في عالم متغير" والاهتمام بتعزيزها في صروحهم العلمية ومنابرهم الإعلامية ومجتمعاتهم الوطنية، بما يتماشى مع الأنظمة السارية والقوانين الدولية، داعين جميع الجهات العلمية والشخصيات المجتمعية والمؤسسات الوطنية إلى دعم هذه الوثيقة وتأييدها . كما أكدوا على أن معنى الإيمان بالله تعالى يختلف باختلاف الأديان والأفكار، وأن الحوار فيه له مقام آخر، وأن هذا المؤتمر إنما ينصب على مواجهة الأفكار العدمية الإلحادية.

تجاهل حرب الإبادة في غزة بشكل كامل

جماعة العدل والإحسان، كبرى الحركات الإسلامية المغربية، ردت على المؤتمر وعلى الوثيقة، بطرح جملة من التساؤلات:

أولها أن المؤتمر تزامن مع ما قالت الجماعة في افتتاحية نشرتها على صفحتها الرسمية، توالي صرخات أهل غزة واستغاثاهم بالأنظمة والعلماء، فهم يُهجَّرون من أرضهم عبر تدمير المدن ونسف المنازل، وتُستهدف مصادر المياه بالقصف، ويُجوع الناس بمنع إدخال الطعام، وتَزيد معاناة الجرحى بمنع دخول المساعدات الطبية، وتُستهدف مراكز الإيواء، ويتم القضاء على مظاهر الحياة، فقد استفرد العدو بأهل غزة، وهو يتفنن في إبادته الجماعية، وقد خلت توصيات "وثيقة الرباط" من ذكر غزة وأهلها ولو بالضمن.

وثانيها أن الوثيقة دعت إلى التضامن بين الشعوب، واعتبرت ذلك هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات العالمية الكبرى، وقالت الجماعة: "هل دعا كل عالم شعبه للتضامن مع شعب غزة وفلسطين، هل حث كل عالم وحرض على نصرة أهالي غزة المظلومين المكلومين، أم أن أهل غزة وفلسطين ليسوا شعبا، وبالتالي لا تنسحب عليهم التوصية، ولا ينطبق عليهم معنى الجسد الواحد، ومفهوم الولاية والنصرة بين المؤمنين؟".

وثالث الملاحظات التي نبهت إليها "العدل والإحسان"، أن وثيقة الرباط دعت إلى الرقي بالعمل الإنساني وإقامة المشاريع الإغاثية، وقالت الجماعة: "يعلم علماء مؤتمر الإيمان في عالم متغير أن أهل غزة وفلسطين أولى الناس على هذه البسيطة بالعمل الإنساني، فقد أجمعت المنظمات الإغاثية العالمية أن الوضع في غزة إنسانيا أصبح كارثيا، وغير قابل لأبسط متطلبات الحياة، وقد عمل الكيان المجرم على تدمير مدارس الأونروا ومخازنها، واستهداف المئات من العاملين بها، وتم منع الآلاف من الجرحى والمصابين بحروق من مغادرة غزة للتداوي في الخارج، وأغلقت المعابر في وجه المساعدات الإنسانية. وقد صم المؤتمرون آذانهم وغضوا أبصارهم عن هذا الاعتداء الشنيع، فعن أي إيمان تتحدثون يا علماء المؤتمر؟!".

ورابع الأسئلة، أن توصيات الوثيقة نصت على "حفظ كرامة الإنسان وصيانة حقوقه وحرياته المشروعة والاعتراف به وجودا وحضارة أيّا كانت هويته الدينية والوطنية، وأهل فلسطين ديست كرامتهم، وهضمت حقوقهم، بل اعتبرت بعض الدول الغربية ومنها أمريكا وانجلترا وألمانيا دمهم مباحا فاعتبرت كل الأماكن التي يحتمل وجود المقاومين فيها استهدافها مشروعا، فلم تبق حرمة لأي مكان في قطاع غزة لا مدارس ولا مساجد ولا مستشفيات، فأي إيمان وأي دين تتحدثون عنه أيها العلماء؟!"

