يظهر
أنّ الاحتلال
الإسرائيلي وحلفاءه الأمريكان يسعون إلى الحصول من خلال اللعبة
السياسية على ما فشلوا في تحصيله من
المقاومة في قطاع
غزة بالقوة والعدوان، وهم
يحاولون أن يوجدوا بيئة سياسية وإعلامية ضاغطة على المقاومة تتعامل معها وكأنها
الطرف الخاسر الذي عليه الاستجابة لشروطهم؛ مع أنّ الوقائع على الأرض وأداء
المقاومة يشهد بمدى معاناة وخسائر الاحتلال الإسرائيلي بعد أكثر من 130 يوما من العدوان، واضطرار الاحتلال للتفاوض
مع
حماس (عبر وسطاء) وتقديم عروض، وانتظاره ومعه حلفاؤه من القوى الكبرى ردها.
أهداف
إسرائيلية غير قابلة للتحقيق:
الأهداف
الإسرائيلية المعلنة تتمثل في سحق حماس، وتحرير المحتجزين لديها، وتوفير الأمن
لغلاف غزة، وفرض الرؤية الصهيونية على مستقبل القطاع. أما الاستراتيجية التي يعتمد
عليها الاحتلال في تحقيق أهدافه فهي قائمة من ناحية أولى على فكرة إمكانية استنزاف
وإنهاك المقاومة، واستهلاك أسلحتها وذخائرها بمرور الوقت، ومن ناحية ثانية، على مضاعفة
معاناة المدنيين والحاضنة الشعبية، عبر المجازر والمذابح والدمار، وحرمانها من
الحد الأدنى لمقومات الحياة، لإجبارها على الضغط على المقاومة للنزول بدرجة أو بأخرى
على شروط الاحتلال. ويستفيد الاحتلال في ذلك من بيئة الخذلان والحصار الرسمي
العربي، ومن الغطاء الأمريكي والتواطؤ الدولي الغربي.
حالة التدافع السياسي في هذه الأيام تحاول من جهة الطرف الإسرائيلي الوصول إلى تسوية أو ترتيبات تحلُّ مشكلة "إسرائيل" الأمنية مع حماس والمقاومة في قطاع غزة، وجعل الكيان في وضعٍ "مريح"، بما يُمكنه من متابعة احتلاله وإخضاعه للشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه ومقدساته.
أما المقاومة فلن ترضى بأقل من الوقف الكامل للعدوان، وانسحاب القوات الإسرائيلية خارج القطاع، وتحقيق صفقة تبادل أسرى تبيّض السجون الإسرائيلية
غير
أنّ الأداء المذهل للمقاومة على الأرض، وبقاء ورقة الأسرى الصهاينة بيدها،
واستمرار التفاف الحاضنة الشعبية حولها، وتصاعد الآراء لقادة سياسيين وعسكريين
إسرائيليين وللحلفاء الغربيين باستحالة تحقيق الأهداف الإسرائيلية، مع تزايد
البيئات الدولية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، والمطالبة بوقف العدوان، بالإضافة
إلى إجراءات كشف وحشيته وتجريمه في المحاكم الدولية.. كل ذلك يجعل قدرة الحكومة
الإسرائيلية على الاستمرار في الاستراتيجية نفسها لأمد بعيد أمرا صعبا وذا أثمان
عالية متصاعدة.
ولذلك،
فإن حالة التدافع السياسي في هذه الأيام تحاول من جهة الطرف الإسرائيلي الوصول إلى
تسوية أو ترتيبات تحلُّ مشكلة "إسرائيل" الأمنية مع حماس والمقاومة في
قطاع غزة، وجعل الكيان في وضعٍ "مريح"، بما يُمكنه من متابعة احتلاله
وإخضاعه للشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه ومقدساته.
أما
المقاومة فلن ترضى بأقل من الوقف الكامل للعدوان، وانسحاب القوات الإسرائيلية خارج
القطاع، وتحقيق صفقة تبادل أسرى تبيّض السجون الإسرائيلية خصوصا من ذوي الأحكام
المرتفعة، وفك الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار.
