تشهد
تركيا في
هذه الأيام
موجة غير مسبوقة لما يسمى مواجهة الهجرة غير الشرعية، والتي كانت أحد
العناوين الرئيسية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، بانتظار المعركة
الانتخابية القادمة على المجالس البلدية بعد عدة أشهر. في حين أن الرئيس
أردوغان
وتحالفه الانتخابي كان يقف موقفا إنسانيا تجاه التعامل مع هذا الملف الشائك وكان
يرفض هذه الدعوات، ويعتبرها تحريضا وادعاءات كاذبة ويدعو إلى التعامل الأخلاقي مع
هذه المسألة.. هذا الموقف الأخلاقي في حينه دفع الجمهور
العربي والإسلامي إلى الاصطفاف
ودعم أردوغان وصل إلى درجة أن البعض، خاصة
اللاجئين والعاشقين لتركيا، وجدوا أنفسهم
جزءا من هذه المعركة، وصلت أصداء هذا الموقف إلى أن صدرت الدعوات تحث العرب والمسلمين
في تركيا وخارجها لأن يبتهلوا إلى الله ليفوز أردوغان.
جاء فوز أردوغان
وتحالفه بمثابة البلسم الشافي لقلوب المستضعفين على طول المنطقة العربية والعالم
الإسلامي تم التعبير بأوضح صوره بالاحتفالات في مناطق متعددة في العالمين العربين
والإسلامي؛ كان أبرزها تلك التي شهدها قطاع غزة المحاصر ومناطق المعارضة في شمال
سوريا، وعمت الاحتفالات أرجاء العالم العربي والإسلامي من ابتهاج وترحيب بفوز أردوغان،
حتى من بعض العرب الكارهين لأردوغان اعتبروا فوزه نصرا على الفاشية والعنصرية التي
كانت تفوح من أفواه قادة المعارضة التركية!!
كان الأمل بأنه بعد فوز أردوغان ستتعامل الحكومة مع مشكلة اللاجئين بأطر قانونية تحفظ للناس كرامتهم وإنسانيتهم.. وهنا لا بد من التأكيد على أن لا أحد يناقش في مسألتين؛ وهما أولا: أنه من حق الدولة أن تنظم وجود أي أجنبي على أراضيها وتمنع الهجرة غير الشرعية، ثانيا: صحيح أن ملف المهاجرين كان أحد أبرز الملفات سخونة في الانتخابات التركية؛ لكنه لم يكن الورقة الحاسمة، فالملف الاقتصادي هو المسألة الأصعب، ولولا الأزمة الاقتصادية لما نجح العنصريون بتمرير روايتهم في الشارع التركي
لم يكن أحد
يتجاهل أهمية مسالة اللاجئين وضرورة حلها، ولذلك كان الأمل بأنه بعد فوز أردوغان ستتعامل
الحكومة مع مشكلة اللاجئين بأطر قانونية تحفظ للناس كرامتهم وإنسانيتهم.. وهنا لا
بد من التأكيد على أن لا أحد يناقش في مسألتين؛ وهما أولا: أنه من حق الدولة أن
تنظم وجود أي أجنبي على أراضيها وتمنع الهجرة غير الشرعية، ثانيا: صحيح أن ملف
المهاجرين كان أحد أبرز الملفات سخونة في الانتخابات التركية؛ لكنه لم يكن الورقة
الحاسمة، فالملف الاقتصادي هو المسألة الأصعب، ولولا الأزمة الاقتصادية لما
نجح
العنصريون بتمرير روايتهم في الشارع التركي بأن سبب أزمات تركيا الاقتصادية هم
اللاجئون والقادمون لنهب خيرات البلاد..
لذلك فإن التعامل
مع المهاجرين بهذه الصورة كان مثيرا للاستغراب، وغير متوقع من حكومة أردوغان، وما
صدر من المسؤولين في الصف الأول من أحاديث عن تنظيف وتطهير الساحات والشواطئ من
المهاجرين كان مستغربا وصادما، لذلك لم يكن مستغربا بأن تكون الترجمة الميدانية
لهذا الخطاب هو ما نشر من فيديوهات وصور عن تجاوزات مقيته استغلها من في قلوبهم
مرض
العنصرية ليُخرجوا أسوأ ما لديهم من حقد وعنصرية خاصة ضد العرب!!
