لن نخوض كثيرا في تفاصيل مقتل الرئيس
الإيراني،
إبراهيم رئيسي، فيكفي أن
ننقل ما أعلنته وسائل الإعلام الإيرانية، عن كيفية مقتله هو وعدد من قيادات الصف
الأول في دولته، فبحسب الإعلام الإيراني الرسمي فإن طائرة رئيسي المروحية التي
كانت تقله أثناء عودته من منطقة خودا عفارين في مقاطعة أذربيجان الشرقية
الإيرانية، مع وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، ومسؤولين آخرين، سقطت بهم في
غابة ديزمار شمال غرب إيران.
على الرغم من أن سياسة إيران في التعامل مع الأقليات محل انتقاض، وتخلق
عداوات مع تلك الأقليات، سواء على مستوى العرق أو الطائفة الدينية، مما يجعل
احتمالية الانتقام ممكنة، لا سيما وأن المروحية كانت تحلق فوق مناطق تجمع الأقلية
الأذرية في إيران، إلا أن هذا الاحتمال غير وارد، لسبب بسيط؛ هو أن الأذر
الإيرانيين رغم رفضهم لحالة التهميش والقمع التي تمارسها السلطات الإيرانية منذ
الثورة الخمينية عليهم، لم يحملوا السلاح، إلا قليلا وبشكل غير منظم، على عكس
العرب الأحواز والأكراد.
ظل الوضع الصحي غير المستقر لمرشد إيران، كانت مسألة من سيخلفه موضع تكهنات كثيرة، خاصة بالنظر إلى الدور الحاسم الذي يلعبه صاحب المنصب الرفيع في المجالات السياسية والدينية والعسكرية في إيران، ودارت التكهنات حول شخصيات بعينها
كما أن احتمالية أن تكون المروحية سقطت بعملية مخابراتية، لا سيما وأن
إيران لها تدخلات، على مستويات مختلقة في المنطقة، منها ما كان خشنا في كل من
العراق وسوريا واليمن ولبنان، ومنها ما كان سياسيا و/أو أيديولوجيا في المنطقة
العربية والإسلامية كلها، وهو ما خلق عداوات مع تلك البلدان، ومنها ما كان أمنيا،
كما هو الحال في الخليج ودولة الاحتلال، إلا أن إقدام إحدى هذه الدول على تحرك
كهذا مستبعد أيضا، لسبب واضح هو عدم الرغبة توريط المنطقة في حالة مضطربة أكثر مما
تعيشه، وإن كنا ننتظر أصابع من سيستفيد من مقتل الرجل، تشير إلى الاحتلال
الإسرائيلي بالاتهام.
في ظل الوضع الصحي غير المستقر لمرشد إيران، كانت مسألة من سيخلفه موضع
تكهنات كثيرة، خاصة بالنظر إلى الدور الحاسم الذي يلعبه صاحب المنصب الرفيع في
المجالات السياسية والدينية والعسكرية في إيران، ودارت التكهنات حول شخصيات بعينها
كـمجتبى
خامنئي، نجل آية الله خامنئي، وصادق لاريجاني، رئيس القضاء الإيراني
السابق والعضو الحالي في مجلس صيانة الدستور، وأحمد خاتمي، عضو مجلس الخبراء،
وتلاميذ محمد تقي مصباح يزدي، الذين يرون أحقية تيارهم بالمنصب، ومن ثم يعدون
أحدهم ليكون مرشحهم بعد وفاة معلمهم عام 2020 أي منذ أربع سنوات.
لكن الأوفر حظا كان إبراهيم رئيسي، صاحب العلاقة الوثيقة بالمؤسسة
المحافظة، كما كان لمنصبه داخل السلطة القضائية دور في صناعة شعبية قوية له داخل
مجلس القضاء، وكان لرئيسي من خلال خلفيته الدينة شعبية داخل الحوزات الدينية في
قم، ثم إنَّ شغله مناصب مهمة داخل مجلس الخبراء القيادة، وكونه كان رئيسا لمؤسسة
أستان قدس رضوي، وهي مؤسسة دينية كبرى في إيران، جعلت حظوظه تزداد بين المرشحين،
بالإضافة إلى دعم الحرس الثوري له، ففراغ منصب الرئيس، يعني فراغا لمرشح
المرشد الأهم بين المرشحين التوفيقيين يضع إيران في دوامة قد تدخلها في صراع بين
تيارات، وإن غلب عليها التشدد إلا أنها متنوعة، ويرغب كل منها أن يكون خليفة
المرشد الحالي.
فراغ منصب الرئيس، يعني فراغا لمرشح المرشد الأهم بين المرشحين التوفيقيين يضع إيران في دوامة قد تدخلها في صراع بين تيارات، وإن غلب عليها التشدد إلا أنها متنوعة، ويرغب كل منها أن يكون خليفة المرشد الحالي
عرف عن رئيسي بصرامته وتشدده ما جعله يوضع على قوائم العقوبات المختلفة،
خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لتورطه في الإعدامات الجماعية لآلاف
للسجناء السياسيين عام 1988، بعد محاكمات سرية، وكان رئيسي عضوا في ما يسمى
"لجنة الموت" التي أشرفت على عمليات الإعدام هذه، كما أشرف خلال توليه
الرئاسة على العديد من الحملات القمعية ضد المعارضة السياسية والصحفيين والمدافعين
عن حقوق الإنسان، وكل من شارك في الاحتجاجات والنشاطات المعارضة داخل إيران.
رغم هذه العقوبات والملاحقات القضائية ظل رئيسي الشخصية الأقوى داخل إيران،
بعد المرشد، لو قارناه بأحمدي نجاد مثلا، إذ ينظر إليه كجزء من توطيد أوسع لسلطة
المتشددين داخل المشهد السياسي الإيراني، من ثم صانع سياستها الخارجية ومشارك فيها،
ما يعني مشاركته في القمع الخارجي الذي مارسه الحرس الثوري والمليشيات الموالية
لبلاده في المنطقة. لذا فإن مقتل رئيسي ستكون له تداعيات على المستوى الإقليمي
خاصة بين العرب المنقسمين بين من دعا لنجاته مع الأخبار الأولى "للهبوط
الاضطراري" لمروحيته، وبين من يرى في الرجل والنظام الذي يمثله أداة قمع
لشعبه ونهب لثروات بلاده فيما وراء حدود إيران.
هذه الحالة الجدلية التي يعيشها العرب تحديدا في نظرتهم للحالة الإيرانية
التي تحدثنا عنها باستفاضة في مقال "
ليته لم يقتل.. قاسم سليماني" لا
تزال مستمرة، وتزايدت بعد معركة "طوفان الأقصى"، لكن الحقيقة التي يجب
أن نؤكد عليها للجميع أن السياسة قائمة على المصالح، وصديق اليوم يمكن أن يكون عدو
الغد، فالمصالح حاكمة والأولويات ضابطة، وعلينا أن نعذر بعضنا بعضا، كما علينا أن
نراعي في مصالحنا المحددات الجامعة للأمة، دون الافتئات على حقوق الإخوة من بني
جلدتنا، وصولا لرؤية استراتيجية جامعة للأمة تراعي المصالح الآنية في طريق وصولها
للمصلحة الاستراتيجية.