"كما أن لكل مقام مقال فإن لكل زمان دولة ورجال".
إذا تفحصت بعين الخبير الأزمنة المتعاقبة ستجد أن لكل
زمان دولة ورجال، قد يطول زمن تلك الدولة أو يقصر وقد يزيد عدد رجالها أو يقل، أو
قد لا تجد في عصر من العصور رجالا بالمعنى الحرفي للكلمة..
إذا عدت إلى زمن الفرعون، رغم أن قصة موسى عليه السلام
مع فرعون أفردت لها سور وآيات كثيرة (ذكر اسم فرعون 74 مرة في 27 سورة) ورغم ما
قام به فرعون من قتل وذبح وتشريد ومطاردة للمؤمنين، فستجد أن القرآن لخص عصر فرعون
في أربعة أشخاص؛ فرعون وهامان وقارون وأضاف إليهم الجنود باعتبارهم تابعين لفرعون
وهامان (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)، أما الشخص الذي تصح تسميته
بالرجل في زمن الفرعون فهو الرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه، وهو الرجل الذي يمكنني
تسميته بالمعارض أو المناوئ أو الرافض لفرعون وفكرته عن نفسه بأنه إله.
فرعون يمثل رأس السلطة، وهامان نائب الحاكم وكبير البنّائين،
وقارون رجل الأعمال الثري الذي كان موضع إعجاب لكثيرين وزعم أنه أوتي المال بسبب
علمه (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ
قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)،
وكانت النهاية المعروفة (فَخَسَفْنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلْأَرْضَ فَمَا كَانَ
لَهُۥ مِن فِئَةٍۢ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ
ٱلْمُنتَصِرِينَ).
يمكنك تطبيق هذا النموذج على أنظمة مختلفة وستجد أنه
كلما كان النموذج خيّرا وإنسانيا زاد عدد رجال العصر وحسنت سيرتهم، وكلما كان
النموذج شريرا وسيئا كلما قل عدد رجاله إن وجدوا وانحسر الرقم في شخص الحاكم وآل
بيته.
إذا اقتربت من العصر الحديث يمكنك مراجعة ما كتبه المؤرخ
الدكتور خالد فهمي عن عصر محمد علي في كتابه "كل رجال الباشا"، وهو كتاب
أعتبره كتاب تشريح مجتمعي يشبه كثيرا كتب التشريح التي كنا ندرسها ونحن طلبة في
السنة الأولى في كلية الطب.
الكتاب يقدم رؤية مختلفة للنهضة في عصر محمد علي، وهي
فكرة التضحية الشعبية التي قدمها الشعب تحت حكم محمد علي. وباختصار فالفكرة هي أن
الشعب وقع عليه عملية استعباد طال زمانها من أجل تحقيق أهداف الباشا الكبير، وإن
كان جزء من أهدافه الشخصية قد كان له مردود طيب على شكل الدولة
المصرية.
يعني أن الباشا كانت له أحلام سعى لتحقيقها وكان الشعب
يدفع الثمن دون أن يجني كامل الثمار، بل بالعكس، لقي كثيرون حتفهم وضاعت هيبة
الناس من أجل تحقيق هدف الباشا.
دعك من محمد علي وتعال نتحدث عمن سُموا بثوار يوليو 1952،
والذين اختاروا اللواء محمد نجيب رئيسا ثم انقلبوا عليه، وأدرك جمال عبد الناصر أن
سياسة نجيب في ترضية الجميع لا تصلح من أجل البقاء فأبقى حوله المؤمنين به
والمخلصين له والمنافقين له أيضا، بحيث لا يسمع في الأجواء إلا ما قاله ويقوله عبد
الناصر وأحيانا ما سيقوله قبل أن يقوله، كما كان يفعل محمد حسنين هيكل بوق عبد
الناصر الذي كان يتحدث به إلى الشعب.
