كثيرا ما يُقال "السياسة تفسد والرياضة تصلح"، وقد ينطوي هذا
القول المشهور على قدر كبير من رجاحة المنطق وسلامة الظن، بسبب أن السياسة هي
"تدبير المصالح، وترشيد تنازعها"، والرياضة " ُتعة تهذيب النفوس،
وتهدئة الأعصاب، وتقريب الشعوب، وتيسير الألفة بين المجتمعات".. فمنطق
الرياضة مؤسس على التجميع والتوحيد، في حين يميل منطق السياسة بطبيعته إلى التنازع
والتفرقة أو في أهون الحالات إلى ترشيد التوتر والصراع.
مناسبة التفكير في علاقة الرياضة بالسياسة هي سياق ما صاحب مباريات كأس
أفريقيا، التي لم تنته إقصائياتها بعد، وأساسا ما صاحب المشاركة
المغربية
والجزائرية من ردود فعل في وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الالكترونية على وجه
التحديد. فقد تم تبادل التهم، والتراشق بالكلمات البذيئة، والتحريض على الضغينة والكراهية
بين شعبين شقيقين، تربطهما أواصر الدين واللغة والتاريخ والمستقبل المشترك.. بل
وصلت الأمور ببعض الشباب
الجزائريين إلى تدنيس العلم المغربي وإحراقه، وهو ما لا
يشرف الماضي النضالي المشترك للبلدين المتجاورين.
مناسبة التفكير في علاقة الرياضة بالسياسة هي سياق ما صاحب مباريات كأس أفريقيا، التي لم تنته إقصائياتها بعد، وأساسا ما صاحب المشاركة المغربية والجزائرية من ردود فعل في وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الالكترونية على وجه التحديد. فقد تم تبادل التهم، والتراشق بالكلمات البذيئة، والتحريض على الضغينة والكراهية بين شعبين شقيقين
من تابع أطوار كأس أفريقيا للأمم، وأطَل على ما يتم ترويجه على مواقع
التواصل الاجتماعي، يشعر بقدر كبير من الألم على حجم الضغينة التي عملت على بثها هذه
الوسائل دون مراعاة أخلاقيات الإعلام الالكتروني، وما نشرت من سموم، وخلّفت من
آثار سلبية على بلدين شقيقين، كان الأجدر بأبنائهما أن يحرصا على الدعم والتأييد والمناصرة،
وزرع الفرح في قلوب ملايين المشاهدين، وتقديم صورة مشرفة عن الروح الرياضية لشعبين
متجاورين.
قد يقول قائل إن ما يُروّج في مواقع التواصل الاجتماعي ليس مصدرا معبرا عن
سياسات الدول ومواقف حكوماتها، وليس دليلا على ما يعتمل بمشاعر المجتمعين المغربي
والجزائري، بل غالبا ما ينحصر في فئات محدودة اعتادت على استثمار الإمكانيات التي
تتيحها الشبكة العنكبوتية للترويج لهذا الموقف أو ذاك، وغالبا ما تكون هذه الأفعال
بعيدة عن واقع التضامن الذي يجمع الشعبين.. لكن لنتذكر التفاعل الإيجابي العام
الذي عَمّ ربوع المغرب لحظة فوز الفريق الوطني الجزائري على نظيره السنغالي في كأس
الأمم الأفريقية في القاهرة عام 2019، علما أن العلاقات المغربية الجزائرية لم تكن
قد وصلت إلى ما وصلت إليه من التوتر كما هي عليه اليوم، وقد اعترفت السلطات العليا
الجزائرية بما عبّر الشعب المغربي من تأييد ونُصرة للفوز الجزائري في هذه المنافسة
الأفريقية.