غير
أن نتنياهو ما زال يتحدث عن أن غزة يجب أن تكون منزوعة السلاح، وأن تخضع لسيطرة
أمنية كاملة؛ في الوقت الذي أغلق فيه أي أفق لمسار تسوية سلمية ينتهي بدولة
فلسطينية مستقلة؛ تراهن عليه قيادة منظمة التحرير وفتح والأنظمة العربية، حيث قال
"لن أساوم على بسط السيطرة الأمنية الكاملة على كل الأراضي التي تقع غرب نهر
الأردن". أما
وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف جالانت فقال بشكل صريح: "إذا لم نفكِّك قدرات
حماس بشكل كامل فلن نتمكن من العيش في إسرائيل"، مؤكدا السعي لإسقاط حكمها في
غزة.
ويصعب
على القيادة الإسرائيلية الحالية النزول عن الشجرة، لأنها تدرك، وخصوصا نتنياهو،
أن عملية طوفان الأقصى ضربت النظرية الأمنية التي يقوم عليها الكيان، وأنها نقلت
درجة الاشتباك إلى حالة تهديد وجودي للكيان؛ بضربها لفكرة الملاذ الآمن للكتلة
اليهودية الاستيطانية في فلسطين المحتلة، وأن مجرد الهدنة وتبادل الأسرى لا يكفي
لإرجاع الشعور بالأمان والاستقرار لدى المجتمع الصهيوني، وأن مجرد نهاية الحرب دون
"تأمين" الجبهة الجنوبية (غلاف غزة) سيصبُّ في النهاية السياسية
لنتنياهو، وسقوط التحالف الحاكم، وتعزيز خط المقاومة الفلسطينية، وإيجاد بيئة
طاردة في الكيان، مع إفشال أو إضعاف مسارات التطبيع، وإنهاء دور الكيان كشرطي
للمنطقة.
ولذلك،
لم تبتعد خطة إسرائيلية، نُشرت في الأيام
الماضية وصاغها مجموعة رجال أعمال إسرائيليين لليوم التالي في قطاع غزة، عن روح
السيطرة والهيمنة، وُزعت إلى ترتيبات من ثلاث مراحل؛ تكون أولاها إدارة إسرائيلية
عسكرية كاملة لقطاع غزة، وفي مرحلتها الثانية ينشأ تحالف دولي لإدارة القطاع تشارك
فيه دول عربية مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب، وتبدأ مرحلتها
الثالثة بعد استقرار الأوضاع في القطاع، ونجاح السلطة الفلسطينية "الجديدة"
في إدارة الضفة والقطاع وفق المعايير الإسرائيلية.
وهكذا،
فالطرح الإسرائيلي ما زال في إطار التفكير الفوقي الرغائبي المأزوم، غير القادر
على رؤية الوقائع والحقائق على الأرض.
الطرح الأمريكي الأوروبي:
ما
زال الطرح الأمريكي والأوروبي أسير عقلية "هندسة" الواقع الفلسطيني بما
يتناسب مع المصالح الإسرائيلية، وبالرغم من كثرة حديث الأوروبيين والأمريكان في
الأيام الأخيرة عن حلّ الدولتين، وعن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وعن عدم التعرّض
للمدنيين، وعن إعادة الإعمار، إلا أن كل الطروحات تتميز بأمرين:
العقلية الغربية في لعبة التدافع السياسي معنية بتأمين الاحتلال الإسرائيلي واستمراره واستقراره، واستبعاد خط المقاومة، وهو الخطأ نفسه الذي وقعت فيه سنة 2006 عندما فازت حماس، والذي تابعت تكراره من خلال شروط الرباعية الدولية.
وهي عقلية لا ترى الاحتلال ولا ترى العدوان ولا ترى المجازر والحصار، فالمطلوب دائما من "الضحية" أن يقدم أوراق "حسن السلوك"، وأن يسترضي الاحتلال والعدوان!!
الأول: لا
يوجد في كل هذه المبادرات والتصريحات أي التزام جديّ بدولة فلسطينية كاملة السيادة
على الضفة والقطاع، ولا أي التزام بممارسة أي ضغوط حقيقية تؤدي لانسحاب إسرائيلي
من الضفة والقطاع. وهي اللغة نفسها التي لم تؤدِ إلاّ إلى نتائج كارثية طوال أكثر
من 30 عاما.
الثاني: ثمة
رغبة واضحة في الوصاية على الفلسطينيين، وتقرير من يُمثلهم أو يقودهم، وهناك اتجاه
عام لاستبعاد حماس عن قيادة الشعب الفلسطيني أو الشراكة في قيادته، حتى لو فازت
بانتخابات حرة نزيهة.
