في الوقت الذي يواصل فيه
الاحتلال إرسال تهديداته العدوانية بتنفيذ اجتياح دامٍ ضد مدينة
رفح، فإن أصواتا إسرائيلية وازنة تعتبرها تهديدات جوفاء، بزعم أن مثل هذه العملية، وفي مثل هذه المدينة، ليست ذات أهمية خاصة من حيث تحقيق الهدف الإسرائيلي بالإطاحة بحماس.
وأكثر من ذلك، فإن ذات الأصوات تحذر مما تصفه "كمينا استراتيجيا" ينتظر الاحتلال هناك، وقد يؤدي لعواقب وخيمة عليه، ورغم أن صورة هذا الكمين باتت واضحة، لكن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواصل التبجّح، ولا يرى الحفرة التي قد يسقط فيها هو والاحتلال برمّته قريبا.
الجنرال يسرائيل زيف القائد السابق لفرقة غزة ورئيس شعبة العمليات في هيئة أركان جيش الاحتلال، أكد أن "القرار المتعلق بالعملية في رفح يختلف تماما عن القرارات التي اتخذت طوال الحرب، من حيث المسؤولية الوزارية المباشرة لرئيس الوزراء عنها، لأنه إذا تم الاستيلاء على رفح في قتال موحد ومتواصل، بعده أو في نفس الوقت، وكما حدث في خان يونس، فإن تنفيذ هذه الخطوة كان من الممكن أن يحظى بفرصة أفضل للتنفيذ دون عقبات، ومع العديد من المخاطر والتعقيدات الأقل، لكن أمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالحصول على رؤوس قادة
حماس في خان يونس كان كبيرا جدا، لدرجة أنه لم ير أي إنجاز آخر، بما في ذلك رفح".
وأضاف في مقال نشره موقع "
القناة 12" العبرية، وترجمته "عربي21"، أنه "لا يمكن للاستراتيجية أن تعتمد على هدف واحد، وفي حرب من دون استراتيجية ترتكب أخطاء كثيرة، كما يحصل في الحرب الإسرائيلية على غزة اليوم، حتى أن الشعارات التي يرفعها رئيس الوزراء لم تعد مثيرة للإعجاب بدرجة كافية، ولم يتم استغلالها لتحديد ما يزعمه "النصر المطلق" الذي يبحث عنه، ولأن الحرب انتهت مبكرًا جدًا بالنسبة له، أكثر من ذلك، فإن حرب السابع من أكتوبر لا تزال قريبة جداً من الفشل".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى أن "التوجه الإسرائيلي إلى رفح لا يرتبط إلا برغبة نتنياهو بمواصلة القتال النابع من أمله في خدمة إعادة تأهيله السياسي، وبقاء الوزيرين بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، اللذين لا يفهمان شيئا عن حقيقة الحرب، وغير مباليَين بثمنها الدموي والسياسي الذي تدفعه إسرائيل، وباستثناء قوتهما الحزبية والبرلمانية، فإنهما لا يهتمان بأي شيء، بل يدفعان إلى خلق فوضى في الميدان، ما سيخلق في مخيلتهما الظروف الملائمة لعودة الاستيطان في غوش قطيف في قلب غزة، تحقيقا للتوجهات المسيحانية القاتلة".
وأكد زيف أن "ما ينتظر إسرائيل في رفح هو فخ الكارثة الإنسانية، ففي الوضع الحالي، تتوفر كل الظروف لنصب كمين استراتيجي لها، بما في ذلك لرئيس الوزراء شخصيا، وبما أنه محتار تماما في إدارة الحرب، فهو لا يدرك الحفرة التي تحفرها له رفح، وسيسقط فيها لفترة طويلة".
وتابع: "ورغم جهود الجيش لتهجير مليون ونصف مليون
فلسطيني، فمن الصعب تصديق أننا سنتمكن من إخراجهم جميعا، ونتوقع أن يبقى ربعهم على الأقل، لأن حماس ستحاول أن تفعل العكس، وتدفع الفلسطينيين للبقاء في مواقعهم الحالية، لأنهم يشكلون فرصة استراتيجية لخلق فخ كارثة إنسانية تسمح لها بوقف الحرب، ومن خلال الضغط الدولي والأمريكي، إخراج الجيش من القطاع".
وأوضح أن "المسؤولية، في كل الأحوال، ستقع على عاتق الجيش والدولة، لأن رفح أصبحت عملية في حد ذاتها، وليست جزءا من سلسلة القتال، وحقيقة النازحين معروفة، والجيش يعمل على إخراجها، ولا يمكننا أن ندعي وقوع كارثة لم نكن نعرف عنها، أو نلقي اللوم على حماس، فكل شيء معروف مسبقا، ومع ذلك اخترنا دخول المدينة".