بدأ الجنرال انقلابه بدعم وتشجيع فتيان "تمرد" الثلاثة وقام بتعيينهم في البرلمان، وهكذا فعل مع جبهة الإنقاذ إذا بدأ بالتودد لها حتى انفرط عقدها بعد أن تم تعيين محمد البرادعي نائبا لرئيس الدولة في الفترة الانتقالية ثم استقال وبالتالي تم التخلص منه مبكرا، كما اختص الجنرال بحبه وحنانه مجموعة من السيدات
رجال عبد الناصر كانوا في الأساس مجموعة من الزملاء
الذين كان بينهم عهد وميثاق، ولكن نجح في التعامل معهم والتخلص منهم تدريجيا وبقي
له صاحبه الوحيد عبد الحكيم عامر الذي رقّاه لرتبة اللواء في عام 1953 ورتبة
المشير في 1956 ثم عزله بعد نكسة يونيو 1967، ثم قدم له السم حتى يتخلص من إرثه الكئيب وسمعته التي ملأت الأجواء؛ من
مطاردته للفنانات وزواجه سرا من برلنتي عبد الحميد وما قيل عن علاقته بالفنانة
الجزائرية وردة.
كان عبد الناصر محاصرا بمخابرات وغراميات صلاح
نصر، وحكايات محمد حسنين هيكل الصحفي الشاب المعجب بتجربة
ناصر والذي صوره على أنه موحد الأمة التي استيقظت صباح 5 حزيران/ يونيو 1967 على
خبر احتلال دولة الكيان الصهيوني الصغيرة لأراضي ثلاث دولة من دول المواجهة لديها
جيوش من المفترض أي يُعمل لها حساب وهي سوريا ومصر إضافة إلى الأردن.
انتهى عصر عبد الناصر بموته ولم تنته سيرته ووصف عصره
بأنه عصر النكسة، ولم يخلد التاريخ
شخصيات هذا العصر إلا في النذر اليسير خصوصا
الوزراء المدنيين وعلى رأسهم عزيز صدقي الذي قامت على يديه فكرة الصناعة الوطنية وأُطلق عليه
لقب أبو الصناعة الوطنية.
لم يترك عبد الناصر لمصر سوى ما عُرف بمراكز القوى، وهي
بقايا النظام الموزع بعيدا عن مركز القرار بحيث لا يكون من بعده إلا الصراعات وحتى
يقول الناس "ولا يوم من يومك يا ناصر".
وصل أنور السادات إلى سدة الحكم ليجد مراكز قوى تسيطر
على مفاصل الدولة وتطالب بإرث عبد الناصر ولكنها لم تطالب أبدا بالثأر من الصهاينة،
وخاض السادات صراعا حتى تمكن من استعادة قوة المركز ولكنه في المقابل كان حذرا في
تعامله مع دائرته المقربة، لذا ما انفك يُحدث تغييرات دورية خشية إعادة بناء دولة
مراكز القوى. وللتاريخ حاول السادات بناء دولة ولكنه انتهى إلى فكرة بناء الأسرة
المصرية أو العيلة المصرية، أي إدارة الدولة بطريقة أبوية كان شعارها "عيب يا
ولد" والتي سن لها قانونا يسمى قانون حماية
القيم من العيب.
ترك السادات بعض الأسماء المرتبطة بعصره، مثل وزير
الحربية المشير أحمد اسماعيل ورئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي والفريق
الجمسي وقادة الأسلحة والأفرع الذين خاضوا معركة السادس من أكتوبر 1973، كما ترك
عثمان أحمد عثمان (المقاولون العرب) ورشاد عثمان (ملك تجارة الأخشاب) وصديق عمره
ومن خلفهم طابورا طويلا من الفاسدين الذين عُرفوا بالقطط السمان.
أما مبارك ونظرا لطول فترة حكمه فقد تنوعت طبيعة
المحيطين به، فمن اقتصاديين إلى سياسيين ثم رجال أعمال ثم أبناء الأسرة، وكل ذلك
محاط برجال من الجيش يُحكمون السيطرة على مفاصل الدولة ورجال الأمن الوطني لإحكام
السيطرة على أي تصرفات لا تعجبهم من الشارع المصري، وبدعم من نظام قضائي يأتمر
بأمره وينتهي عن نواهيه.
يمكنك أن تذكر فتحي سرور، ترزي القوانين، وصفوت الشريف المعروف بالضابط موافي (ضابط مخابرات مسؤول عن الحفلات والسهرات الخاصة في جهاز
المخابرات إبان عصر عبد الناصر) أستاذ تكميم الإعلام وتسييره على النحو الذي يريد،
ويمكنك أن تذكر الرجل صاحب الصوت والصورة الضخمة كمال الشاذلي،
رجل التنظيم القوي الذي كان يسيطر
على الجميع تحت قبة البرلمان، ويمكنك أن تذكر زكريا عزمي، راعي منظومة الفساد في البيت الكبير وما حوله والذي حكم
عليه بالسجن بعد الثورة ثم تمت تبرئته لاحقا، ويمكنك أن تذكر أسامة الباز، وهو
أستاذ في سياسة التأييد بالصمت، أو مصطفى الفقي، أستاذ التطبيل السياسي عبر كل
العصور، وبطرس غالي، وزير الخارجية والأمين العام للأمم المتحدة، ثم عمرو موسى.. وجلهم
أساتذة يعرفون ويفهمون في السياسة الدولية ويديرون الملفات ولكنهم في النهاية
يخضعون لسلطة الرئيس وقراره في النهاية، وراجع في ذلك مذكرات عمرو موسى وأحمد أبو
الغيط.
اليوم من هم رجال
السيسي؟
ستستغرق وقتا طويلا وتعصر ذهنك وتفرك عينيك وتذهب إلى
جوجل كي تتعرف على رجال الانقلاب وبالكاد ستذكر أحدهم رغم مرور عشر سنوات. وأنا
هنا أحاول أن أتذكر بعضا من رجاله إن كان له رجال، ولكن وللحقيقة وحتى في المرحلة
الانتقالية التي تولاها عدلي منصور (رئيس الظل) الذي ترك السيسي يدير الفترة الانتقالية
من وراء ستار، ستجد أن أبرز رجال الجنرال كان اللواء إبراهيم عبد العاطي المعروف بـ"عبد
العاطي كفتة"، مخترع ما أسماه جهاز علاج الإيدز وفيروس سي الذي تم تقديمه من
خلال المؤسسة العسكرية على أنه مبتكر ومخترع سيغير وجه الإنسانية باختراعه العلمي
الجديد. ولا ننسى أن الرجل قد قدم الشكر للمخابرات التي خطفته وأعادته إلى مصر حتى
يُثبت حق مصر في اختراعه الرهيب الذي عُرض عليه
فيه مليارا دولار ولكن الرجل
الوطني رفض المال وقرر العودة للبلاد، ومع تزايد حملة النقد العلمية قال الرجل
وبثقة الجنرالات "أقسم بالله لأجيب أمريكا تتعالج في مصر".
بدأ الجنرال انقلابه بدعم وتشجيع فتيان "تمرد"
الثلاثة وقام بتعيينهم في البرلمان، وهكذا فعل مع جبهة الإنقاذ إذا بدأ بالتودد لها
حتى انفرط عقدها بعد أن تم تعيين محمد البرادعي نائبا لرئيس
الدولة في الفترة
الانتقالية ثم استقال وبالتالي تم التخلص منه مبكرا، كما اختص الجنرال بحبه وحنانه
مجموعة من السيدات، مثل الكاتبة سكينة فؤاد التي كانت مستشارة للرئيس مرسي وانقلبت
عليه، وداليا خورشيد سيدة الأعمال الذي عينها وزيرة ثم ما لبثت أن تزوجت من طارق
عامر، محافظ البنك المركزي وصاحب مقولة بكرة الدولار
هيبقى بأربعة جنيه، كما استدعى من
أرشيف الدبلوماسية السفيرة مشيرة خطاب ومنحها لقب رئيسة مجلس حقوق الإنسان، وهي
المرأة الدبلوماسية المصرية الوحيدة (فيما أعلم) التي تمنع من الحصول
على فيزة دخول بريطانيا بسبب سلوكها
العدواني ضد الانسان المصري وليس البريطاني، ولا ننسى وزيرة الصحة هالة زايد التي
طلقها زوجها بعد اتهامات بالفساد طالتها وطالته.
جذب السيسي إليه الزعيم الحنجوري كمال أبو عيطة ومنحه
وزارة العمل نظير جهوده في الحرب على وزير العمل خالد الأزهري في عهد الرئيس مرسي،
واليوم نرى ونسمع عن بلاغات كيدية يقدمها الحنجوري ثم قامت الأجهزة بتوظيفه ضد
الناشر والصحفي هشام قاسم تسببت في حبسه ولا يزال قيد المحاكمة.