فالولايات
المتحدة بحسب جون كيربي، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي، ترفض أي دور لحماس
وقادتها في أي شكل من أشكال الحكم في غزة بعد الحرب.
وصوّت
البرلمان الأوروبي في كانون الثاني/ يناير 2024 بالأغلبية على مشروع قرار لوقف إطلاق النار، واستئناف مسار سياسي وصولا لحلّ
الدولتين، لكن القرار نفسه يدعو إلى "تفكيك حماس". كما قام السلك
الديبلوماسي للاتحاد الأوروبي بإرسال ورقة مناقشة إلى الدول الأعضاء في الشهر
نفسه، تقترح خطة من 12 نقطه للوصول إلى تسوية تؤدي إلى حلّ الدولتين،
لكنه في خطته أشار إلى الحاجة "لبديل عن حماس"!!
وكذلك،
اقترحت الحكومة البريطانية أواخر كانون الثاني/ يناير خطة من خمس نقاط نشرتها
صحيفة الفايننشال تايمز لإنهاء الحرب، وأثارتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية
والدول العربية.. تتضمن تحديد أفق سياسي لدولة فلسطينية، وتشكيل حكومة كفاءات في
الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها تطالب بمغادرة قيادات حماس الكبار، بمن فيهم
السنوار، لقطاع غزة. وفي الوقت نفسه، أيد وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون رغبة
"إسرائيل" بألا تدير حماس قطاع غزة بعد الحرب، موضحا أن لدى
"إسرائيل" الحق في ذلك!!
وبشكل
عام فإن العقلية الغربية في لعبة التدافع السياسي معنية بتأمين الاحتلال
الإسرائيلي واستمراره واستقراره، واستبعاد خط المقاومة، وهو الخطأ نفسه الذي وقعت
فيه سنة 2006 عندما فازت حماس، والذي تابعت تكراره من خلال شروط الرباعية الدولية.
وهي
عقلية لا ترى الاحتلال ولا ترى العدوان ولا ترى المجازر والحصار، فالمطلوب دائما
من "الضحية" أن يقدم أوراق "حسن السلوك"، وأن يسترضي الاحتلال
والعدوان!! أما بالنسبة للاحتلال،
في ظلّ حالة الغرور والعجرفة الإسرائيلية، فإن الحدّ الأقصى الذي يقدّمه الاحتلال الإسرائيلي في المفاوضات لا يصل إلى الحد الأدنى الذي تقبله المقاومة، ولذلك فإن حالة التدافع والضغط العسكري المتبادل ستستمر في الوقت الراهن
فالكيان خارج عن دائرة المحاسبة والمسؤولية، وهو
فوق القانون، بالرغم من أن الأقرب للمنطق وللقانون الدولي هو فرض تغيير القيادة
الإسرائيلية، ومحاكمة قادتها كمجرمي حرب، ونزع أسلحة الكيان نظرا لاحتلاله ووحشيّته،
ومعاقبة الكيان ومحاصرته حتى يُجبَر على الانسحاب وتلبية المطالب المشروعة للشعب
الفلسطيني.
ومشكلة
هكذا تصوّرات أنها لا تتعلم من حركة التاريخ ولا سنن الله في الكون والحياة،
وتحتقر إرادة الشعوب في الحرية والعدل والتحرير، وتسير عكس حقوق الإنسان الطبيعية
والقانون الدولي، وحتى مئات القرارات من الأمم المتحدة. وهي عقلية ستجد نفسها أمام
ثورات متجددة ومستمرة لا تنتهي عادة إلا بالتحرير وإنهاء الاحتلال.
* * *
وفي
ظلّ حالة الغرور والعجرفة الإسرائيلية، فإن الحدّ الأقصى الذي يقدّمه الاحتلال
الإسرائيلي في المفاوضات لا يصل إلى الحد الأدنى الذي تقبله المقاومة، ولذلك فإن
حالة التدافع والضغط العسكري المتبادل ستستمر في الوقت الراهن.
وعلى
هذا، فلا خيار أمام المقاومة بعد كل هذه التضحيات، سوى الاستمرار وتحشيد عناصر
القوة والفعالية، وحسن استخدام أوراق قوتها لتحقيق أهدافها.
twitter.com/mohsenmsaleh1