برعاية البعثة الأممية في
ليبيا انعقد اجتماع باسم اللجنة الأمنية
المشتركة، لجنة 5+5، إلا أن الاجتماع تجاوز الإطار التنظيمي للجنة وتخطى
صلاحياتها، لهذا كان اجتماعا فارقا ثار حوله جدل كبير، وتباينت ردود الفعل حياله
ما بين داعم ورافض.
صحيح أن اجتماع طرابلس الأمني لم يكن الأول بالنسبة للجنة المشتركة
5+5، إلا أنه لم يقتصر على الأعضاء العشرة الرئيسيين، بل اتسع ليشمل مسؤولين
عسكريين وأمنيين من الغرب والشرق، الذين كان آخر تماس بينهم مواجهات عنيفة على
تخوم العاصمة، وهذا تطور بحد ذاته أثار حفيظة كثيرين ممن تأثروا بالدعاية والتحريض
الذي انطلق من الشرق ضد المكون العسكري والأمني في الغرب الذي صنفه كمكون مليشاوي
إرهابي يختطف الدولة ويقوض مؤسساتها ويسلب ثرواتها وذلك قبل الهجوم على العاصمة عام 2019م، فإذا به اليوم محل تقدير واعتراف بسلطته وشراكته في المقبل من التسويات
والتوافقات.
الإضافة المهمة بالنسبة للجبهة الشرقية، خاصة الرجمة، والتي كانت مجموعة
الـ 5 ضباط تمثلها بشكل مباشر، هي مشاركة فواعل من المقربين جدا من القيادة من
عسكريين وممثلين عن الجهاز الشرطي والأمني العام، وبهذا تكون الرجمة حاضرة بأغلب
نفوذها وسلطتها.
المشهد مماثل في المنطقة الغربية، فقد حضر بالإضافة إلى أعضاء لجنة
5+5 عن المنطقة الغربية النافذون من العسكريين والأمنيين بطرابلس ومصراتة والزاوية
والزنتان، وقد ظهروا في وضع أفضل، ذلك أنهم يحظون بقبول حفتر واعترافه بعد أن
ناصبهم العداء وشن عليهم حربا شعواء، دون أن يقدموا تنازلات تتعلق بنفوذهم، كما أنهم تحصلوا عبر هذا المسار على اعتراف البعثة الأممية كسلطة أمر واقع لا يمكن
تجاوزها.
الاجتماع رتبت له البعثة الأممية، وهدف البعثة هو تذليل الصعوبات
والعقبات الأمنية أمام الانتخابات التي تسعى لإجرائها نهاية العام الجاري على رواية
عدد من المراقبين في الداخل والخارج، وقد سبق ترتيبات البعثة ضغوط وواسطة أمريكية
أسهمت في قطع مسافات طويلة بين الجبهتين في مدى زمني قصير.
حظوظ ادبيبة ما تزال وافرة في القبول به كرئيس حكومة لمرحلة الانتخابات، فهو مقبول على المستوى الدولي، والشروع في تنفيذ الطريق الدائري الثالث من قبل إئتلاف الشركات المصرية قد يكون علامة على تقارب بين ادبيبة والقاهرة،
الضغوط ليست وحدها من دفع حفتر لتخليه عن موقفه العدائي من الجموع
العسكرية والأمنية في الغرب الليبي، فالمصالح لعبت دورا في تبنيه رؤية مختلفة
استدعت قدرا كبيرا من البراغماتية، ذلك أن تماهي حفتر مع الضغوط الأمريكية للسير
نحو الانتخابات واحتواء التحديات الأمنية التي تواجهها جاء مقابل ترشحه لمنصب
الرئيس ودعمه بالفوز كخيار رئيسي، واستمراره كأبرز مسؤول عسكري وأمني في حال فوز مشرح
المنطقة الغربية بالانتخابات الرئاسية كبديل عن الخيار الأول.
أهمية الاجتماع لم تقتصر على من شارك فيه من قيادات مثلت القوى
الحقيقية على الأرض في الغرب والشرق، بل تعدت ذلك إلى أجندة الاجتماع والتي تخطت
التفويض الخاص باللجنة الأمنية المشتركة 5+5 والذي ينحصر في توحيد المؤسسة
العسكرية وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، إلى المجال السياسي حيث تم طرح ملف
الحكومة والتعهد بالتوافق على سلطة تنفيذية موحدة.
التناغم بين أجندة اجتماع العاصمة الأمني الموسع وبين اتجاهات البعثة
الأممية ومن خلفها القوى الغربية الفاعلة بقيادة الولايات المتحدة بات جليا، ذلك
أن ركائز السير الحثيث إلى الانتخابات يتطلب تسوية سياسية واتفاقا حول الأساس
الدستوري والقانوني وقد وقع تطور على هذا المسار، كما يقتضي ترتيبات أمنية تتفق
عليها الفواعل العسكرية والأمنية وهذا ما تم الشروع فيه في اجتماع العاصمة والذي
كما أعلن المجتمعون هو باكورة اجتماعات لاحقة، ثم يحتاج حكومة موحدة وهذا يتطلب
توافقا بين الساسة والعسكريين والأمنيين في الجبهتين الغربية والشرقية ويبدو أن
توجها قد انعقد بخصوص النزاع الحكومي لم تعلن تفاصيله، لكنه يحصر الاختيار في
مدينة مصراتة.
حظوظ ادبيبة ما تزال وافرة في القبول به كرئيس حكومة لمرحلة
الانتخابات، فهو مقبول على المستوى الدولي، والشروع في تنفيذ الطريق الدائري
الثالث من قبل إئتلاف الشركات المصرية قد يكون علامة على تقارب بين ادبيبة
والقاهرة، ويبدو أن الخط الساخن بين طرابلس والرجمة قد قرب وجهات النظر بين
الكتلتين الرئيسيتين في الغرب والشرق. بالمقابل، فإن معارضة مجلس النواب ورغبة بعض
الأطراف الغربية في أن يكون رئيس الحكومة الجديد بعيدا عن النزاعات قد يقلل من
حظوظ ادبيبة ويدفع بشخصية أخرى لطريق السكة، وهناك حراك سياسي وأمني داعم لشخصية
مصراتية بديلة لادبيبة وباشاغا آخذ في الاتساع.