مثّلت
عودة المعارض
المصري الدكتور ممدوح حمزة إلى وطنه مؤخرا
حدثا سياسيا مهما وسط بركة
السياسة المصرية الراكدة، وفتحت الباب للتساؤل: هل تعتبر عودة المعارضين المصريين
إلى وطنهم حق طبيعي، أم أنها تسويات سياسية؟ وما ثمن تلك التسويات؟ وهل نحن بصدد
انفراجة سياسية؟
الإجابة المنطقية أن عودة هؤلاء المعارضين لوطنهم هي حق مشروع، ولا نحتاج إلى
التدليل على ذلك بنصوص شرعية أو دستورية، لكن هذه الإجابة المنطقية تحتاج إلى
إضافات أو تفصيلات حين ننظر إلى كل حالة على حدة، سواء كانت حالة الدكتور ممدوح
حمزة أو من سبقوه أو ممن قد يلحقونه، فبعضها قد يكون نتيجة صفقة منفردة، وبعضها
بقرار شخصي مهما كانت تداعياته.
عودة هؤلاء المعارضين لوطنهم هي حق مشروع، ولا نحتاج إلى التدليل على ذلك بنصوص شرعية أو دستورية، لكن هذه الإجابة المنطقية تحتاج إلى إضافات أو تفصيلات حين ننظر إلى كل حالة على حدة، سواء كانت حالة الدكتور ممدوح حمزة أو من سبقوه أو ممن قد يلحقونه، فبعضها قد يكون نتيجة صفقة منفردة، وبعضها بقرار شخصي مهما كانت تداعياته
لقد خرج
أولئك المعارضون من مصر عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، بحثا عن أمان، وعن
مكان يستطيعون فيه استكمال معركتهم ضد الانقلاب. كانت الأفواج الأولى تقتصر تقريبا
على الإخوان وعموم الإسلاميين، مع أسماء محدودة من غيرهم، ومع مرور الوقت تزايدت
أعداد المهاجرين من التيارين الليبرالي واليساري. وإذا كانت الموجات الأولى
للمهاجرين قد قصدت تركيا والسودان وقطر وماليزيا بشكل رئيس، فإن الموجات التالية
للمهاجرين العلمانيين قد قصدت في غالبها أوروبا وأمريكا وكوريا الجنوبية، ولبنان،
مع وجود مزيج من مهاجري القوى الإسلامية والعلمانية في العديد من الدول وخاصة
تركيا وقطر وأوروبا وأمريكا.
دخل
القاموس المصري مصطلح حق العودة المستلهم من التغريبة الفلسطينية، لكن غالبية من
تحدثوا عن ذلك ربطوه بالخلاص أولا من النظام القائم حاليا، والذي لا ولن يسمح
بعودة جماعية، كما لن يسمح بالعودة إلا لحالات فردية يحددها بناء على حسابات دقيقة
لديه.
وفي
حالة الدكتور ممدوح حمزة فإلى جانب وساطات بعض الأطراف لصالحه وعلى رأسهم صهره
السياسي البارز الدكتور أسامة الغزالي حرب، فإن النظام أراد بقبوله لهذه العودة
توجيه ضربة لجهود ناشئة لتوحيد قوى المعارضة في الخارج والتي كان ممدوح حمزة نفسه
أحد أطرافها، وقد تمثل ذلك في مشاركته في إطلاق مبادرة الحوار الشعبي في الخارج، التي
جاءت كرد على الحوار الوطني الذي دعا له
السيسي في الداخل ولم يبدأ جلساته حتى
الآن.
لا شك
أن المعارضة من داخل الوطن هي الخيار الأنسب والأنجع، ولكنها ليست متاحة في الحالة
المصرية رغم دعوات بعض أبواق النظام للمعارضين في الخارج بالعودة وممارسة نشاطهم
من داخل مصر. وليس خافيا على أحد ما تتعرض له المعارضة في الداخل والتي تعمل تحت
سقف النظام ووفقا لقوانينه، من قمع وملاحقة لأعضائها، حيث تم اعتقال العديد من
رموزها الكبرى فضلا عن كوادرها الشبابية الذين تعج بهم السجون المصرية حاليا إلى جانب
معتقلي الإخوان والتيار الإسلامي ورافضي الانقلاب عموما، والذين فشلت جهود أحزابهم
الممثلة في الحركة المدنية الديمقراطية في استنقاذ غالبيتهم من الحبس حتى الآن،
رغم مشاركتها في الحوار الوطني الذي دعا له السيسي ورغم إحياء لجنة العفو الرئاسي
ومشاركة رموزها في عضويتها.
المعارضة من داخل الوطن هي الخيار الأنسب والأنجع، ولكنها ليست متاحة في الحالة المصرية رغم دعوات بعض أبواق النظام للمعارضين في الخارج بالعودة وممارسة نشاطهم من داخل مصر
في
التاريخ السياسي الحديث لمصر العديد من تجارب الهجرة والنفي للمعارضين السياسيين،
كما حدث مع الزعيم الوطني سعد زغلول ورفاقه، ما تسبب في إشعال ثورة 1919. وحدثت
موجة هجرة قسرية للمعارضين المصريين في الخمسينات والستينات، حيث هاجر زعماء
وفديون وشيوعيون وإخوان مسلمون، وكانت هجرتهم إلى أوروبا، وإلى بعض الدول الخليجية
التي كانت تناصب الرئيس عبد الناصر العداء، وفي عهد السادات وعقب زيارته لإسرائيل
تحديدا هاجر العديد من الرموز الناصرية إلى كل من سوريا والعراق وليبيا، وأنشأوا
فيها إذاعات معارضة موجهة إلى مصر، وفي عهد مبارك هاجر بعض أعضاء الجماعة
الإسلامية أيضا، وقد عاد الجميع إلى وطنهم معززين مكرمين حين توفرت الظروف
المناسبة لهم.
