ظهر حادث تحطم طائرة الرئيس
الإيراني إبراهيم رئيسي، كما لو كان حدثا إسرائيليا داخليا من كثرة التعليقات
والتحليلات التي تناولت الحدث في الساعات الأخيرة، سواء بإظهار الشماتة في وفاته،
أو محاولة التنبؤ بالسياسة الإيرانية من بعده، وإمكانية أن يطرأ عليها تغيير ما، لا
سيما باتجاه الملف
الفلسطيني والمنطقة.
وتطرقت تحليلات إسرائيلية
إلى إمكانية تغير السياسة الإيرانية تجاه المشروع النووي، فيما رأى آخرون أن وفاة
رئيسي قد تؤدي إلى هز النظام السياسي في إيران، سواء على المدى القريب، أو
استعدادا للصراع على الخلافة في المستقبل، ما يطرح تساؤلات حول متى ستجري
الانتخابات، وكيف ستتأثر الاستراتيجية الإقليمية.
راز تسيميت الخبير الأشهر
في الشؤون الإيرانية، بمعهد دراسات الأمن القومي (INSS) ومركز الدراسات الإيرانية بجامعة تل أبيب، ذكر أن "الموت المفاجئ
لرئيسي يعدّ بمثابة زلزال كبير في إيران".
وتابع: "صحيح أن
المرشد الأعلى علي خامنئي يعتبر صاحب أعلى منصب في الدولة، ويركّز في يديه السلطات
الرئيسية، خاصة في القضايا الخارجية والأمنية، لكن رئيسي يرأس السلطة التنفيذية،
ويعتبر رسميًا ثاني أهم سلطة في التسلسل الهرمي الحاكم، ويتمتع بنفوذ كبير في
إدارة شؤونها، خاصة في مجالي الداخلية والاقتصاد".
وأوضح في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "
عربي21"، أنه "كان يرأس الحكومة، ويرسم
سياستها، ويناط بتنفيذها، ويرأس سلسلة من الأجهزة التنفيذية العليا، على رأسها
المجلس الأعلى للأمن الوطني، المسؤول عن صياغة الاستراتيجية العليا في القضايا
الخارجية والأمنية".
وأضاف أنه "بخروج
رئيسي من المسرح تجد إيران نفسها وسط تطورات مهمة على الساحات الداخلية والإقليمية
والدولية، داخلياً يواجه النظام أزمة شرعية حادة، عقب قمع الحركة الاحتجاجية في
سبتمبر 2022، وعاد الهدوء للشوارع، لكن السلطات فشلت، بما فيها رئيسي، في جهودها
الرامية لتوفير حل للصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة بين المواطنين، مما
يفسر انخفاض معدلات إقبال الناخبين إلى حدّ غير مسبوق في الانتخابات البرلمانية
الأخيرة، ما يعني تآكلا مستمرا في ثقة الجمهور بمؤسسات الجمهورية، وشدة اليأس
الواضح بين قطاعات كبيرة".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أنه "داخلياً
أيضاً تقترب إيران من صراع الخلافة المتوقع بعد وفاة خامنئي 85 عاماً، وقد برز اسم
رئيسي في السنوات الأخيرة كأحد المرشحين الرئيسيين لخلافته عندما يحين الوقت، وقد
جاء انتخابه رئيسا في 2021 بمثابة مرحلة أخرى في تدريبه المحتمل لقيادة الجمهورية،
لكنه اليوم بعد ثلاث سنوات من انتخابه، واجه انتقادات متزايدة، حتى من الدوائر
المحافظة، بسبب فشل سياساته الاقتصادية، وقد واجه صعوبة بتحسين مكانته العامة
باعتباره متواطئاً في عمليات الإعدام الجماعية للسجناء السياسيين عام 1988 عندما
شغل منصب نائب المدعي العام في طهران".
وأشار إلى أن "وفاة رئيسي
تمثل ضربة شخصية قاسية لخامنئي، لأنه الرئيس الأكثر ولاء وملاءمة له من بين
الرؤساء الخمسة الذين خدموا تحت قيادته منذ تعيينه زعيما في صيف عام 1989، وعكس
انتخابه للرئاسة تغيرا كبيرا في ميزان القوى السياسي في السلطة التنفيذية، وبشّر
بعودة سيطرة المحافظين على جميع مراكز السلطة في إيران، خاصة بعد ولاية سلفه حسن
روحاني التي دامت ثماني سنوات، وتم التعرف عليه من خلال المعسكر البراغماتي، كما
أدى انتخاب رئيسي لتعزيز التركيبة المتشددة للمجلس الأعلى للأمن القومي، وكان له
تأثير كبير في إدارة السياسة الخارجية".
وأكد أنه بالانتقال إلى
الساحة الإقليمية، "فمن المتوقع أن يكون لوفاة وزير الخارجية حسين عبد
اللهيان تأثير كبير، لأن معرفته العميقة بالشرق الأوسط، وإتقانه للغة العربية،
وقربه الشديد من فيلق القدس التابع للحرس الثوري، جعلته في السنوات الأخيرة، خاصة
بعد اندلاع حرب غزة، عاملاً مهماً في قيادة الدبلوماسية الإيرانية، وبرزت مشاركته
مقارنة مع سلفه محمد جواد ظريف، الذي اتسمت علاقاته مع الحرس الثوري في كثير من
الأحيان بالتوتر، كما لعب دورًا مركزيًا في جهود إيران لتخفيف التوترات مع جيرانها
العرب".
وختم بالقول إنه على الساحة
العالمية، "فقد وقف رئيسي إلى حد كبير وراء جهود النظام لتعزيز سياسة
"الوجه إلى الشرق"، القائمة على تعميق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا
والصين، صحيح أنه لا يتوقع أن تتغير الاستراتيجية الإيرانية بعد وفاته، لأن
الجمهورية مستعدة قانونيا وتنظيميا للتعامل مع رحيله المفاجئ بموجب الدستور، لكن
من المتوقع أن تؤدي وفاته لزعزعة النظام السياسي، على المدى القريب، أو استعدادًا
للصراع على الخلافة في المستقبل، كما أن ظروف وفاته قد تتسبب في ضرر كبير آخر لثقة
الجمهور بمؤسسات الدولة".