تُعتبر
قرية "حمامة" قضاء عسقلان، واحدة من 50 قرية
فلسطينية تتبع لقضاء عسقلان ـ لواء غزة، ومن أهم القرى الفلسطينية الساحلية
المهجرة التي خرجت العلماء والعقول، وإحدى أهم المناطق السياحية والتاريخية في
فلسطين.
أقيمت بيوت قرية حمامة أو "حمامة عسقلان" على موقع قرية
يونانية عُرفت باسم "باليا" وتعني حمامة باليونانية، وظل هذا الاسم يطلق
عليها حتى يومنا هذا، في حين يعتز سكانها الأصليون المهجرون به.
واكتسبت حمامة بحسب الباحثة في
التاريخ والآثار إسلام حبوش أهمية
سياحية وتاريخية كبيرة نظرا لوجود الكثير من الخرب الأثرية حولها، ونظرا لعراقة
تاريخها فهي مسقط الإمام الشافعي.
وقالت حبوش لـ
"عربي21": "يعود تاريخ قرية حمامة إلى
عهود قديمة جداً، وذلك من خلال الاستدلال على أصل التسمية للقرية، إذ تذكر المصادر
البيزنطية أن القرية هي باليا (Peleia) اليونانية بمعنى حمامة، حيث كانت لها
مكانتها الأسطورية وكانت تقع على تل مشقفة".
وأضافت: "تبين أن إحدى الآلهة المدعوة سميراميس ربت الحمام حيث
نما وترعرع في المنطقة، وهي قرية عظيمة حسنة سُميت بذلك لحسن منظرها وبياضها
كالحمام الأبيض، ولا يُعرف موضع بهذا الاسم غيرها".
وأشارت إلى أن الآثار التي تحتضنها قرية حمامة تعود إلى عهود ما قبل
اليونانيين، حيث أقام الفلسطينيون الأوائل عند الساحل ما بين غزة وأسدود.
وقالت: "تقع قرية حمامة على بعد 2 كيلومتر من شاطئ البحر
الأبيض المتوسط، وعلى مسافة 3 كيلومترات شمال مدينة عسقلان أو المجدل، وعلى بعد 31
كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة، وذلك بالقرب من خط السكة الحديد
والطريق الساحلي".
وأوضحت أن قرية "حمامة" هي واحدة من قرى فلسطين التي تتبع
قضاء مدينة عسقلان ـ لواء غزة، وقد بلغ عدد سكانها عام 2000 حوالي 60 ألف نسمة.
وأشارت إلى أن سكان القرية كانوا قبل تهجيرهم من قبل العصابات
الصهيونية عام 1948م يعملون في الزراعة والصناعة والصيد إضافة إلى وجود العديد من
معاصر الزيتون والتي تسمى "البد"، كما عمل سكانها بالتجارة داخليًا
وخارجيًا وغيرها من المهن والحرف.
ونوهت حبوش إلى أن أبناء قرية حمامة كانوا يذهبون إلى المدارس
والجامعات في القدس وغزة وحيفا وغيرها من مدن فلسطين.
وتابعت أن القرية كانت تقع في رقعة مستوية من الأرض في السهل
الساحلي، وتبعد نحو كيلومترين عن شاطئ البحر، وتحيط بها كثبان طويلة من الرمال من
الشرق والغرب.
وأوضحت أن الطريق العام الساحلي وخط سكة الحديد كانا يمران على
مسافة قصيرة إلى الشرق من القرية.
وقالت حبوش: "تبلغ مساحة قرية حمامة 42 كم، وتحظى القرية بشهرة
واسعة نظرًا لأهميتها الاقتصادية والسياحية، وتتميز مثل الكثير من مدن فلسطين بغنى
مواردها وكبر مساحة أراضيها وشهرة تراثها".
وأضافت: "أصبحت قرية حمامة عبارة عن أنقاض، حيث قام الاحتلال
الغاشم عام 1948م بهدم كل ما تحويه من معالم تاريخية وأثرية، ولم يتركوا بيتًا ولا
مدرسة ولا مسجدًا إلا ومحوا آثار وجوده، وذلك في محاولة منهم لطمس معلمها ومحوها في
أذهان أبنائها المهجرين عنها قصرا".
وأشارت حبوش إلى أن الاحتلال وبعد تدمير القرية أقام عليها عدة
مستعمرات إضافة إلى المستعمرات التي كانت مقامة سابقا قبل الغزو، موضحة أن هذه
المستعمرات هي: نتسانيم، كفار هنوعر، بيت عزرا، إشكولوت، وروحاماه.
وقالت: "رغم ما فعله الاحتلال بهذه القرية وبقية القرى المهجرة إلا أنه لم يستطع هدمها ولا محوها من ذاكرة أبنائها الذين يتطلعون للعودة إليها في
أي وقت، فهذا التراب دائمًا ما كان لفلسطين وحتى يعودوا لها سيظل لهم".
