مع حلول شهر رمضان المبارك، يكون العدوان
الإسرائيلي
المستمر على
غزة قد أكمل أسبوعه الأول من الشهر السادس.. قيل كلام كثير عن جهود
وقف إطلاق النار قبل حلول الشهر الفضيل، وعن تكثيف الجهود لإيصال المساعدات أو إسقاطها
جوّا، حتى تكلل الأمر ببدعة الرئيس الأمريكي بايدن لإنشاء ميناء عائم في غزة
لتسهيل إيصال المساعدات بغضون شهرين. ويبدو من خطوة بايدن أنها تترك ارتياحا عند
بعض النظام الرسمي العربي المتخبط في عجزه من تقديم يد العون للغزيين الذين فتكت
بهم حرب الإبادة الصهيونية مع حرب التجويع ضدهم، فالأمور تسير بانتظام سياسي عربي
مدروس بتجاهل ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة، بعيدا عن البيانات وحماسة وصف
العدوان وشجبه.
فقرار القمة العربية الاسلامية بكسر الحصار عن غزة، مع
قرارات محكمة العدل الدولية بالسماح لوصول المساعدات، لم تعنِ شيئا للجانب العربي
المنفذ المفترض لقراراته بعد خمسة أشهر من المذابح والجرائم الإسرائيلية، وبعدما
أكدت إدارة بايدن انحيازها السياسي والعسكري والأمني بدعم
جرائم الإبادة والدفاع
عن إسرائيل، يتأكد في المقابل أن هناك تواطؤا عربيا بقيادة القاهرة لتشديد الحصار
وإذلال سكان غزة؛ بممارسة التهديد الأمني المبطن للغزيين وفرض الابتزاز المالي على
كل من يحاول الخروج من غزة لتلقي العلاج أو السفر،
رمضان غزة وفلسطين مختلف هذا العام، كما تقول الغزية الفلسطينية نعمة حسن: "العالم (الإسلامي) يتجهز لاستقبال شهر رمضان إحنا بنتجهز لاجتياح رفح دمتم سالمين"
والتذرع برفع أسمائهم للجانب
الأمني الإسرائيلي للموافقة كونه المعني بالسيطرة، كما تلوح السلطات المصرية بأن
هناك جملة من القيود والاتفاقات الأمنية مع الاحتلال تلتزم بها القاهرة دون أن
تسأل نفسها عن عدم التزام الاحتلال بالقانون الدولي وتملصه من كل التزام تجاه
الحقوق الفلسطينية.
رمضان غزة وفلسطين مختلف هذا العام، كما تقول الغزية
الفلسطينية نعمة حسن: "العالم (الإسلامي) يتجهز لاستقبال شهر رمضان إحنا بنتجهز
لاجتياح رفح دمتم سالمين".
شهر الصيام لا يطهّر التقية الدينية والسياسية لبعض
الزعامات العربية والإسلامية، بتناول الحديث عن غزة مع حلول الشهر الفضيل، وبرسم
علامات التجهم على الوجه كما فعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام أثناء
الحديث عن إنزالات جوية للمساعدات تقوم بها مصر فقال: "مش قلت لكم إن معبر
(رفح) مفتوح 24 ساعة وأي حجم من المساعدات تدخل بأي حجم طالما المعابر مفتوحة، رغم
تشكيك البعض بأن المعبر يُغلق، وأنا قلت لكم إن المعبر رفح لا يغلق". وهنا
تكذيب صريح للضحايا والمحاصرين في غزة وتكذيب للواقع ولكل الشهادات والتقارير؛ حتى
الإسرائيلية التي تقول بأن هناك تعاونا قويا وفعالا من الجانب المصري في تشديد
قبضته على معبر رفح.
وهنا أيضا نعود للدور العربي المحاور لزواره الغربيين والأمريكيين
والوسيط الذي يحمل رسائل الاحتلال للجانب الفلسطيني ونسأل بعض الأسئلة: هل فعلا
لدى السياسة العربية أجندة تتعلق بموضوع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين؟ وهل هناك
رغبة حقيقية في رؤية غزة بدون حصار وفق شروط المصلحة الوطنية الفلسطينية لا الإسرائيلية؟
وهل يشعر الاحتلال بأنه في مأزق حقيقي ومستقبلي أمام
النظام الرسمي العربي وبأن مصالحه فعلا أصبحت في خطر؟
لا نظن ذلك، فالاحتلال لم يتألم من سياسات عربية عبر عن
غضبه من مواقف جنوب أفريقيا وكولومبيا وتشيلي واسكتلندا والأمين العام للأمم
المتحدة ومن الأونروا، وبتألم من المقاومة الفلسطينية، إذا الاحتلال مرتاح لبيئة
عربية حاضنة لجرائمه بالإفطار والصيام والحج.
إذا، المواقف العربية الرسمية لا تمارس ضغوطا تدعم
المطالب الفلسطينية أو تساند قائمة مطالب المقاومة في صفقة التبادل ووقف العدوان،
بدليل أن النظام المصري يعتبر غزة بعد "القضاء" على المقاومة فيها؛ مشروعا
استثماريا عند حديثه عن تكلفة إعادة إعمار غزة بأنها تعادل 90 مليار دولار، وكما
هي لجان التربح من ابتزاز الغزيين الراغبين بالسفر والعلاج والعمل، ينظر السيسي
لحصته من مليارات إعادة إعمار غزة.
المواقف العربية الرسمية لا تمارس ضغوطا تدعم المطالب الفلسطينية أو تساند قائمة مطالب المقاومة في صفقة التبادل ووقف العدوان، بدليل أن النظام المصري يعتبر غزة بعد "القضاء" على المقاومة فيها؛ مشروعا استثماريا عند حديثه عن تكلفة إعادة إعمار غزة بأنها تعادل 90 مليار دولار، وكما هي لجان التربح من ابتزاز الغزيين الراغبين بالسفر والعلاج والعمل، ينظر السيسي لحصته من مليارات إعادة إعمار غزة
وعليه، يكون اليقين أن على السياسة العربية الرسمية وقف
التمني على الاحتلال وقف العدوان والحديث عن الجانب "الإنساني" ونزع الجوانب
السياسية والأخلاقية والقانونية في موضوع غزة والمقاومة والعدوان والحصار والجرائم
وغيرها، فهذا من باب محاكاة مواقف الإدارة الأمريكية وبعض السياسات الغربية من
العدوان الإسرائيلي.
الأمر نفسه ينسحب على معظم السياسة العربية التي تربطها
علاقة بواشنطن وتل أبيب، أو تلك التي تنتظر تحسين علاقتها معهما بعد إنجاز
الاستبداد العربي لمهامه، فحديث ساسة الأنظمة مع نظرائهم في إدارة بايدن وعواصم
غربية يخلو من أي اشارة لموضوع آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، رغم سماعهم من
زوارهم وفي عواصم عربي وعبر الخطوط الهاتفية تأكيدا وإصرارا أمريكيا على رؤية
"الرهائن" الإسرائيليين "أحرارا".
لا نعرف بالمفهوم العربي السائد طبيعة القلق الذي تعبر
عنه السياسة العربية من سياسات صهيونية فاشية تطبق رغبات بن غفير وسموتريتش في
القدس وفي بقية المدن الفلسطينية؛ التي أضيف لها عدوان جديد من الاستيطان والنهب
مؤخرا بتشجيع من هذا الائتلاف العنصري ومطالبه بتهجير وطرد الفلسطينيين من أرضهم. القلق
والشجب العربي الرسمي سقط في غزة مع ادعاءات شجاعة جيوش وبسالة السياسة ومفخرة العزة
بالتاريخ ووهج النفاق للطاغية العربي.
مواقف "رفع عتب" كما يقول المثل وكما تدل
شواهد عربية تراقب مدى الانهيار السياسي العربي وما يبعثه في نفسية مواطنيها..
الأرض تُنهب وتُستوطن وتُهوّد، ويقتل أصحابها ويتعرضون لجرائم إبادة جماعية، أُبيدت
أحياؤهم في غزة ودُمرت مساجدهم ومدارسهم وجُرف تاريخهم تحت جنازير الدبابات، ومع
كل ذلك ما زالت طائرات عربية تخرج من مطار عربي متجهة لتل أبيب تحمل سياحا وطعاما
لقتلة الشعب الفلسطيني، وما زال الطريق العربي البري مفتوحا نحو تل أبيب، وسفراء
الجريمة الصهيونية يقيمون في عواصم عربية تتجهز للاحتفاء بالشهر الفضيل وتمارس طقس
الصوم عن الأخلاق بفعلٍ غير رشيد بالإفطار وبالصيام.
twitter.com/nizar_sahli