على خطا زعيم "الحشاشين" حسن الصباح الذي اختار قلعة
"ألموت" النائية المنعزلة المحصنة طوبوغرافيًّا؛ لتكون مقرا له، شرع
زعيم "القشاشين" الجنرال ياسر جلال منذ اليوم الأول لانقلابه، على رئيسه
المنتخب (وربما قبل ذلك بسنوات)، في التفكير في بناء قلعة له، تتوفر فيها كل مزايا
قلعة "ألموت" المنيعة، فسخَّر أجهزة الدولة كافة؛ لإنشاء قلعته الجديدة،
بُعَيْد الانقلاب (2015)، وكلف أجهزته الأمنية بتوفير ما لم توفره له الطبوغرافيا
من وسائل الحماية، فلا يدخل كائن ولا يخرج إلا تحت سمع هذه الأجهزة وبصرها!
ولأن مباني القلاع القديمة تشبه في بساطتها مباني "حي
الجمالية" الشعبي الخالية من أي فخامة أو أُبَّهة، ولأن الجنرال المنقلب
مفتون ببني إسرائيل، ويعتبر نفسه نبيا من أنبيائهم، ووريثا أو امتدادا لهم، فقد
رأى أن يكون الطراز المعماري لقلعته نسخة من طراز العمارة
المصرية القديمة
(الفرعونية كما هو شائع) حتى يعيش إحساس "عزيز مصر" على أرض الواقع!
وقد كان لزعيم "القشاشين" ما أراد بأموال المصريين الذين
يكتوون (يوميا) بنار الأسعار، ويعانون (يوميا) من سوء الخدمات، ويتضورون (يوميا)
من الجوع؛ حتى لو بلغت الديون الخارجية 170 مليار دولار، وتجاوزت الديون الداخلية
20 تريليون جنيه (بعد التعويم الأخير للجنيه المصري)، وحتى لو وصلت البلاد إلى
حافة الإفلاس أكثر من مرة، وحتى لو باع أصول مصر في مزاد علني، وحتى لو رهن سيادة
البلاد للدائن الإماراتي المتصهين (يسمونه مستثمرا).. المهم أن يحقق حلمه الذي كتبه
على مدفن عائلته الذي أنشأه في عام 2006 (لاحظ التاريخ!) وما كان إلا دعاء النبي
يوسف عليه السلام الذي سجله القرآن الكريم، بعد تحريفه (الصورة متاحة على
الإنترنت)!
فبدلا من أن يكتب: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ
وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ"، كتب: "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل
الأحاديث أنت وليي في الدنيا والآخرة وألحقني بالصالحين".. ولا يقولن متحذلق
أو ساذج: إن الأمر من باب الخطأ أو السهو.. الأمر في غاية الوضوح.. فالمهم والأهم
هو المُلك (عزيز مصر)، وتأويل الأحاديث (طبيب الفلاسفة)، أما "توفني
مسلما" فلا داعي لها؛ لأنه قد اتخذ عند الله عهدا بأن يدخله الجنة.. تماما
كما قال بنو إسرائيل!
وإن ينسى التاريخ فلن ينسى له ذلك "التأويل" الفريد
المُفحِم الذي علمه "ربُّه" إياه: "الحكاية كانت كده، وإحنا كنا
كده، وبالرغم من كده، عملنا كده، ودي المعجزة".. قالها بكل "ثقة"!
البارانويا تِعمل أكتر من كده!
يقول الدكتور محمود فتوح في منشور له (أنقل منه بتصرف):
"أعود إلى قصة حدثت لي شخصيا قبل ثلاثين عاما، عندما كنت طبيب
امتياز في كلية طب عين شمس.. وكان من ضمن التدريب، شهران في مستشفى الأمراض
النفسية والعقلية في الدمرداش.. كان فيه حالتين في المستشفى أغرب من
بعض.. واحد فاكر نفسه "ربنا" وبيتكلم ويتصرف على الأساس ده.. والتاني
فاكر نفسه "نبي" وبينزل عليه الوحي وطول الوقت بيحكي عن معجزاته اللي
هيا خليط من معجزات الأنبياء الحقيقيين كلهم!
المهم.. مرَّة كنا قاعدين في جلسة علاج جماعي، وكل المرضى بيتكلموا..
طبعا الراجل اللي فاكر نفسه "ربنا" قعد بعيد عننا في آخر الأوضه؛ عشان
ما ينفعش يقعد مع المخلوقات اللي زيِّنا.. المهم جِه الدور على الراجل اللي فاكر
نفسه "نبي"، فابتدى يتكلم، وأخدته الجلالة، وشمخت منه عالآخر، لدرجة إن
واحد من الدكاتره زمايلي ما قدرش يمسك نفسه من كُتر "النَّخْع" وراح
قايل "يا ربنااا".. لقينا صوت من آخر الأوضه بيقول: "أنا هنا.. مين
بينده"؟!
بدلا من أن يكتب: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"، كتب: "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث أنت وليي في الدنيا والآخرة وألحقني بالصالحين".. ولا يقولن متحذلق أو ساذج: إن الأمر من باب الخطأ أو السهو.. الأمر في غاية الوضوح.. فالمهم والأهم هو المُلك (عزيز مصر)، وتأويل الأحاديث (طبيب الفلاسفة)، أما "توفني مسلما" فلا داعي لها؛ لأنه قد اتخذ عند الله عهدا بأن يدخله الجنة.. تماما كما قال بنو إسرائيل!
