أعلن الدكتور تيدروس أدهانوم جبريسيوس، مدير عام منظمة
الصحة
العالمية، بأنّ
مصر أصبحت أول دولة في العالم تحقق المستوى الذهبي بمسار القضاء
على "فيروس الالتهاب الكبدي سي"، وجاء ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقد
بالقاهرة صباح يوم الاثنين 9 تشرين أول/
أكتوبر 2023؛ لتسليم مصر "الشهادة
الذهبية" الخاصة بالنجاح في مسار القضاء على فيروس الالتهاب الكبدي
"سي"، وقال وزير الصحة والسكان بأنه "أمر له تاريخ طويل".
وأضاف "أنّ مصر أول دولة في العالم تتخلص من فيروس سي الذي أصاب
14% من المصريين، وهي رحلة طويلة بدأت عام 2014، عندما وعد الرئيس بإنهاء المرض
الذي أصاب المصريين وأثر على قدرات الدولة".
مصر تحصل على شهادة المستوى الذهبي بمسار القضاء على فيروس كبدي سي.
وتصريحات وزير الصحة تؤكد على وجود خطوات هامة على مدى سنوات طويلة؛
حيث أن الواقع الصحي في مواجهة "فيروس كبدي سي" كان يشمل العديد من
الإجراءات الهامة والفعالة؛ والتي شملت المراحل التالية:
المرحلة الأولى رصد مدى انتشار الإصابة بفيروس كبدي "سي"
بين المصريين وتشكيل اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات
الكبدية بوزارة الصحة عام 2006.
يعود السبب في انتشار فيروس كبدي "سي" إلى استخدام المحاقن
الزجاجية متكررة الاستعمال في علاج مرض البلهارسيا في فترة الستينيات والسبعينيات
من القرن الماضي، واستخدام وسائل التعقيم البدائية المتداولة في حينها؛ حيث أن
الفيروس لم يكن معروفا بدقة وقتها، ثم جاءت محاولة التصدي لفيروس سي عام 2006؛ حيث
قامت وزارة الصحة بتشكيل اللجنة القومية لمكافحة فيروس كبدي سي، لتتولى وضع
القواعد والأسس والبرامج، للقضاء على الفيروس والحد من الانتشار. والتي وضعت أول
استراتيجية متكاملة للتعامل مع الفيروس وعلاج المصابين.
وقد مر العلاج بعدها بعدة مراحل؛ حيث بدأ بمنح المريض عقار
"الانترفيرون " بالحقن، وكانت النتيجة انخفاض الفيروس من 22% إلى
15%، بعلاج المصابين ومنع انتشار العدوى نتيجة التزام وزارة الصحة بطرق تعقيم الأدوات واستخدام محاقن المرة الواحدة
البلاستيكية المعقمة بدلا من الزجاجية.
وكانت لجنة الفيروسات الكبدية قد وضعت استراتيجية بدأ العمل بها عام
2007، اعتمدت فيها على إنشاء مراكز متخصصة في علاج الفيروسات الكبدية، وتم نشرها
في مختلف الأماكن في مصر، حتى وصل عددها إلى 24 مركزا عام 2013، وتفاوضت اللجنة مع
الشركات المنتجة للعقاقير المضادة للفيروسات عن طريق الفم بدلا من الحقن، وحصلت
على تلك العقاقير بالفعل، وقدمتها للمرضى بالمجان.
وفي الفترة من 2006 حتى 2015 تم علاج 350 ألف شخص عن طريق الحقن، ثم
اتسعت دائرة العلاج بعد استخدام الأقراص الفمية، والتي بدأ التصنيع المحلي لها في
مصر، وزادت أعداد من تم علاجهم من المرضى؛ حيث أعلن الدكتور وحيد دوس رئيس اللجنة
القومية للفيروسات الكبدية في 25 يوليو عام 2018، بأن مصر عالجت 2 مليون مصاب
بفيروس سي خلال الفترة السابقة، وكانت تلك التصريحات قبل بدء المرحلة الثالثة ومبادرة 100 مليون صحة؛ والتي انطلقت فعليا يوم 30 سبتمبر 2018.
المرحلة الثانية بدأت بعقد المؤتمر الصحفي الصحي العالمي والإعلان عن
اختراع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لجهاز (CCD) لتشخيص وعلاج فيروس سي والإيدز.
في يوم السبت 22 فبراير عام 2014؛ وفي خطوة غير مسبوقة؛ قامت القوات
المسلحة المصرية بتنظيم مؤتمر صحفي عالمي بمقر المركز الصحفي لإدارة الشؤون
المعنوية، بحضور المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وكبار القادة العسكريين، والمستشار
عدلي منصور (الرئيس المؤقت)، وأعضاء الحكومة وعدد من كبار أساتذة الطب بالجامعات،
لإزاحة الستار عن اكتشاف وُصف بأنه "المهم الذي يعد إضافة للحياة البشرية
وثورة علاجية على يد أبناء نصر أكتوبر"، ويتمثل في اختراع وتصميم جهاز للكشف
عن وعلاج فيروس التهاب الكبد الفيروس "c"، والإيدز، ويُذكر أن اسم الاختراع الجديد،
وهو "كومبليت كيورينغ ديفايس" كان يختصر على شكل "سي سي دي"
بطريقة قد تحمل دلالة على اسم المشير السيسي نفسه. وتم تحديد يوم 30 يونيو 2014
لبدء علاج المصابين بالمجان بالمستشفيات العسكرية، في حين كان المتحدث الرسمي
لوزارة الصحة يزف للمواطنين بشرى التعاقد على عقار استيراد أمريكي جديد من شركة
"جلعاد“ لعلاج مرضى الالتهاب الكبدي الفيروسي "سي" عن طريق الفم
بدلا من الحقن.
مشاكل الصحة والقطاع الطبي تتعلق بداية بانخفاض مخصصات وزارة الصحة لتبلغ 1.4% فقط من إجمالي الناتج المحلي سنويا؛ مما أدى إلى تدهور الخدمات الطبية، وفقر الإمكانات وعدم الاهتمام بتمويل البحث العلمي، وفساد بيئة العمل للأطقم الطبية، وهجرة الأطباء، وعدم قدرة غالبية المصريين على تحمل نفقات العلاج..
وبالتوازي فقد تناقل الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل
فيديو لضابط برتبة اللواء وهو يتحدث عن الجهاز قائلا: إنه قادر على
"تفتيت" الإيدز، وأنه "يأخذ الفيروس من جسم المريض ثم يعيد تقديمه
إياه لتغذيته على شكل أصبع كوفته" وفق تعبير الضابط. في حين نقلت الصحف
المصرية عن الدكتور عصام حجي، المستشار العلمي لرئيس الجمهورية، قوله بأن الاختراع
"غير مقنع وليس له أي أساس علمي واضح، إضافة إلى أن البحث الخاص بالابتكار لم
ينشر في أي دوريات علمية مرموقة."
وتم الصمت الرسمي عن الاختراع بعدها، في حين قامت النقابة العامة
لأطباء بمصر بتحويل الأمر للتحقيق داخل النقابة، وفي 14 مايو 2017؛ أصدرت هيئة
التأديب الابتدائية بنقابة الأطباء حكمها بالإيقاف لمدة عام على ثلاثة من الأطباء
والذين سبق وأن قُدمت ضدهم شكاوى لقيامهم بالإعلان والترويج لجهاز علاج فيروس سي
والإيدز التابع للقوات المسلحة، والمشهور إعلاميًا بـ "جهاز الكوفتة"
دون سند علمي.
المرحلة الثالثة والحاسمة كانت بإطلاق المبادرة الرئاسية 100 مليون
صحة عام 2018؛ لمواجهة فيروس كبدي "سي" والأمراض
غير السارية، والممولة بقرض من البنك الدولي
في مؤتمر صحفي موسع، عقد بمقر مجلس الوزراء، يوم 30 سبتمبر 2018، تم
الإعلان عن إطلاق المبادرة، وتم الإعلان بأن البنك الدولي قد قدم قرضا بإجمالي 429 مليون دولار أي ما يوازي 7.6 مليارات جنيه مصري؛ يشمل مبلغ ٣٠٠ مليون دولار لمسح مواجهة
الأمراض غير السارية، وأيضاً مبلغ ١٢٩ مليون دولار لمواجهة فيروس كبدي سي، وذلك من
أصل اتفاقية القرض الوارد من البنك الدولي بمبلغ 530 مليون دولار (حوالي 10 مليارات جنيه مصري وقتها)، وتشمل مبادرة 100 مليون صحة وتطوير بعض وحدات الصحة ودعم برامج
تنظيم الأسرة.
وبدأ فورا تدريب الأطقم الطبية في كافة مستويات الخدمة للعمل من خلال
نظام صحي متكامل لتحقيق حالة نجاح شملت المسح الصحي الميداني والتحاليل الطبية
لاكتشاف الحالات المصابة، في أكبر فحص طبي يجرى في العالم، ولم تتمكن أية دولة
أخرى حول العالم من إجرائه؛ حيث شمل تنفيذ فحص طبي وتحاليل معملية شملت 60 مليون
شخص، وبدء العلاج المجاني فورا للمصابين، ثم المتابعة من خلال منظومة محكمة.
وأعلنت وزارة الصحة بأنه من خلال هذا الإنجاز فقد انخفضت نسبة انتشار
فيروس كبدي "سي" بنسبة تصل لأقل من 5%، عام 2020، على أن تستمر الجهود
للقضاء تماما على المرض بحلول عام 2030 حسب مستهدفات منظمة الصحة العالمية.
مبادرة 100 مليون صحة في مواجهة فيروس سي أثمرت حالة نجاح وقتية
سريعة في غياب استراتيجية واضحة لتحقيق الرعاية
الشاملة للمصريين.
وبرغم حالة النجاح المعلنة؛ إلا أنه من المعروف أن منظمة الصحة
العالمية تعتمد في تقييمها على التقارير والإحصائيات الرسمية الصادرة عن الدول،
والغريب في التصريحات الرسمية المصرية حول فيروس كبدي سي هو ما ورد في كلمة وزير
الصحة والسكان يوم 9 تشرين أول / أكتوبر الماضي؛ بأن نسبة الإصابة بفيروس كبدي "سي" بلغت 14 %، يعني حوالي 14
مليون مواطن مصاب، في حين تمت الإشارة إلى علاج 4 ملايين مصاب فقط منهم حسب بيان
الوزارة، وهذا يؤكد على وجود خلل معلوماتي واضح في البيان الرسمي مما يثير الكثير
من الشك في مصداقية الأرقام ودقة الإحصائيات، إضافة إلى أن رقم 4 ملايين مصاب الذين
تمت الإشارة إلى علاجهم هو في الحقيقة رقم تراكمي على مدى 16 عاما.
وفى الواقع ومن ناحية أخرى؛ فإن تلك المبادرة وغيرها قد لا تعدو إلا
أن تكون مجرد إجراءات لحظية قد ينتج عنها حالة نجاح وقتي يجذب الأنظار، ولكنها لا
تغير كثيرا من الواقع المتردي لخدمات الرعاية الصحية الحكومية.
لأن أسلوب “المبادرات الصحية” والتي تعني اللقطة والضجة الإعلامية،
والاهتمام بالشكل على حساب الجوهر، وهذه الفلسفة تعمقت مؤخرا في مصر حتى أصبحت نمط
حياة، واختارها البعض ليخفي عورات المضمون، فمشاكل الصحة والقطاع الطبي تتعلق
بداية بانخفاض مخصصات وزارة الصحة لتبلغ 1.4% فقط من إجمالي الناتج المحلي سنويا؛
مما أدى إلى تدهور الخدمات الطبية، وفقر الإمكانات وعدم الاهتمام بتمويل البحث
العلمي، وفساد بيئة العمل للأطقم الطبية،
وهجرة الأطباء، وعدم قدرة غالبية المصريين على تحمل نفقات العلاج، في ظل تعثر تطبيق
التأمين الصحي الشامل، ولم يتم عرض خطوات
محددة لإصلاح جوانب الخلل التي لا حصر لها في المنظومة الطبية، حيث تردد الحكومة
دائما بأنها تنفذ التوجيهات والتعليمات لتنفيذ المبادرات الرئاسية دون وجود خطة
استراتيجية واضحة المعالم.