ذاك العملاق
المتعدد المواهب، الذي أثرى حياتنا
الفنية بإبداعاته في مختلف حقول
التعبير، والذي لعب دورا مهما وخطيرا في إنشاء مسارح التلفزيون في الستينيات،
وهو بلا شك ولا منازع الأب الروحي للعديد من النجوم في جميع المجالات الفنية في
تلك الفترة الخصبة من تاريخ
مصر، فكانت مسارح التلفزيون تحت إمرته معملا
لتفريخ المواهب والنجوم التي انطلقت نحو سماء النجومية، وملأت الدنيا فنا وإبداعا.
تألق الوجه
الجديد آنذاك فؤاد المهندس في مسرحية السكرتير الفني، وكذلك تألق عبد المنعم
مدبولي لا كنجم فقط وإنما كمخرج مسرح كوميدي لا يشق له غبار، كذلك محمد عوض، ومن
منا ينسى جملته الشهيرة "أنا عاطف الأشموني مؤلف الجنة البائسة"، ومن
منا ينسى أداءه المبهر في مسرحية "نمرة 2 يكسب"، ومن ينسى أمين الهنيدي،
ومن ينسى الجميلة شويكار التي كوّنت ثنائيا مع فؤاد المهندس ليرسما لنا البسمة
والبهجة.
ولعل هؤلاء نجوم
على
المسرح، ولكن هناك نجوما في الكواليس، ككتاب سيناريو ومؤلفي مسرح، كالبديع
بهجت قمر ومعه سمير خفاجى الذي أصبح بعد ذلك له فرقته الخاصة باسم الفنانين
المتحدين، وأصبحت من أكبر فرق القطاع الخاص في مصر. وكذلك قدمت لنا جلال الشرقاوي
لأول مرة مخرجا لمسرحية "الأحياء المجاورة" للقمتين سناء جميل
وحمدي غيث، أيضا ساهم مسرح التلفزيون بقيادة سيد بدير بتقديم براعم الفن، كعادل
إمام وسعيد صالح وصلاح السعدني وصلاح قابيل وغيرهم.
لم يقف السيد
بدير، بل ولم يستغرقه الجانب الإداري؛ فقد ساهم في الحركة الفنية بإبداعاته ممثلا
وكاتبا ومخرجا للإذاعة والسينما والمسرح.
وقد كان ناجحا
متميزا ومالكا لزمام الصنعة والحرفية بشكل يثير الإعجاب والدهشة معا، وبرغم
تواري ذاك العملاق بعد ذلك عن العمل الفني إلا أن ضربات القدر كانت له بالمرصاد.
فقد كان للسيد
بدير ولدان: فقدَ الأول وهو سمير السيد بدير في حرب 73، وفقدَ الثاني العالم
العبقري سعيد السيد بدير، الذي راح ضحية لعملية مؤامراتية مخابراتية.
ولا شك أن ضربات
القدر هذه قد أقعدت مبدعنا الكبير، ولكن أبدا لم تفتّ في عضده، وبرغم كل التحديات
والمنغصات والمحبطات التي واجهته إلا أنه عاد ليقدم مسرحيته الأخيرة "عائلة
سعيدة جدا" وأخرجها وهو على كرسيه المتحرك، في تحد صارخ لعامل الزمن والمرض
والحزن، وبعد أن تأكد السيد بدير أنه قدم عملا صنع البسمة للمصريين، رحل صانع
البهجة صاحب السيرة العطرة والذي أبدا لن ننساه فهو كالطود الشامخ في ذاكرتنا
الفنية.
السيد بدير اسم
لامع ومعروف، ولكن لا يعرفه أحد!