هذه الصور خلقت حالة من الصدمة والذهول لدى كثيرين من عشاق تركيا ورئيسها في
الشارع العربي والإسلامي؛ الذين كانوا يرون في تركيا برئاسة أردوغان الأمل والخلاص،
إن كان على سبيل النموذج أو على مستوى القيادة، فالكثيرون من هؤلاء الذين ذهبت بهم
العاطفة الجياشة لخطابات الرئيس التركي أردوغان خلال العقد الماضي باحتضان
المظلومين والعمل على التلاحم بين تركيا والعالم العربي والإسلامي، لبناء قوة
إسلامية لتحافظ على مصالح المسلمين وتنهض بهم، كان الأمل لديهم بأن تكون تركيا
الدولة القائد لمشروع النهضة المأمول الذي يستعد الجميع للتضحية من أجله، فلم يكن
مستغربا بأن تسمع ليلة محاولة الانقلاب على أردوغان من أحد الناطقين الإسلاميين
بالاستعداد للاستشهاد على شواطئ إسطنبول للدفاع عن نظام حكم أردوغان.
لم يكن مصادفة أن
هؤلاء الحالمين ليسوا وحدهم من يتصور أن تركيا ستلعب دورا محوريا في العقد الثاني
والثالث من القرن الحادي والعشرين نتيجة علاقتها المتينة من الدول العربية وشعوبها،
بل إن مراكز البحوث الأمريكية ذهبت هذا المذهب. فعلى سبيل المثال يرى جورج فريدمان
في كتابه "استشراف القرن الحادي والعشرين"، أن الدور التركي سيأخذ في
التعاظم بسبب أن العرب يجدون في تركيا بديلا عن العلاقة مع إسرائيل وإيران، لذلك
فإن تركيا ستشكل قوة كبيرة في الإقليم، وأن تركيا ستشهد تحولا أيديولوجيا ترى من
خلاله تركيا كدولة قائد للعالم الإسلامي خاصة العربي مستفيدة من الطاقة الإسلامية
الهائلة لتنشئ دولة إسلامية عظمى قد يدفع المسلمين العرب في المنطقة إلى التحول من
شريك متردد إلى شريك نشط وفعال في التوسع التركي.
إذا لم يتدارك الرئيس أردوغان ومن حوله مخاطر هذا الخطاب والتصدي له، ووقف التجاوزات بحق اللاجئين، والتعامل مع المخالفين بإطار قانوني يحفظ كرامة الإنسان مهما كانت جنسيته، فإن مرحلة الانفصام النكد ستكون هي عنوان المرحلة المقبلة، ستكون نتائجها خسارة للجميع
السؤال الآن: هل
ما نشهده من ارتفاع الصوت العنصري المعادي بشكل خاص للعرب يمكن أن يصنع هذه القوة
المرجوة، والتي يحلم بها الأتراك والعرب، بتشكيل دولة إسلامية قوية بقيادة تركيا
تعمل على تنظيم العالم العربي ومنطقة شرق البحر المتوسط، وتحول تركيا ليس فقط إلى قوة
إقليمية بل إلى قوة عالمية لا يستهان بها؛ ستنظر لها واشنطن بأنها تحدي حضاري في
المنطقة؟!!
إن ما يحدث اليوم
من حالة شاذة ومستهجنة ستكون نتيجته الحتمية الانفصال النكد بين العرب والترك، مما
يطرح التساؤل: كيف تتخلى تركيا عن دورها الحضاري وتسقط في وحل الخطاب العنصري على
أمل الفوز غير مضمون بمعركة في الانتخابات بلدية؟ هذا المشهد يعيد إلى الأذهان مشهد
سقوط الدولة العثمانية في الخطاب القومي والعنصري قبل أكثر من 150 عاما كانت
نتيجته كارثية على الدولة العثمانية باستعداء الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية مما
سهّل تفككها واحتلال أراضيها.. جرى ذلك في ظل السلطان العثماني، وبالرغم من الحديث
عن رفض ذلك إلا أن الأحداث فرضت نفسها وأسقطت السلطان والسلطنة، فهل يتكرر ما جرى
قبل 150 عاما اليوم تحت بصر ونظر أردوغان وحكومته؟
خلاصة القول، إذا
لم يتدارك الرئيس أردوغان ومن حوله مخاطر هذا الخطاب والتصدي له، ووقف التجاوزات
بحق اللاجئين، والتعامل مع المخالفين بإطار قانوني يحفظ كرامة الإنسان مهما كانت
جنسيته، فإن مرحلة الانفصام النكد ستكون هي عنوان المرحلة المقبلة، ستكون نتائجها
خسارة للجميع!!