بعد اليوم الـ137 للعدوان النازي على قطاع
غزة، لا يزال جيش الاحتلال ومن ورائه
الطبقة العسكرية والسياسية يتخبط في رمال غزة، فلا يجد سبيلا لإنهاء الحرب، لأن
إنهاءها، كما يرى
نتنياهو واليمين المتطرف، من شأنه أن يمنح حركة حماس صورة النصر،
في حين يخرج جيش الاحتلال بالهزيمة من دون تحقيق أهدافه التي رسمها لنفسه قبل
بداية العدوان.
أتصور شخصيا بأن نتنياهو كان يدرك جيدا أن دخول غزة ليس كالخروج
منها، وكان يدرك بأن اجتياح القطاع سيمني جيشه بخسائر فادحة، وبأن حركة حماس وبقية
الفصائل، لن تتركه يخرج من غزة بدون تكبيده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، إلا
أنه كان مضطرا لاجتياح القطاع لأسباب منها:
1- إرضاء شركائه
من اليمين المتطرف.
2- إبعاد شبح
المساءلة والتحقيق في المسؤولية عن طوفان الأقصى، وإطالة عمر حكومته.
نتنياهو كان يدرك جيدا أن دخول غزة ليس كالخروج منها، وكان يدرك بأن اجتياح القطاع سيمني جيشه بخسائر فادحة، وبأن حركة حماس وبقية الفصائل، لن تتركه يخرج من غزة بدون تكبيده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، إلا أنه كان مضطرا لاجتياح القطاع
3- الأمل
بتحرير الأسرى أو بعضهم للدعاية السياسية.
4- إعادة
الأمن إلى مستوطنات غلاف غزة.
5- القضاء
على حماس وحركات
المقاومة الأخرى.
وربما استطاع نتنياهو تحقيق الهدفين الأولين اللذين لا يصبان في مصلحة
الشعب اليهودي والمصلحة العامة للكيان، كذلك فقد حقق هدفا غير معلن رسميا، وهو
الانتصار الكبير على دم الأطفال والنساء، وعلى الصفيح والإسمنت، بما جعله منبوذا
من المجتمعات والأفراد في كل بقعة من بقاع الأرض، فما يمر يوم لا نشهد فيه تظاهرات
كبرى في عواصم أمريكا وأوروبا وكثير من دول العالم، ووقفات احتجاجية أمام سفارتي
الولايات المتحدة والكيان المحتل.. ناهيك عن تصدي الجمهور للمتحدثين من الصهاينة
ومؤيديهم في كل منبر يعتلونه للحديث عن الحرب وتداعياتها، وكذلك في البرلمانات
والجامعات، وحيثما وافق الحالُ الحالَ.
إن قرارات نتنياهو مرهونة بالإرادة اليمينية المتطرفة التي يتوقع المحللون
خروجها من الائتلاف في اللحظة المناسبة القادرة على منحهم صورة المخلص للأهداف
الصهيونية، الحريص على مصالح الكيان، وكذلك الأمر بالنسبة لنتنياهو الذي ضاق ذرعا
بإملاءاتهم واضطراره للاستجابة لها، خشية انفراط عقد الحكومة في الوقت الخطأ، حسب
تصوره؛ فهو ائتلاف مؤقت هش، ينتظر اللحظة المؤاتية التي تسمح لأي من الطرفين
بالانسحاب؛ ليعود بعدها نتنياهو لائتلافه القديم كما يتصور بعضهم، إلا أن تراكم
المشكلات والخلافات لن يسمح لنتنياهو بتمرير مخططاته، وغالبا ما سيسقط سقوطا
مدويا؛ فهو الخاسر الأكبر في كل الحالات، بعد أن فقد ثقة الغالبية من الشعب
اليهودي والمجتمع الدولي الذي سيتركه يواجه مصيره..
تراكم المشكلات والخلافات لن يسمح لنتنياهو بتمرير مخططاته، وغالبا ما سيسقط سقوطا مدويا؛ فهو الخاسر الأكبر في كل الحالات، بعد أن فقد ثقة الغالبية من الشعب اليهودي والمجتمع الدولي الذي سيتركه يواجه مصيره
لم يكن لجيش الاحتلال أن يستمر في عدوانه كل هذا الوقت لولا الدعم الغربي
وخصوصا الأمريكي والبريطاني، ولولا "الدور اليهودي الوظيفي" لزمرة
الخيانة العربية، كما سماه عبد الوهاب المسيري، فما كان لجيش الاحتلال أن يستمر في
عدوانه كل هذا الوقت، لولا الدعم العسكري واللوجستي من الولايات المتحدة، ولولا التآمر
الذليل من قبل الدول العربية المطبعة، لا سيما وهو يواجه حرب عصابات لم يعتد
عليها، ولم يستطع التعامل معها إلا بالقصف العشوائي واتّباع سياسة الأرض المحروقة.
لقد فشلت كل أساليب قوات الاحتلال في اختراق حقيقي وحاسم لجسم المقاومة
الصلب الذي واجه الدبابات والمدرعات من المسافة صفر وقتل وجرح الآلاف من جنوده
وضباطه، وفشلت في تحرير الأسرى، كما فشلت في الوصول إلى قيادات المقاومة من كل
فصائلها، واستقوت على الأطباء والكوادر الطبية والمسعفين وسيارات الإسعاف، وقامت
بكل ما يؤشر بوضوح على الإبادة الجماعية وجريمة الحرب، ضاربة بعرض الحائط كل
المواثيق الدولية وقوانين الحرب. والاحتلال يعلم أنه في النهاية سيخرج من أزماته
مع المجتمع الدولي بلا مسؤولية؛ معززا بالدعم الأمريكي والفيتو اللعين.
وفشل الاحتلال للمرة الأولى، ربما، في إقناع المجتمع الدولي بما يقوم به من
عمليات إبادة ممنهجة ضد المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، وتمكنت كاميرات
الناشطين عربا ويهودا من فضح كثير من أساليب الإجرام التي مارسها جيشهم من إعدام
ميداني لأطفال ونساء وشيوخ بدم بارد، وقد ثارت عاصفة من الاستهجان والاشمئزاز لدى
المجتمع الغربي وهم يسمعون جنديا صهيونيا يقول: "قتلت اليوم طفلة عمرها 12
عاما، وقد كنت حزينا لأنني لم أجد طفلا رضيعا لأقتله"؛ ما هيّج عليهم أحرار
العالم الذي اكتشف لأول مرة كم كان ساذجا ومغيبا بسبب الإعلام المخادع الذي كانوا
يثقون به؛ فقد بات إعلامهم اليوم عاجزا، بل محبطا بسبب عجزه عن إيصال الرسائل
الكاذبة التي اعتاد على بثها في السنوات الخالية، والتي كانت قادرة على إقناع
المجتمعات الغربية بها، في ظل غياب الوجه الحقيقي لما كان يحدث.
إلى ذلك فقد عجزت قوات الاحتلال من جلب الأمن لمستوطنات قطاع غزة التي ما
زالت تتعرض بين الحين والآخر للقصف الصاروخي وقذائف الكاتيوشا، بل إن هذا العدوان
الإجرامي العنصري جلب للمجتمع الصهيوني مزيدا من العنت والمعاناة، بعد تدخل حزب
الله
بات إعلامهم اليوم عاجزا، بل محبطا بسبب عجزه عن إيصال الرسائل الكاذبة التي اعتاد على بثها في السنوات الخالية، والتي كانت قادرة على إقناع المجتمعات الغربية بها، في ظل غياب الوجه الحقيقي لما كان يحدث
في المعركة التي اضطرت الكيان المحتل إلى إخلاء مستوطنات الشمال الفلسطيني؛
مما شكل عبئا إضافيا وأحدث خلخلة قوية في تركيبة الكيان السكانية، وما نتج عن ذلك
من تحمل كلفة مادية ومعنوية عالية باستضافة هؤلاء الفارين من جحيم صواريخ المقاومة
في الفنادق والشقق المفروشة، والذين يقترب عددهم من مليون مستوطن.
لم تتمكن قوات الاحتلال الفاشية من تأمين مستوطناتها، أو الوصول إلى قناعة
مفادها أن هذه الحرب ستجعل غزة عاجزة عن تهديدها في المستقبل، وهو ما يضع نتنياهو
في حرج شديد، ويجعله يتصرف بشكل هستيري لتحقيق بعض أهدافه التي تقنع المجتمع
الصهيوني بأنه حقق له نوعا من الانتصار، ضمن أهداف الحرب المجمع عليها من
الطبقة السياسية. إلا أن المقاومة التي أثخنت في جنود الاحتلال، وأسقطت عددا كبيرا
من القتلى والمصابين وتسببت في أكثر من ألف معاق، لن تسمح لنتنياهو بتحقيق انتصار
صغير على قواتها، أو الوصول إلى الأسرى، أو إلى قياداتها.
حتى اليوم لم تحقق قوات الاحتلال أيا من أهدافها العسكرية، وباءت بالفشل؛
فانتقمت من النساء والأطفال، وتلك سياسة المهزوم اليائس والمجرم عديم الضمير
والإنسانية.