وأكدت أن حمامة اكتسبت أهمية سياحية لوجود الكثير من الخرائب الأثرية
حولها والتي تعود إلى عهود ما قبل اليونانيين، حيث أقام الفلسطينيون الأوائل عند
الساحل ما بين غزة وأسدود.
وقالت الباحثة في التاريخ والآثار: "كانت قرية حمامة عبارة عن
حارتين رئيسيتين يكوّنان بيوت البلدة، الحارة الغربية والحارة الشرقية، وكان يفصل
بينهما الوادي، وكان عبارة عن مجرى لمياه الأمطار التي كانت تمر في هذا الوادي
قادمة من جهة مدينة المجدل في الجنوب".
وأضافت: "أصبحت قرية حمامة تحت الحكم العثماني بعد دخول القوات
العثمانية بلاد الشام وانتصارها في معركة مرج دابق عام 1516م، وخدم الكثير من سكان
القرية الدولة العثمانية، ومنهم منْ تجنّد في الجيش العثماني وحارب معهم ضد
الأعداء، وقدّم أهالي القرية الدعم للدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى
بالمال والرجال".
وأوضحت أن الإمام الشافعي؛ وهو أحد الأئمة الإسلامية للسنة والجماعة
ويدعى باسم "شهاب الدين بن العباس محمد بن عبد الله بن داوود بن عمرو بن علي
بن عبد الدائم الكناني الشافعي" وُلد فيها عام (150 هـ 767 م)، ودرس في
مدارسها قبل أن ينتقل إلى غزة ومنها إلى بيت المقدس حيث تولى الخطابة في المسجد
الأقصى، وعاش آخر حياته في مصر حتى توفي بها في (204هـ ـ 820م).
وقالت حبوش: "في سنة 1099م ـ 492 هجرية اقتتل المسلمون والإفرنج
قرب قرية حمامة وكان النصر فيها حليف الإفرنج، وقد نزح جماعة من العراقيب إلى قرية
دورة من أعمال الخليل".
وأضافت: "اشتهرت حمامة بكثرة أشجارها المثمرة، ففيها فضلاً عن
الحمضيات المشمش واللوز والتين والجميز والزيتون، كما يزرع في أراضيها الخضار
والبطيخ ومختلف أنواع الحبوب".
وأوضحت أنه كان في القرية جامع ومدرستان واحدة للبنين والثانية
للبنات، مشيرة إلى أن مدرسة البنين تأسست عام 1921م ثم أخذت تتقدم حتى صارت
ابتدائية كاملة في عام 1946 - 1947 المدرسي.
وأكدت الباحثة في التاريخ والآثار أن الكثير من الخرب تجاور القرية
وذكرت منها: تل الفر هند، خربة السواريف: أو "دريبات السواريف"، الشيخ
عواد، خور البيك، مكوس، المصلى، الناموس، خسة، بزا، معسابة، بشه، تل الفراني، وحجر عيد.
وأشارت إلى أن السلطان المملوكي "الأشرف برسباي" مر بها في
سنة 1432م.
وقالت: "أورد الرحالة المتصوف البكري الصديقي الذي مر بالمنطقة
في أواسط القرن الثامن عشر أنه زار قرية حمامة بعد أن غادر الجورة".
وأضافت: "كان سكان القرية في معظمهم من المسلمين، وقد بنوا
منازلهم في موازاة الطرق المؤدية إلى القرى المجاورة وهذا ما أدى إلى بروز نمط من
البناء يشابه شكل النجمة بحيث كان أطول إمداداتها نحو الشمال والشمال الغربي".
وأوضحت حبوش أنه في 29 تشرين أول/ أكتوبر من العام 1948م احتلت
العصابات الصهيونية المسلحة القرية وطردت أهلها بعد ضربات جوية عنيفة، وتم ضم جزء
من أراضيها لعدة مستعمرات مجاورة.
وقالت: "لم يبق أثر من منازل القرية، ولا من معالمها، وتغطيها
النباتات البرية ومنها الأعشاب الطويلة والعوسج والعليق فضلا عن نبات الصبار، أما
الأراضي المجاورة فمتروكة غير مستعملة".
وعلى الرغم من أنها لم تولد في قرية حمامة إلا أن الناشطة المجتمعية
سميرة دحلان التي تنحدر عائلتها من تلك القرية لا زالت تعيش أجواء قريتها في بيتها
المؤقت في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة لحين العودة إليها.
سميرة دحلان.. ناشطة مجتمعية
ولم ينتب دحلان شك للحظة واحدة أنها يمكن أن لا تعود إلى قريتها
فحمامة تعيش فيها رغم بعدها عنها، بحسب حديثها لـ
"عربي21".