وذكر أنه "ليس هذا فحسب، بل إن الخطط التفصيلية تمت الموافقة عليها من قبل رئيس الوزراء نفسه، مما يعني أنه في حالة وقوع كارثة إنسانية، سيكون هو المسؤول المباشر عن النتائج أمام محاكم لاهاي، ويفضل له أن يدعو سموتريتش وبن غفير ليكونا شهودا على القرار الذي أجبروه على اتخاذه، في العملية غير الضرورية والأخطر التي سينفذها الجيش، وستكون نتيجتها معروفة مسبقا".
وأشار إلى أن "عملية رفح لن تؤدي لأي إنجاز، باستثناء ربما القضاء على المزيد من المسلحين، وحلّ المزيد من الكتائب المقاتلة، لكن من الناحية العملية، ستعيد حماس تنظيم نفسها هناك فور مغادرة الجيش، أما إسرائيل فستحصد المزيد من الخسائر، وتتضاءل فرصة إعادة الرهائن على قيد الحياة، ويتراجع دعم الولايات المتحدة والعالم، وسنخسر الصفقة السعودية، والتحالف ضد إيران، وبالتالي فإن عملية رفح لا تكسب شيئاً مقابل الخسارة الفادحة، بل إن أي اشتباك في رفح سيؤجل فوراً الحلّ على الحدود الشمالية مع لبنان لمدة ستة أشهر أو أكثر، ولا أرى كيف يمكن إعادة توطين المستوطنين في الشمال بعد هذه المدة".
وأكد أنه "ليس واضحا ما إذا كان رئيس الولايات المتحدة يستطيع إنقاذ نتنياهو من التهديد بعملية رفح، لكنه بالتأكيد لن يتمكن من إنقاذه بعدها، لأنه من الناحية الفعلية لا توجد حكومة في عملية رفح، والوضع الذي فيه سموتريتش وبن غفير يستغلان الضعف المطلق لنتنياهو، وإسكات كل قرار منطقي ومسؤول يقدم لمجلس الوزراء وزير الحرب يوآف غالانت ورئيس الأركان هآرتسي هاليفي والوزراء بيني غانتس وغادي آيزنكوت، كل ذلك يجعل من عملية رفح خطراً حقيقياً وملموساً على الأمن القومي الإسرائيلي، لأن أولئك الوزيرين سموتريتش وبن غفير مهتمان فقط بتعزيز الاستيطان، وتفكيك السلطة الفلسطينية وترك الفوضى في غزة".
وختم مقاله بالقول إن "عملية رفح هي الاختبار الأخير الذي سيقرر ما إذا كان الاحتلال سيستطيع الخروج باليد العليا، أم خسارة الحرب بالكامل، لأنه في مناقشات الحكومة المصغرة، لم يتم اتخاذ أي قرار منذ خمسة أشهر، ومعظم النقاشات في الحكومة الموسعة مسرحية لا هدف لها، كل صفقة مهمة كالمخطوفين يتم نسفها أو عقدها "سرقة" هاتفيا مع من يناسب رئيس الوزراء التحدث معه، أو التراجع عن القرارات التي اتخذت قبل لحظة، ولا يوجد تفكير متعمق، ولا يوجد في سلوك مجلس الوزراء ما يشير إلى أنه يتخذ قرارات استراتيجية، لا يوجد مثل هذا العنصر، جميع القضايا تكتيكية تمامًا، ويتم وزنها جميعًا في النهاية حول الأمور الشخصية والحزبية".
اظهار أخبار متعلقة
تؤكد هذه القراءة الإسرائيلية المتشائمة أن تنفيذ العدوان على رفح، فيما لو تمّ فعليا، سيعمل على تفويت فرصة دراماتيكية وظروف مواتية للاحتلال لليوم التالي، ويباعد فرص إطلاق سراح أسراه لدى المقاومة، والاستفادة مما يزعمه إنجازات تكتيكية لتحقيق إنجاز استراتيجي، والأهم من ذلك لا توجد إدارة حملة سياسية، فقط ما يوجد هو حملة دعائية لشخص وحيد هو نتنياهو، لأنه لا توجد حكومة من الناحية العملية، بل تعاني من اختلال وظيفي كامل.
في الوقت ذاته، فإن اقتراب تنفيذ العدوان على رفح، يتزامن مع عمل كل وزير على تعزيز مصالح قطاعه الحزبي فقط، والمستوطنون الذين تم إجلاؤهم في الجنوب تُركوا بدون رؤوس، ومن تم إجلاؤهم في الشمال تُركوا أيتامًا دون أي عنوان، ومصيرهم لا يهم أي وزير، وبالتأكيد ليس رئيس الوزراء الذي لا يمانع في غرس سكين في ظهر رئيس الأركان أثناء القتال، وغير مهتم على الإطلاق بالثمن المدفوع مقابل شعارات الانتصار الجوفاء، التي تشير إلى أنه منفصل تمامًا عن واقع الحرب.