بغض النظر عن أني وقعت عالأرض من كتر الضحك، بس ده دليل أكيد إن
المرضى من النوع ده بيبقوا مصدقين نفسهم، ومش حاسين إنهم بيكدبوا، أو بيعملوا
حاجات غريبة، ومش مفروض نستغرب منهم لما يقولوا أي حاجة".. (انتهى الاقتباس).
طبعا مش مفروض نستغرب، فهؤلاء مرضى ولكن لا يشعرون، لكن كمان ميصحِّش
نسكت، ونسيب واحد "مجنون" ينكِّل بمئة مليون وخمشة عشر مليونا من البشر!
الدفاتر دفاترنا والورق ورقنا!
في فيلم "الزوجة الثانية" جاء العمدة عِتمان بالمأذون
الشرعي؛ ليطلق فاطمة من زوجها أبو العِلا بالإكراه؛ كي يتزوجها.. وبمجرد إثبات
الطلاق في الأوراق، طلب العمدة من المأذون "الشرعي" أن يعقد له على
فاطمة! فقال المأذون: لا بد من مرور ثلاثة أشهر (مدة العِدَّة الشرعية) قبل العقد
الجديد.. فبادره العمدة "المستعفي" معدوم الأخلاق والضمير والدين أيضا،
بكل صلف: "بسيطة.. إنت جيت في جمل؟ التلات شهور فاتوا وعَدُّوا.. الدفاتر
بتاعتنا والتواريخ في إيدينا.. حد هيحاسبنا؟" وهنا تدخل "شيخ
القرية" الضلالي، ليقول للمأذون: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الأمر منكم".. وعقد المأذون عقدا باطلا شرعا على كل المذاهب!
هكذا تعامل زعيم "القشاشين" ياسر جلال مع الموانع
الدستورية التي تمنع من تسمية
عاصمة لمصر غير القاهرة، قبل موافقة ثلثي أعضاء مجلس
الشعب، متبوعة باستفتاء شعبي يوافق فيه أغلبية المصريين، كما لا تسمح بأن ينعقد
البرلمان المصري خارج القاهرة (العاصمة) إلا في حالات الضرورة القصوى!
على الورق، ودون حاجة إلى أي إجراءات دستورية، قام الجنرال ياسر جلال
(أو حسن الصباح لا فرق) بضم أرض "قلعة ألموت الإدارية الجديدة" إلى
القاهرة التي تبعد عنها ستين كيلومترا..
المنطق يقول: إنه لا مشكلة في تغيير اسم العاصمة أو مكانها، ولا في
أي إجراء يلبي المصلحة العامة.. المهم أن يكون لهذا الإجراء ضرورة وجدوى.. ومن ثم
فالسؤال هو: ما الضرورة والجدوى من كل هذا الإسراف والجنون، وكلف الشعب المصري
المطحون مليارات الدولارات؟! الإجابة: لا ضرورة ولا جدوى سوى أن يعيش الجنرال حلما
استحوذ عليه، فسخر كل موارد البلاد وإمكاناتها وأجهزتها لتحقيقه.. إنها البارانويا!
يمين غَموس.. كلاكيت رابع مرة!
في موكب "ملكي" وصل الجنرال المنقلب حسن الصباح إلى قلعته
الجديدة.. وبعد إجراءات احتفالية فجَّة، توجه إلى مبنى البرلمان الجديد، ووقف تحت
النسر (شعار الجمهورية) فبدا حجمه إلى حجم النسر، وكأنه نزل من النسر أثناء تلبيته
نداء الطبيعة، فكان المشهد مثيرا للسخرية! ثم أقسم يمينا "غموسا" للمرة
الرابعة: "أقسِمُ بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري، وأن
أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال
الوطن ووحدة وسلامة أراضيه".. تصفيق!
وسُمي اليمين الكاذب غَموسا؛ لأنه يغمس صاحبه في النار.. ولم يعد كذب
الجنرال المنقلب بحاجة إلى إثبات.. فلم أصادف شخصا في حياتي يتحرى الكذب مثل هذا
المنقلب!
هذا "الموكب الملكي" الباذخ جعلني ألح على الله في الدعاء
أن يتقبل
الرئيس الزاهد محمد مرسي في الشهداء.. ذلك الرئيس (الموظف) الذي قلص
موكبه إلى الحد الأدنى، حتى لا يستوقف الناس، ولا يعوق حركة المرور، وجعل من يوم
الجمعة يوم عمل يؤدي فيه الصلاة في مكان مختلف، فهاجمه الناعقون الذين ابتلعوا
ألسنتهم اليوم وقالوا: إن صلاة الرئيس تُكلف خزينة الدولة مليون جنيه في كل جمعة!
إن أشد ما أزعج هؤلاء المجرمين "صلاة الرئيس" التي هي في
الحقيقة "زيارات الرئيس" التفقدية التي كانت تهدف (في الأساس) للتعرف
على أحوال المواطنين!
على أية حال.. إذا كان الجنرال ياسر جلال، أو حسن الصباح، أو
"عزيز مصر" يستشهد بالآيات بعد تحريفها؛ لتتلاءم وتنسجم مع ضلالاته
وأوهامه، فإني أذكِّره بصحيح القرآن الكريم، بمناسبة افتتاح "قلعة ألموت
الإدارية الجديدة":
".. وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ
حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ.."
"أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ
الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ "..
صدق الله العظيم، وبلَّغ رسولُه الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين..