ما يزال الحديث عن مساهمة دولة
مصر في إغاثة المناطق المنكوبة في
الشرق الليبي يأخذ حيزا من اهتمام الفرقاء الليبيين، ولقد كان للمظهر الذي أتت به
المساعدات المصرية أثره في إثارة شكوك من يتحفظون على السياسة المصرية تجاه الأزمة
الليبية، بل وحتى بعض من يؤيدون القاهرة في دعمها لجبهة طبرق ـ الرجمة، ذلك أن صور
الرتل العسكري الذي يرفع أعلام مصرية فتحت الباب على مصرعيه لتعبير كثيرين عن
قلقهم من استغلال القاهرة للكارثة التي حلت بالشرق لتجد لها موطأ قدم ووجودي عسكري
هناك.
ويمكن أن يجد الباحث والمراقب مستعينا بالمنطق السياسي ونظريات
العلوم السياسية مسوغا للنظام المصري لاستغلال الوضع الراهن في
ليبيا لفرض معادلة
توازن على الأرض بوجود عسكري مصري في شرق البلاد يكافئ الوجود العسكري التركي في
غربها، وإذا تتبعنا وسائل الإعلام المصرية التي تعبر عن موقف قصر الاتحادية وتروج
لخياراته السياسية نجد أن الخطاب ينزع منزع سلبي قد يفهم منه دعم فرضية التمركز
المصري في الشرق الليبي.
لم يخل الموقف من بعض المبالغات كالقول بأن عدد عناصر الجيش المصري الذين دخلوا البلاد نحو 6 ألاف مجند، وأنهم كانوا مصحوبين بأسلحة ثقيلة، وأنهم شرعوا في توطين هذه القوات في معسكرات في الشرق، فهذا ما لم يتم التحقق منه، ولا تدعمه المشاهد التي نقلت دخول عناصر الجيش مستخدمين سيارات نقل، وليس دبابات أو مدفعية وما في حكمها.
ومع القبول بالافتراض القائل بأن القاهرة تنظر لليبيا وللشرق الليبي
كمنطقة نفوذ ينبغي أن لا تكون محل نزاع مع أي طرف خارجي، وهذا ما يفهم من إعلان
الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مدينة سرت، وسط البلاد، خط أحمر وذلك بعد دحر قوات
بركان الغضب مدعومة من تركيا جيش حفتر المدعوم من أطراف خارجية عدة من بينها مصر
إلى مشارف سرت العام 2020م، إلا أنه ليس فيما استند إليه المتخوفون من دخول القوات
المصرية في شرق البلاد عقب كارثة الإعصار والسيول أدلة قوية تدعم قلقهم، فمعلوم أن
الجيش المصري هو من يقوم بعمليات الدعم والإغاثة عند حلول الكوارث والأزمات في دول
الجوار أو المناطق التي تربطها بمصر روابط خاصة أو مصالح مشتركة، فالجيش هو من
أشرف على تقديم الدعم لمنكوبي الزلزال في المغرب، وقبلها الدعم الذي قدم لضحايا
زلزال سوريا وتركيا.
أيضا لم يخل الموقف من بعض المبالغات كالقول بأن عدد عناصر الجيش
المصري الذين دخلوا البلاد نحو 6 ألاف مجند، وأنهم كانوا مصحوبين بأسلحة ثقيلة،
وأنهم شرعوا في توطين هذه القوات في معسكرات في الشرق، فهذا ما لم يتم التحقق منه،
ولا تدعمه المشاهد التي نقلت دخول عناصر الجيش مستخدمين سيارات نقل، وليس دبابات
أو مدفعية وما في حكمها.
مصر لا تحتاج في هذه المرحلة أن ترسل قوات للتمركز في الشرق الليبي،
فالجيش الذي يقوده خليفة حفتر يتحكم في مقاليد الأمور هناك ولا يزال على وفاق مع
القاهرة برغم التوتر الذي يلقي بظلاله بين الفينة والأخرى، ودخول قوات مصرية
وتموقعها في مناطق نفوذ حفتر سيكون مؤشرا على اختلال العلاقة مع الأخير وأبنائه،
ومع التسليم بأن القاهرة غير راضية بل ربما رافضة للتوجه الذي تبناه أبناء حفتر
بإقالة عقيلة صالح من منصبه كرئيس لمجلس النواب، إلا أن النظام المصري قادر على
احتواء الأزمة دون الحاجة إلى تصعيد يأخذ شكل عسكري.
فرضية تحول دور الجيش المصري من عمليات الإغاثة إلى خطة تموقع ووجود
عسكري في شرق ليبيا تعني أن تطورات على المستويين السياسي والأمني في البلاد،
تتورط فيها مكونات محلية وتدعمها أطراف خارجية، باتت راجحة، وأن البلاد مقبلة على
مرحلة حرجة وتدافع محموم، ومن مؤشرات ذلك وأدواته أن تتجه كارثة السيول إلى مزيد
من التأزيم وتصعيد لتكون غطاء لتلك التطورات، وهو سيناريو محتمل غير أنه من المبكر
الجزم بإمكان وقوعه، والأسابيع والأشهر المقبلة ستكشف عن صحة هذه الفرضيات من
عدمها.