وضعت الولايات
المتحدة الأمريكية نفسها في مأزق استراتيجي جراء انحيازها المطلق لإسرائيل، ومنحت
خصومها في المنطقة، وتحديدا إيران، فرصة إضعاف فعاليتها وقوة ردعها، عبر سلسلة من
التكتيكات التي استخدمتها طهران عبر إداراتها ببراعة للحرب بالوكالة ضد القواعد
الأمريكية والمصالح الغربية في المنطقة.
بالغت إدارة
الرئيس الأمريكي جو بايدن في سيرها خلف سياسات اليمين الصهيوني المتطرف، مما جعلها
تضع نفسها في عين الاستهداف من قبل أطراف عديدة، دبلوماسيا وعسكريا، وعلى
المستويين الإقليمي والدولي، نتيجة حسابات ساذجة وقراءة متهافتة للمشهدين الإقليمي
والدولي، وجراء سيطرة بعض الشخصيات المتطرفة، التي تمتلك خبرة محدودة بأوضاع
المنطقة، على القرار الخاص بالشرق الأوسط في دوائر صنع القرار الأمريكي، الأمر
الذي أفقد إدارة بايدن القدرة على إدارة الصراع بفعالية، ومنح خصومها محفزات كبيرة
لاختبار قوتها، وصولا إلى منازلتها في البحر الأحمر وسوريا والعراق.
أدارت إيران لعبة الحرب والتفاوض مع واشنطن، بطريقة تنطوي على مزيج من الدبلوماسية والخشونة، تسمح لها بتسديد الضربات للمصالح الأمريكية، دون أن تضطر للخوض في المخاطرة ومنح واشنطن وقوتها الجبارة في المنطقة فرصة ردع طهران وتدفيعها ثمن سياساتها. والغريب أن إيران استبقت أمريكا في استخدام نمط التكتيكات القائمة على القوة والدبلوماسية، ومن ثم أفرغت الجعبة الأمريكية من أحد أهم أدوات إدارتها للحرب في المنطقة.
في المقابل،
أدارت إيران لعبة الحرب والتفاوض مع واشنطن، بطريقة تنطوي على مزيج من الدبلوماسية
والخشونة، تسمح لها بتسديد الضربات للمصالح الأمريكية، دون أن تضطر للخوض في
المخاطرة ومنح واشنطن وقوتها الجبارة في المنطقة فرصة ردع طهران وتدفيعها ثمن
سياساتها. والغريب أن إيران استبقت أمريكا في استخدام نمط التكتيكات القائمة على
القوة والدبلوماسية، ومن ثم أفرغت الجعبة الأمريكية من أحد أهم أدوات إدارتها
للحرب في المنطقة.
ولعل المشكلة
الأكثر وضوحا في إدارة واشنطن للحرب، عدم وضعها استراتيجية خروج واضحة، فنتيجة
انسياقها خلف أهداف
إسرائيل في الحرب، اشتغلت على متابعة يوميات الحرب أكثر من
العمل على وضع خطط فاعلة، تثبت مقدار تأثيرها وتعكس مدى فعاليتها في السياسة
الدولية، وفي إدارتها للنظم الإقليمية الفرعية. وهكذا استغرقت الجهود الأمريكية في
تأمين ذخيرة اليوم التالي لآلة القتل الإسرائيلية، وتأمين غطاء دبلوماسي لجنون
قادة إسرائيل، بعد انقلاب الرأيين الأمريكي والعالمي ضد حربهم الوحشية على غزة.
على وقع هذه
السياسات الخاطئة، رأت نخبة من قادة الرأي وأوساط السياسة في أمريكا، أن بلادها
باتت تقف على عتبة مخاطر عديدة، تشكلت في لحظة غفلة أمريكية؛ بعض هذه المخاطر بدأ
يعبر عن نفسه صراحة، في اليمن والعراق، وبعضها الآخر يتحضر، وربما في مرحلة ليست
بعيدة، للإعلان عن نفسه، مثل احتمالات بروز تنظيمات إسلامية سنية تستهدف المصالح
الأمريكية في المنطقة، بعد مشاركة واشنطن الصريحة بقتل الفلسطينيين في غزة.
نتيجة لذلك، بدأ
الصوت يعلو في أمريكا مطالبا بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، فيما يبدو أنه
إدراك من هذه الأصوات لصعوبة ترميم الصورة الأمريكية، فضلا عن احتراق أوراق الردع
الأمريكية، فما دامت تواجه فاعلين لا هياكل لديهم ولا بنك أهداف محددا، فإن القوّة
الأمريكية، في حال انخراطها في صراع مع هؤلاء،
من المرجح أن تلجأ في المرحلة المقبلة إلى أحد خيارين: إما إحداث انقلاب جذري في سياساتها وتكتيكاتها في إدارة أزمات المنطقة كقوة عظمى تترتب عليها التزامات عديدة؛ من ضمنها وقف الحرب في غزة وإجبار إسرائيل على الاعتراف بدولة فلسطينية، وما يستتبع ذلك من إعادة إعمار لغزة، وهذا سيفتح لها المجال لتفكيك العقد التي وضعت نفسها بها، وإما الانسحاب من المنطقة، لكن بعد عملية انتقام تزيد من نكبات شعوب المنطقة وتتركها لمصائر مجهولة.
فإنها لن تحصد غير الخيبة وضعف
الهيبة، والمؤكد عداء مزيد من الشعوب في المنطقة وخارجها، خاصة أن خصومها يأتون
في الغالب من مناطق منكوبة بالأصل، وأي استهداف لهم سيحمّل أمريكا مسؤولية أوضاعهم
الكارثية، دون أن تكون هناك نتائج واضحة لاستهدافهم، بدليل الضربات الأمريكية ضد
الحوثين في اليمن، التي تبدو كمن يناطح الخور في جبال اليمن.
يتمثل المأزق الأمريكي
في أن حربها على خصومها، وهم هنا في الغالب الأطراف التي تدعمها إيران، لن تكون
لها نتائج واضحة، ولن تنهي مخاطر هؤلاء على مصالحها، بل على العكس، ربما تعزّز
مكانتهم في البيئات التي يوجودون فيها، وترسخ وجودهم بشكل حاسم. ومن جهة ثانية،
إن لم ترد واشنطن فإن لذلك ارتدادات جيوسياسية خطيرة على نفوذها في المنطقة وعلى
صورتها كقوة عظمى، ولن يكون من السهل بعد ذلك ردع أي طرف يحاول تحدي أمريكا، لا في
الشرق الأوسط ولا في منطقة غيرها في العالم.
تدرك واشنطن جيدا
هذه التبعات التي يمكن أن تنسحب على مناطق نفوذها في أجزاء عديدة من العالم، لذا
فمن المرجح أن تلجأ في المرحلة المقبلة إلى أحد خيارين: إما إحداث انقلاب جذري في
سياساتها وتكتيكاتها في إدارة أزمات المنطقة كقوة عظمى تترتب عليها التزامات عديدة؛
من ضمنها وقف الحرب في غزة وإجبار إسرائيل على الاعتراف بدولة فلسطينية، وما
يستتبع ذلك من إعادة إعمار لغزة، وهذا سيفتح لها المجال لتفكيك العقد التي وضعت
نفسها بها، وإما الانسحاب من المنطقة، لكن بعد عملية انتقام تزيد من نكبات شعوب
المنطقة وتتركها لمصائر مجهولة، وفي كلتا الحالتين ستدفع أمريكا أثمانا باهظة
لسياساتها الخاطئة في المنطقة.
twitter.com/ghazidahman1