هل فقدت إسرائيل زمام المبادرة للرد على صواريخ لبنان أم القادم أخطر؟!

من ينظر إلى الرد الإسرائيلي على الصواريخ من جنوب لبنان، يقف حائرا أمام طبيعة الرد، فهناك سيناريوهات يمكن الحديث عنها تفسر هذا الرد المستغرب!!

الأول: أن إسرائيل فقدت زمام المبادرة، ونتيجة الأزمات الداخلية والخشية من الحروب الكبرى، اتجهت إلى الجبهة الأسهل، وهي جبهة غزة، مع ضربات هامشية في لبنان، وتجنبت حتى اتهام حزب الله بالمسؤولية، كما جرت العادة بأنها تضرب "سيد البيت"، مثلما فعلت سابقا مع السلطة في غزة عندما كانت تنطلق الصواريخ من غزة، فكان الرد على مواقع السلطة باعتبارها صاحبة الولاية على الأرض، ثم جاء دور حماس بعد سيطرتها على غزة 2007، وعندما تطلق صواريخ من غزة من قبل أي تنظيم، حتى لو كانت من باب النكاية في حماس؛ كانت تستهدف حماس باعتبارها صاحبة السيطرة على قطاع غزة!!

لذلك عدم الرد على حزب الله قد يعد في هذه الحالة ضعفا وعجزا عن مواجهة حزب الله، وهذا يطرح السؤال عن حقيقة هذا التفسير؛ هل يمكن أن يكون واقعيا؟!

الثاني: وهو يتعارض مع السيناريو الأول، ويرفض فكرة أن إسرائيل سلمت بالأمر الواقع وقبلت المعادلة، ويرى أن إسرائيل أجلت الرد الحقيقي، وأن ما نشاهده تأجيل مقصود، ولتحقيق ذلك اشتقت إسرائيل نظرية جديدة في التعامل مع ردود الفعل مع الطرف الذي هاجمها، وأعلنت أنها تريد تصفية الحساب مع حماس في غزة على خلفية صواريخ أطلقت سابقا كما أخبرت الوسطاء، حتى لا يتدهور الأمر؛ لأنها لا تريد تصعيدا مع حماس في غزة أصلا!!

وهذا أمر مستغرب في سياسة الرد الإسرائيلي، لماذا لم تضرب صاحب السيادة الفعلية في جنوب لبنان؟ لذلك يمكن الحديث عن عدة أساب:

1- لتعبئة الفراغ لإرضاء الجمهور الإسرائيلي بأن الحكومة تقوم بالرد ولن تتردد في الرد، بضرب أهداف مكررة في غزة، إلى جانب قصف مواقع في جنوب لبنان، لا أحد يعلم مدى صلاتها بإطلاق الصواريخ أصلا، مع أن هذا الرد غير واقعي وغير منطقي، وسيعد هزيمة لإسرائيل إذا هي اكتفت بالرد بهذه الطريقة!!

2- الإعلان عن الرد المتأخر على حماس في غزة هو رسالة مبطنة إلى الطرف الذي سمح بإطلاق الصواريخ، ضمن لعبة الصراع القائم مع إيران، فإسرائيل تحمّل إيران المسؤولية المباشرة، وترى أن الخطوة جاءت جزءا من الرد الإيراني على مقتل المستشارين العسكريين، لكن بغطاء فلسطيني، وإن لم تصرح بذلك.

3- إسرائيل تدرك أن حزب الله لا يمكنه منع قرار إيراني، وبالتالي تجنبت اتهام حزب الله، من باب أنه فعلا غير مسؤول مباشرة عن القرار أصلا، مع أن الحزب هو صاحب السيادة على الجنوب اللبناني.

4- لا تريد الرد المباشر على صاحب السيادة المباشرة في جنوب لبنان كما تفعل في غزة؛ لأنها تدرك أن المواجهة مع حزب الله ليست نزهة، ولا تريد الدخول في مواجهة مع الحزب، وخطوط الإمداد من إيران مفتوحة عبر سوريا.

5- إسرائيل لا تريد ربط الجبهات الفلسطينية واللبنانية والإيرانية مع بعضها، كذلك عدم ربط حزب الله وإيران في مسألة الدفاع عن المسجد الأقصى، لما يمكن أن يمثله من فائدة دعائية للحزب.

6- إسرائيل لديها استراتيجية جديدة تجاه إيران في سوريا، عبّر عنها وزير الدفاع المقال يؤاف جلنت، قبل أسبوع من تدهور الموقف، بالقول إنه "حان الوقت لإخراج إيران من سوريا". وهذا سيطرح تساؤلا حول ما إذا كانت إسرائيل فعلا أجّلت الرد إلى ما بعد الانتهاء من الأعياد اليهودية، أو انتهاء موسم التوتر مع الفلسطينيين المصاحب لشهر رمضان..

6- التعامل مع إيران ليس مسألة إسرائيلية خاصة، وهي مسألة أكبر من أن تحسم بها إسرائيل وحدها، وإن التعامل معها يأتي في سياق أمريكي. ولذلك الحشد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط يطرح تساؤلات، وقرار أمريكا بإلغاء سحب حاملة الطائرات من شرق المتوسط وإرسال غواصة نووية تحمل صواريخ توما هوك (يو إس إس فلوريدا) إلى الشرق الأوسط؛ يشير إلى أن الولايات المتحدة لديها إنذارات بأن الموقف قي المنطقة قد يتدهور، وأن إيران قد تقدم على شن هجمات في منطقة الشرق الأوسط، كما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية. وهذا يطرح سؤالا وهو: من ستهاجم إيران خاصة بعد المصالحات مع دول الخليج؟

ويضاف إلى ذلك قرارات أمريكية بإرسال طائرات إيه-10 الهجومية لتحل محل طائرات قتالية أكثر تقدما في الشرق الأوسط. وكذلك قبل أسبوع قرار تمديد مهمة المجموعة الهجومية المرافقة لحاملة الطائرات جورج إتش دبليو بوش.

الخلاصة أن فكرة العجز الإسرائيلي مسألة من الصعب تقبلها في ظل الموازين الحالية، ولن تقبل إسرائيل بهذه المعادلة، وإلا فإنها ستدفع ثمنا قاسيا لشعور خصومها بضعفها وعجزها عن الرد، لذلك الميل هنا إلى أن الأبواب مفتوحة لتطورات أكثر خطورة في قابل الأيام!!