وقالت دحلان: "مرت 75 سنة على نكبة فلسطين ونكبة قراها
الفلسطينية وتهجير أهلها منها، وقريتنا (حمامة) الصامدة التي تبعد فقط 31 كم عنا؛
لا زالت تعيش فينا ونعيش فيها لأننا لا زلنا متمسكين بتراثها، ولا زال أهل غزة
الذين استضافونا مؤقتا لحين العودة يطلقون علينا اسم أبناء حمامة أو (الحمامية) ".
وأضافت: "حافظ نساء حمامة على الزي الشعبي الفلسطيني لقريتهن وهو الثوب الجني نار والثوب الجلجلي، التي كانت ترتديه المرأة الحمامية في الأفراح
والمسرات، كذلك تضع على رأسها الشطوة المزينة بالليرات الذهبية يعلوها الشاش
الأبيض المطرز بألوانه الزاهية التي ترتديها في الأعراس والأفراح لتتغنى بالأهازيج
والأغاني الوطنية والزجل الشعبي، وتدق على الطبول والدف والمزمار مرددة الأمثال
الشعبية والزغاريد".
وتابعت: "كما حافظ الرجل رغم مغريات العصر على زي قرية حمامة
مثل العباءة والسروال والقفطان والقمباز ليرتديها في الأفراح بين حين وآخر ليعزز
هويته الفلسطينية ويزرع حب الوطن وحب قريته حمامة في نفوس أطفاله منذ الصغر".
وأوضحت دحلان أن أهالي قرية حمامة لا زالوا يتمسكون بالأكلات
الشعبية التراثية والتي تتفنن النساء الحماميات في طبخها مثل: الكشك، المفتول،
الفتة، البصارة، الحمصيص، أقراص السبانخ والزعتر، المناقيش، المسفن، والملاتيت، بل
ونقلوها إلى المطبخ الغزاوي الذي بات يشتهر بها.
وشددت على أن أبناء القرية ما زالوا متمسكين بالعادات والتقاليد في
العرف والمصالحة المجتمعية والديات وعادات الخطوبة والزواج والمآتم وإحياء الأفراح
والمناسبات الوطنية والمشاركة في الاحتفالات الكبرى.
وأوضحت دحلان أن تسمكهم بالعادات والتقاليد لقرية حمامة المهجرة عزز
الهوية الفلسطينية والتمسك بها، وكذلك حب الوطن وحب القرية الأم حمامة.
وقالت: "هذا كله يقودنا إلى التمسك بحق العودة إلى وطننا العزيز
وبلدتنا الأصلية حمامة، وعزز وجودنا كلاجئين ونحن نسعى دوما للعودة إلى أراضينا
المحتلة مهما طال الزمن أو قصر".
وأضافت: "تعليم الأطفال حب الوطن والتذكير دوما بحقنا في العودة إلى أراضينا وقريتنا يوما ما؛ هي سمة البيوت الحمامية ".
وأكدت الإعلامية لينا الخواجة التي تنحدر عائلتها من قرية حمامة
على أهمية تسليط الضوء على القرى المهجرة وتدريسها في المناهج حتى تظل النكبة
حاضرة.
لينا الخواجة.. إعلامية فلسطينية
وقالت الخواجة لـ
"عربي21": "أنا لم أولد في قرية
حمامة وكذلك أبي، ولكننا ما زلنا متمسكين بعادات وتقاليد تلك القرية مما يعزز حق
العودة لنا وللأجيال القادمة".
وأوضحت: "خاب توقع المحتل بأن الكبار يموتون والصغار ينسون، وعاش
كبار القرية حتى حكوا لصغارها حكايتها وسوف نواصل مشوارهم لنحكي لأبنائنا وأحفادنا
قضية حمامة".
وأضافت: "اليوم يفتش صغارنا في كل كتاب ومقال وصورة وكلمة قالها
أجدادنا لنا، لأن (حمامة) وكل فلسطين من النهر إلى البحر لم ننسَها يومًا، ولن
ننسى".
وأشارت الإعلامية الفلسطينية إلى ضرورة إطلاق حملات من أجل التعريف
بهذه القرية وزيارتها افتراضيا في ظل ثورة المعلومات حتى تظل راسخة في نفوس
أبنائها.
وأوضحت الخواجة أن من أشهر عائلات قرية حمامة هي: أبوع ودة، عوض
الله، حمودة، دحلان، السر، انشاصي، فرينة، المحلاوي، مقداد، صبّاح، شبير، اللحام،
الهباش، المصري، عزام، بركات، عوض، القاعود، أبو الكاس، صقر، شامية، عباس،
الحمامي، الهواش، رضوان، الزيان، كُلاب، الحسني، الخواجة، كعبر، العمري، أبو
سمعان، حرب، النجار، طالب، كسكين، الأعوج، أبور ريالة، طبازة، أبو حمدة، نسمان، والشريف.