واقعة التحفظ على مخرجات لجنة 6+6 تكشف عن ملمح من ملامح التعقيد
الشديد للنزاع الليبي، ذلك أن توافقات اللجنة بناء على التعديل الدستوري الثالث،
الذي أقره مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، نهائية وملزمة لجميع الأطراف، لكن
الأطراف المعنية، خاصة جبهة الشرق، مستمرة في نهج المغالبة حتى لو قاد هذا النهج
إلى الإخلال بالاتفاق ونقض العهود.
البداية كانت مع كتلة الستين عضوا برلمانيا الذين احتجوا على تعديل
لجنة 6+6 في عدد مقاعد مجلس النواب وتقرير عدد مقاعد مجلس الشيوخ، وأن ذلك اختصاص لواضعي الدستور وليس من مهام لجنة وضع قوانين الانتخابات حسب رأيهم. ولا يخفى
تأثير النزوع الجهوي والمناطقي على موقف عدد من أعضاء مجلس النواب الذين اعترضوا
على التعديل في عدد مقاعده.
كتلة الخمسين عضوا من أعضاء المجلس الأعلى للدولة رفضت الاعتراف
بمخرجات اللجنة كليا وينطلق هؤلاء في موقفهم من رفضهم للمسار الذي أنتج التعديل
الدستوري الثالث عشر ولجنة 6+6، لهذا لم يتطرقوا إلى مضامين القوانين التي أعلنت
عنها اللجنة لأنها في نظرهم غير شرعية.
ما رشح من مداولات اجتماع بوزنيقة أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح،
لم يحضر الإعلان عن اتفاق اللجنة معترضا على اشتراط تخلي مرشحي الانتخابات
الرئاسية عن الجنسية الأجنبية قبل إجراء الجولة الثانية من الانتخابات، وليس بعد
إعلان الفوز، ويبدو أن عقيلة يلبي رغبة الرجمة ويدعمها في هذا الاتجاه ربما في
مقابل مراجعة موقف حفتر وأبنائه من إقالة فتحي باشاغا، بحسب ما تناقلته بعض
المصادر المطلعة.
بهذا يكون اتجاه الموقف الداخلي ضد القوانين الجديدة، إذ لن تكون
القوانين نافذة ما لم تنشر في الجريدة الرسمية، وهذا إجراء بيد رئاسة مجلس النواب،
وما لم يتبدل موقف الرئاسة، فإن القوانين لن ترى النور ولن تكون هناك انتخابات
نهاية العام الجاري أو مطلع العام القادم إلا إذا تحركت الأطراف الدولية.
حالة الانسداد إذا لم يتم تخطيها من خلال توافق عادل محليا أو عبر ضغوط خارجية قد تقود إلى أوضاع أكثر مأساوية لتكون المحرك لهبة شعبية تسهم في كسر الطوق الذي فرضته النخبة المتنفذة على التسوية السياسية وتمهد الطريق لتوافق متوازن.
الموقف الدولي أقرب إلى التحفظ على القوانين، فما صدر عن البعثة يؤكد
أنها لم تدعمها بل دعت إلى مشاورات تعالج مخرجات لجنة 6+6، وهذا ما يفهم من مواقف
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ووجه الاعتراض ربما هو أن القوانين فتحت
الباب للجميع للترشح، ولا اعتقد أن الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين يقبلون
بانتخابات يشارك فيها سيف الإسلام بسبب مشاركة الغرب في الإطاحة بحكم عائلته ومقتل
أبيه وإخوته، بل إنه سيكون حليفا قويا لروسيا.
ستتضح الأمور أكثر في إحاطة المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي، أمام
مجلس الأمن، وبيان البعثة الأخير لم يشر إلى ذهاب باتيلي إلى الجسم البديل عن مجلس
النواب والأعلى للدولة. وسيكون الرهان على تعديلات في مخرجات لجنة 6+6، إلا إنه
سيكون رهانا صعبا، وغير مضمون
النتائج، وبالتالي فقد ينتهي مراثون المسار التأسيسي
الحالي للانتخابات إلى اللجنة رفيعة المستوى، لكنه لن يكون قبل فترة ركود وجمود
وربما مواجهات مسلحة، ما يعني أن الانتخابات ليست في المتناول وليست في الأمد
القريب.
حدة الاستقطاب الذي تكشف عنه طبيعة الحلول المطروحة لتسوية النزاع
والتي تجنح بعيدا عن التوافقات التي تقوم على تنازلات كبيرة من جميع الأطراف،
وتتأسس على نهج المغالبة يجعل التوافق أمرا صعبا، كما أنه يفرض مقاربات تصادم اشتراطات
ومقومات الانتقال الصحيح والمتماسك، بل إنه يكرس الانقسام ويجعل من التقسيم حلا
لمواجهة العبث الذي طال أمده واتسعت رقعة تداعياته، ليس فقط عند النخبة بل عند
مستويات أقل في السلم الاجتماعي والثقافي الليبي.
حالة الانسداد إذا لم يتم تخطيها من خلال توافق عادل محليا أو عبر
ضغوط خارجية قد تقود إلى أوضاع أكثر مأساوية لتكون المحرك لهبة شعبية تسهم في كسر
الطوق الذي فرضته النخبة المتنفذة على التسوية السياسية وتمهد الطريق لتوافق
متوازن.