وأكدت الجماعة أن وثيقة الرباط كررت لازمة مؤتمرات حوار الأديان فدعت إلى "المبادئ الأساسية التي تؤسس لسلام العالم وازدهار مجتمعاته وتشجيعها على التسامح والوئام والعدل والتراحم".

وقالت: "يرى عامة المسلمين المجازر في غزة يوميا، في أبشع صورة، وبأفتك الأسلحة، وأرقام عدد الشهداء في تزايد مضطرد، والجرحى والمفقودون يُخطئهم العد، وجغرافية غزة وملامحها تغيرت بنسب كبيرة، والتجويع والتهجير في كل وقت وحين، والمستشفيات خرجت جلها عن الخدمة، وكل ذلك بضوء أخضر من الغرب سرا وعلنا، وخذلان غير مسبوق من الأنظمة العربية الإسلامية. وفي الوقت ذاته تخاطبون الناس -يا علماء المؤتمر- وتدعونهم إلى الوئام والتسامح والتراحم، ألا تعتقدون أن ما يفعل بأهل غزة وفلسطين منشئ للكراهية محرض على العنف والتمرد، ومشكك في قيم التدين الذي تتحدثون عنه؟!".

وذكرت "العدل والإحسان، أن الوثيقة قالت "إن الإنسانية عائلة واحدة" واعتبرت أن هذا المؤتمر "تجمع استثنائي يجسد أهمية الدين المحوري في توجيه الحياة العامة بما يحمله من قيم باعثة على التآخي الإنساني".

وقالت الجماعة: "لما تقف معظم الدول الغربية صفا واحدا إلى جنب الكيان الغاصب المحتل، وتعتبر أمنه من أمنها، وتُجمِع على إلباسه لباس الدفاع عن النفس افتراء وإفكا، وتصف المدافعين عن أرضهم وعرضهم إرهابيين، ويكتفي باقي العالم بالتفرج على الإبادة الجماعية، تتقدمهم الأنظمة العربية الإسلامية المطبعة والمتخاذلة، فقد كشف طوفان الأقصى مبادئ الغرب وفضح زيف شعاراته، وصار مجلس الأمن يعطل الحق والعدل ويماري فيه. فهل تعكس هذه الصورة ما وصفتموه يا علماء المؤتمر "الإنسانية عائلة واحدة" فعن أي دين وعن أي إيمان تتحدثون؟!".

واختتمت "العدل والإحسان" افتتاحيتها بالقول: "لسنا ضد الحوار مع الغرب أو أهل الأديان الأخرى، ولسنا بحمد الله من يجحد المشترك الإنساني، ولا يهمنا الحديث عن علماء بأشخاصهم وأسمائهم، وإنما نهتم بأفعالهم ومواقفهم وتبريراتهم، إذ يعز علينا أنهم فقدوا بوصلة فقه الأولويات، وواجب الوقت، وبُعدهم عن آمال الأمة وآلامها، عن واقعها وقضاياها. بل نحرص أن يدوروا مع القرآن حيث دار، ونرجو أن يبلغوا للناس ما نزل إليهم من ربهم، ولا يخافوا في الله لومة لائم، وإن قُدِّر لأحدهم أن لا يقول الحق ولا يأمر بالمعروف كما أخذ عليه الميثاق، فليحذر أن يقول باطلا أو يصفق له. نسأل الله أن يعافينا وإياهم من داء الوهن وقد فسره المصطفى صلى الله عليه وسلم بحب الدنيا وكراهية الموت"، وفق افتتاحية "العدل والإحسان".

واستضافت العاصمة المغربية الرباط يومي 15 و16 تشرين أول / أكتوبر الجاري فعاليات المؤتمر لدولي "الإيمان في عالم متغير"، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وحضر المؤتمر الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، والدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، والشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، والبروفيسور ألبرتو ميلوني أستاذ كرسي اليونسكو للتعددية الدينية والسلام في سابينزا، جامعة روما ـ إيطاليا، والبروفيسورة كاترين مارشال المديرة التنفيذية لحوار تنمية الأديان العالمية، جامعة جورج تاون ـ أمريكا، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري السابق عضو المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي، ومحمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، المملكة المغربية، والدكتور سالم بن محمد المالك المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو "، وآخرين.



التعليقات (0)