منح السيسي بعض رجال اليسار الفرصة لكي يكونون إلى جواره
في لحظة انقلابه، مثل أحمد البرعي، وزير التضامن والشئون الاجتماعية الذي أصدر قرار
حل الإخوان، وحسام عيسى، نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي الذي أذاع بنفسه
قرار أن الإخوان جماعة إرهابية، وكلاهما محسوب على اليسار المصري، ثم تم التخلص من
الجميع بعد أن وصل إلى الحكم ليعلن وبكل صراحة أنه ليس مدينا لأحد. وهنا يفصح السيسي وبكل جلاء أنه لا حاجة له بمن حوله
وأنه لا يحتاج إلى أحد مهما علا شأنه، بل إنه يرى أن الآخرين في حاجة إليه
وبالتالي فقد سقط من عينيه كل المحيطين به مهما علا شأنهم العلمي والفكري والسياسي
لأنه لا يرى إلا نفسه.
من هذه الزاوية تعامل الجنرال مع المحيطين به، فهو يراهم
مساعدين ولهم الشرف، معاونين ولهم الفخر، أما القرارات فهي ملك له، وهو وحده من
ينسب له الفضل في كل ما جرى على مخازيه ومساوئه.
في تسريبات متداولة من داخل حملته الانتخابية في 2014
وبعد دراسة استطلاع رأي قدمت له مفادها أن الشباب لن يمنحوه أصواتهم وأنه بحاجة
إلى بذل المزيد من الجهود لتهدئة روع الشباب وتغيير نظرته إلى الثورة، كان رد
الجنرال: "لست بحاجة إلى الشباب" وأمر بالتركيز على المرأة. ومن هناك
انطلقت حملاته المستمرة ولا تزال لمخاطبة ود المرأة والتركيز على أنها هي من تدعمه
وتدعو له. وقد صرح الجنرال في مؤتمر عام أنه لا داعي لوجود وزيرة للمرأة "فأنا وزير المرأة".
لعلنا نذكر تلك السيدة المعاقة التي أعلنت عن تبرعها
بجاموسة لصالح صندوق "تحيا مصر" أو السيدة العجوز (سبيلة) التي استدعيت إلى مقر الرئاسة
لتعلن عن تبرعها بمشغولاتها
الذهبية من أجل الجيش
والشرطة، واستقبلها وغيرها من
النساء اللواتي يتم تجهيزهن في الاستوديوهات لكي يقمن
بدور المدافع، مثل التي قالت "بحبه وأعشقه وأموت فيه"، أو الصحفية غادة
شريف التي كتبت له "يا سيسي انت تغمز
بعينك بس".
وتم التعامل مع الجنرال على أنه أيقونة جنسية تغري وتغوي
النساء وحتى الرجال، حتى كتب محمود الكرردوسي "مصر للسيسي: زوجتك نفسي"، وبث أحد القساوسة (القمص بولس) عشقه في الجنرال وقال
كما لم تقل النساء: "أذوب عشقا فيه".
للتمهيد لانتخابات 2014 قام السيسي بالاجتماع مع خمسين امرأة
منتقاة لطلب دعمهن وطالبهن بحمل المسئولية معه، حيث أن المسئولية ستكون ثقيلة عليه
وطلب منهن الضغط على الرجال كي يصوتوا له. وفي هذا الحوار السيريالي العجيب تحدث
السيسي مع النساء كما لو كان "دون جوان" السينما، وكأنه آسر قلوب
العذارى، يتحدث برقة وعذوبة وبحنية تفوق ما تقوم به النساء في مغازلة الرجال كما
في الأفلام المصرية.
في كل زياراته الخارجية كان يتم شحن المرأة مع العفش لكي
تقف صفا وتهتف بحياة الزعيم عند وصوله إلى الفندق، خصوصا حين كان
يزور أمريكا وألمانيا، وكان على رأس المستقبلات بعض أشهر نجمات الإغواء
والإغراء في السينما وعلى رأسهن يسرا
وإلهام شاهين وهالة صدقي، تماما كما فعل كمال
أبو عيطة، المناضل العمال السابق والذي كوفئ بتعيينه وزيرا قبل إقالته بسبب الفساد
والذي سافر ليكون ضمن المتظاهرين
من أجل السيسي في نيويورك.
في سهرة 30 يونيو قامت استخبارات السيسي بشحن عدد من
الفنانات لكي يعبرن عن غضبهن من الرئيس مرسي، وكلهن كن بطلات فضائح قبل أن يكن
ممثلات حقيقيات، وكان على رأسهن المخرجة إيناس الدغيدي التي طالبت السيسي
بالترشح قبل الاستفتاء على الدستور في عام 2014.
منح السيسي المرأة المؤيدة له كامل الاهتمام والاحترام
بهدف تحسين صورته أمام الدوائر الغربية، ولكنه وفي نفس التوقيت كان يزج بالمرأة
المعارضة في السجون، فوجدنا النساء خلف القضبان ومعهم أطفالهن الرضع بلا رحمة ولا
وازع من ضمير، وفي الوقت الذي كان يطلق نساءه في الطرقات يرقصن ويهتفن عند
اللجان الانتخابية عمدا مع سبق الإصرار
والترصد. كان يأمر باعتقال أي ناشطة سياسية أو زوجة معارض أو ابنة معارض حتى ولو
كان اعتقل معها زوجها وجنينها الذي في بطنها، حتى تجاوز عدد
المعتقلات المصريات الـ200 امرأة وفتاة، أبرزهن عائشة الشاطر وهدى عبد المنعم وحسيبة محسوب
وأخريات لا يعلمهن إلا الله.
منح السيسي المرأة المؤيدة له كامل الاهتمام والاحترام بهدف تحسين صورته أمام الدوائر الغربية، ولكنه وفي نفس التوقيت كان يزج بالمرأة المعارضة في السجون، فوجدنا النساء خلف القضبان ومعهم أطفالهن الرضع بلا رحمة ولا وازع من ضمير
ولا ننسى بالطبع أن السيسي كان قائد موقعة كشف العذرية،
واضطر المجلس العسكري
للاعتراف أمام الضغط
العالمي والمحلي، بعد أن أدانت محكمة
القضاء الإداري سلوك العسكر واعتبرت ما جرى
جريمة جنائية وانتهاك لحرمة وجسد الإناث إبان ثورة مصر 2011.
لا يشهد التاريخ الذي نعيشه في العشرية السوداء أن عصر
الجنرال كان فيه رجال بل أشباه رجال أو دمى، إلا إذ اعتبرنا مصطفى مدبولي رجل
السيسي التنفيذي الأول، وهو الذي تربى في بيت جنرال سابق (والده كان زميلا للمشير طنطاوي، وعمه اللواء فؤاد نصار
كان رئيسا للمخابرات الحربية) رجلا حقيقيا في
مجال السياسة، أو اعتبرنا أن وزير الخارجية الأفشل عبر العصور، سامح شكري، وزير
حقيقي للخارجية، أو اعتبرنا محمود بدر وعلاء عابد وعبد العزيز برايز هم رجاله في
البرلمان، واعتبرنا أحمد موسى ومصطفى بكري ويوسف الحسيني ونشأت الديهي هم رجال
السيسي في الإعلام، واعتبرنا أبطال المسلسلات الرمضانية غير الحقيقية مثل أحمد عز
وأحمد السقا وياسر جلال هم أبطاله في الفن والثقافة، أو اعتبرنا علي جمعة وخالد
الجندي وأسامة الأزهري رجاله في الفتوى والدعوة.
إذا طويت صفحة الجنرال -وستطوى يوما ما إن شاء الله- فلن
تجد تحت الركام رجالا ذوي أفكار أو آراء أو أصحاب إنجاز حقيقي، ولكن ستجد عشرات
اللواءات والقادة العسكريين يتقدمهم وبلا منافس عباس كامل، مدير مكتب الجنرال السابق ورئيس جهاز المخابرات الحالي
وصاحب فكرة ترشح السيسي وقائد حملاته الانتخابية، والرجل الذي يمسك بتفاصيل العلاقات
الداخلية وبملف الإعلام على وجه الخصوص، وصاحب التسريبات
الشهيرة والتي تحدث فيها
عن فكرة ابتزاز الدول النفطية كما تفعل أمريكا مع قادة تلك الدول، ثم يأتي كامل
الوزير، رئيس الهيئة الهندسية الأسبق ووزير النقل الحالي الذي اشتهر بتشجيعه لغسيل
الأموال والتهريب شريطة أن
يشاركوا الدولة جزء من أرباحهم.
سوف ترى تحت الركام عدة لواءات في جهاز الشرطة مثل محمد إبراهيم، صاحب مجزرة رابعة، ومجدي عبد الغفار، الوزير السابق للداخلية وصاحب أسوأ
سجل في القتل والسحل والإخفاء القسري، والوزير الحالي محمود توفيق، وبعض قادة
الشرطة من القتلة والمجرمين الذين سوف يساقون يوما ما إلى المحاكمة.