شبّه بعض المراقبين معركة طوفان الأقصى التي دخلت يومها الثامن
والسبعين بعد المائة، حتى ساعة كتابة هذه الكلمات، بمعركة بدر التي امتدت ساعة من
نهار. وكان وجها الشبه بين المعركتين هما؛ قلة عدد
الفلسطينيين، وفاصلية المعركة
بين الفريقين.
وشبهها آخرون بمعركة الخندق، لشبه الخندق بالنفق، فالنفق خندق تحت
الأرض، والأنفاق الكثيرة التي حفرها المقاومون تحت الأرض تحرزًا من عدوهم، ووجه
الشبه الآخر هو كثرة الغزاة المحاصرين لغزة، وهي دول عظمى بعدتها وعتادها وعيونها.
قد يشبهها طرف ثالث بالمسادا، وهي أسطورة يهودية تدّعي أن فرقة من
اليهود المتدينين تحصنوا في جبل ماسادا (مسعدة) قرب البحر الميت بين عامي 70 و73
للميلاد في وجه المحتل الروماني.
وقد ندم رئيس وزراء العدو "المتدين" تسمية المعركة الجارية
بالسيوف الحديدية، وكان يتمنى لو أنه
اختار اسمًا توراتيًا، لكن المعركة أشبه ما تكون بقصة أصحاب الأخدود. إن في القصة
خصيصتين متشابهتين مع قصة
غزة، ووجه الشبه
الأول والأكبر بين القصتين هي في عجز الملك عن قتل الغلام في قصة "الغلام
والساحر والراهب"، وهو اسم قصة أصحاب الأخدود الثاني، وكان الملك قد ابتعث
غلامًا لتعلم السحر من ساحر أشرف على الموت، حتى يرث علمه، فعدل عنه وتعلم الدين
عن راهب وجده في طريقه، وقد سعى الملك في قتل الغلام الذي خان البعثة، بطرق شتى، مثل الارداء من
شاهق جبل، والإغراق في البحر، فأخفق ، فقد
كان الغلام محصنا ضد القتل.
ألقيت على غزة مئات الأطنان من القنابل، وقصفت بيوتها ومشافيها،
واقترح تهجير شعبها إلى الصحراء، وتمنى إسحاق رابين أن يسيتقظ من النوم فيرى غزة
تغرق في البحر، لكنها مثل غلام المروّية الحديثية لا تموت، فليس سوى طريقة واحدة
لقتل غزة، هي الطريقة التي أمر بها الغلام "الفدائي"، وقد علمها الرئيس
الأمريكي بعد تجربتين مريرتين في العراق وأفغانستان، لكن نتنياهو لا يسمع ولا
يطيع، ويريد أن يكوي غزة بالنار، غير مبالٍ بالأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.
إن غزة ممتنعة عن القتل مثل الغلام في القصة، وهي تئن تحت نيران آلاف
الأطنان من القنابل منذ 177 يومًا، فكلما سلك المحتل طريقة للقتل نجا منها الغلام،
حتى قال عدد من قادة العالم: إن المقاومة فكرة، يقصدون إنها عقيدة، فقد صيغ مصطلح
الأيديولوجيا من الفكرة في اللاتينية. الأيديولوجيا تعني العقيدة.
ألقيت على غزة مئات الأطنان من القنابل، وقصفت بيوتها ومشافيها، واقترح تهجير شعبها إلى الصحراء، وتمنى إسحاق رابين أن يسيتقظ من النوم فيرى غزة تغرق في البحر، لكنها مثل غلام المروّية الحديثية لا تموت،
حفر الملك أخدودًا وحرق أتباع الغلام، وقد حُفرت لغزة عشرات
الأخاديد، وهي تحترق كل يوم، وكان الملك في الحكاية أكرم من العالم المتحضر الذي
يحاصر غزة بالجوع.
قصة الغلام والساحر والراهب قصة مشهورة من قصص الأثر، وردت في صحيح
مسلم، وقد نتاوّل فنقول: إن غلمانًا كثيرين يحكمون دولًا عربية تعلموا على يد
الساحر، إلا غزة، التي عدلت عن الساحر إلى راهب ـ يمكن أن يكون الشيخ أحمد ياسين
إن أحب القارئ التأويل ـ فتعلمت غزة علوم الله لا علوم الشيطان.
قصة غزة تشبه قصة الغلام من وجوه أخرى غير وجه تعدد طرق قتل الغلام
الذي ساق إلينا هذه النظائر، مثل:
الحرب بين الراهب والساحر، فلا يجادل اثنان في
أنَّ للحرب وجهًا دينيًا بين الإخوان المسلمين والإخوان اليهوديين.
وثمة الشبه في وجه السحر الذي يظهر في أكاذيب الناطق باسم
الاحتلال،
فلا يمضي عليها أيام حتى تنكشف، والوجه الثالث في إعادة الغلام البصر للوزير
الأعمى الذي اتبع الغلام على دينه، وكان وزير الملك في القصة قد فقد بصره، فأعاد
الغلام إليه بصره بكلمة الله، فاتّبعه الوزير على دينه، لذلك يتضايق الاحتلال من
عيون الكاميرات التي أعادت البصر للعالم، و يقتل الصحافيين والإعلاميين بلا حرج،
حتى بلغ عدد الصحافيين المقتولين حتى هذه اللحظة 136 صحافيا شهيدا.
تسير مظاهرات في عواصم العالم تعاطفًا مع أهل غزة وأطفالها، كل
أسبوع، تدعو إلى وقف إطلاق النار، وجاهر نخبة من الساسة بانحيازهم إلى غزة، مثل
رئيس وزراء إيرلندا الذي ضحى بمنصبه في سبيل موقفه من الحرب، ومثل موظفة الخارجية
الأمريكية أنيل شيلين التي استقالت احتجاجا على موقف بلادها من الحرب. وتجرأت
أصوات كثيرة على نقد إسرائيل لم يكن آخرها المقررة الأممية فرانشيسكوا ألبانير.
تشير إحصاءات إلى ازدياد عدد الشباب الأمريكي المعارض للحرب إلى نسب
بلغت 53 بالمائة، حتى حذر الرئيس الأمريكي نتنياهو من أنَّ إسرائيل توشك أن تتحول
إلى دولة منبوذة. تدرك أمريكا أنّ أثر الغلام عظيم على الناس في كوكب الأرض، وإن
أفضل طريقة لقتله هي بيد أخوته، ومؤكد أن ثمة من يهمس في أذن نتنياهو: استعد أسراك
ثم اعتقل الأسرى المحررين من جديد، ولن تعوزك الحجة، لكنه يعلم أن إقراره
بالمبادلة انكسار له وهزيمة.
ليس من طريقة سوى طريقة الغلام الذي أتم رسالته باستشهاده.