يمكن للرياضة أن تكون حقا أداة للإصلاح والتقارب بين الشعوب والمجتمعات،
وهي بطبيعتها مؤهلة لأن تكون كذلك، خلافا للسياسة التي بحكم تدبيرها للمصالح
المتضاربة، يمكن أن تنزع نحو الاختلاف والفُرقة، خصوصا إذا كان وعي النخبة القائدة
لها غير مُحصن بوعاء ثقافي يُساعدنا على تجنب التوتر والسعي إلى المشترك. ومع ذلك،
ليست الرياضة دائما طريقا لتهذيب النفوس وإصلاح السلوك، بل يمكن أن تشكل، هي
الأخرى، مصدرا للتنازع والتوتر، وقد شهدت التاريخ الكروي نماذج من الصراعات
الدولية الناجمة عن الممارسة الرياضية، بسبب ضعف الوعاء الثقافي، الذي يلعب أدوارا
رئيسة في ترشيد الخلافات، والوقاية من التوترات؛ لعل من أبرزها ما سمي "حرب
كرة القدم" أو "حرب المائة ساعة" بين هندوراس والسلفادور عام 1970،
في سياق الاستعداد لكأس العالم في المكسيك.
في مصلحة المغرب ولا الجزائر الاستمرار في نفس الممارسة، لأنها ببساطة طريق غير سالك، ولا مقبول تاريخيا، فثقافة محاربة النجاح، وبث الضغائن، والبحث عن الدسائس، لا تُفيد أحدا، بل تشكل مضرّة كبيرة، ومع مرور السنين قد تتحول إلى شبه عقيدة، فتنقلب، بالضرورة، على صاحبها. ثم إن من مصلحة الأجيال المقبلة أن تعيش في مناخ سليم ومتعافٍ من هذا النمط من الثقافة
لا شك أن توجيه الرياضة، والحالة هنا مناسبة إحصائيات كأس أمم أفريقيا، لشحذ
رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومستعملي الشبكة العنكبوتية، وحتى المشتغلين في
الحقل الإعلامي، لتبادل التهم وزرع الضغائن بين شعبين شقيقين، سلوك غير مقبول،
وممارسة لا يقبلها عاقل، ويزداد الأمر تعقيدا حين تصدر تصريحات من صناع القرار تدعو
من حيث تدري أولا تدري إلى تغذية مناخ التوتر، والتشجيع عليه، وهو ما يستطيع
المتابع الموضوعي لإقصائيات كأس أمم أفريقيا ملاحظته في ما صاحب هذا الحدث الكروي.
فقد وجهت الشقيقة الجزائر أكثر من اتهام للمغرب، وللقيمين على سياسته الكروية، بغير
حق دون وسيلة إثبات، بل لاحظنا كيف تم تجييش قطاع واسع من المجتمع الجزائري للخروج
إلى شوارع مدنه الكبرى للتعبير عن فرحه بخسارة المغرب أمام جنوب أفريقيا. ومن باب
الموضوعية، عبّرت بعض الفئات المغربية من المتابعين لهذا الحدث عن نفس السلوكيات
حين خسرت الجزائر أما الشقيقة موريتانيا، وإن بلغة أقل حدة وشراسة مما حصل من جانب
الجمهور الجزائري.
ليس في مصلحة المغرب ولا الجزائر الاستمرار في نفس الممارسة، لأنها ببساطة
طريق غير سالك، ولا مقبول تاريخيا، فثقافة محاربة النجاح، وبث الضغائن، والبحث عن
الدسائس، لا تُفيد أحدا، بل تشكل مضرّة كبيرة، ومع مرور السنين قد تتحول إلى شبه
عقيدة، فتنقلب، بالضرورة، على صاحبها. ثم إن من مصلحة الأجيال المقبلة أن تعيش في
مناخ سليم ومتعافٍ من هذا النمط من الثقافة الواطئة والبذيئة في الأنى معا، بل من
واجب النخب القائدة الراهنة أن تعتمد مفهوم الاستدامة (durabilite) في رؤية
المستقبل والاستعداد له، وإلا ستخسر حاضرها، وتمس حقوق القادمين من أبنائها في أن
يعيشوا في مناخ سليم وطاهر وغير مشبع بمثبطات الأحقاد والضغائن.