ونتذكر
في هذا السياق أن الرئيس السادات الذي كانت الفجوة واسعة بينه وبين معارضيه
الناصريين، والذين هاجر بعضهم إلى خارج مصر، حرص على إقناعهم بالعودة الكريمة،
وخلال زيارة للكويت حرص على مقابلة الكاتب الصحفي الشهير محمود السعدني، وأقنعه
بالعودة معه على الطائرة الرئاسية بعد سنوات من هجرته.
مع
تزايد هجرة المعارضين السياسيين ورافضي الانقلاب من مصر بعد 2013، وقدرتهم على
تنظيم بعض الأنشطة المعارضة السياسية والإعلامية والحقوقية، ونجاحهم في لفت أنظار
المجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته السياسية والحقوقية والبحثية؛ التي أصدرت العديد
من تقارير الإدانة للانتهاكات التي تجري في مصر، سعى النظام لإخراس هذه الأصوات في
الخارج بعد أن أحكم قبضته على الداخل، وأغلق المجالين السياسي والإعلامي.
وقد
تنوعت جهود النظام في هذه المعركة من محاولة إيقاف بث القنوات المعارضة في الخارج
والتشويش على إرسالها، ومطالبة الدول التي تبث منها أو عبر أقمارها لوقف بثها،
ولاحقا ممارسة ضغوط لمنع بعض البرامج والإعلاميين البارزين من الظهور على شاشاتها،
أو حتى طردهم، وتخفيض سقف نقدها في إطار تفاهمات سياسية جديدة. كما بذل النظام
المصري جهدا كبيرا لإقناع بعض الأشخاص بالعودة مستغلا مرورهم بظروف معيشية صعبة،
لكنه لم ينجح إلا في إقناع ثلاثة أشخاص؛ قاض سابق واثنين من الإعلاميين، وكان ثمن
عودتهم هو الاعتذار العلني عن مواقفهم السابقة عبر القنوات التابعة للنظام، وكذا
توظيفهم في حملة دعاية مضادة للمعارضين في الخارج. أما الإعلامي جمال الجمل فكان
له شأن مختلف، إذ أنه هو من قرر العودة نظرا لمروره بظروف صحية صعبة مع تقدمه في
العمر، وقد تم القبض عليه في مطار القاهرة عند عودته آخر شباط/ فبراير 2021، وظل
حبيسا لمدة ستة أشهر ساءت خلالها حالته الصحية حتى تم الإفراج عنه.
لم
تتوقف محاولات النظام المصري لإقناع البعض بالعودة، وأوكلت أجهزته الأمنية هذه
المهمة لبعض الإعلاميين والباحثين في مجال الحركات الإسلامية الذين سافروا إلى
إسطنبول خصيصا (في زيارتين) لمقابلة بعض الشباب المأزومين، ولكن مهمتهم فشلت لأنهم
لم يستطيعوا تقديم ضمانات جدية بسلامة هؤلاء الشباب وعدم اعتقالهم حال عودتهم إلى
مصر، خاصة أن ذلك جرى في المرة الأولى بعد اعتقال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح،
رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق، عقب عودته من لندن منتصف شباط/ فبراير
2018، وتزامن في المرة الثانية مع اعتقال الصحفي في قناة الجزيرة ربيع الشيخ مطلع آب/
أغسطس 2021.
حلم العودة الكريمة يراود البعض لكنهم يرفضون تقديم الدنيّة في سبيله، فيما البعض الآخر حسم أمره بالبقاء الدائم خارج مصر مع الاحتفاظ بحقه الطبيعي في زيارة أهله بين الحين والآخر، وأما الذين يرغبون بالعودة بأي ثمن فلن يستطيع أحد منعهم بالتأكيد، لكنهم حتما سيدفعون ثمنا كبيرا من كرامتهم ورجولتهم سيندمون عليه
الحقيقة
أن حلم العودة الكريمة يراود البعض لكنهم يرفضون تقديم الدنيّة في سبيله، فيما
البعض الآخر حسم أمره بالبقاء الدائم خارج مصر مع الاحتفاظ بحقه الطبيعي في زيارة أهله
بين الحين والآخر، وأما الذين يرغبون بالعودة بأي ثمن فلن يستطيع أحد منعهم
بالتأكيد، لكنهم حتما سيدفعون ثمنا كبيرا من كرامتهم ورجولتهم سيندمون عليه بقية
عمرهم.
لا
يمكن اعتبار عودة ممدوح حمزة أو خروج رئيس جهاز المحاسبات السابق المستشار هشام
جنينة من محبسه، ولا الإفراج قبله عن رجل الأعمال صفوان ثابت ونجله، بمثابة
انفراجة سياسية، ذلك أن هذه الوقائع لا رابط بينها، فعودة حمزة هي حالة فردية ليس
متوقعا أن يعقبها حالات مشابهة، وإطلاق سراح صفوان ثابت ونجله هو رضوخ لضغوط غربية
كشروط لتقديم المزيد من الدعم أو القروض، أما الإفراج عن جنينة فقد تم بعد إنهاء
عقوبته خمس سنوات كاملة.
الانفراجة
الحقيقية لن تتحقق إلا بعد الخلاص من هذا النظام الذي يعتبر أي انفراجة ولو كانت
ضئيلة خطرا ماحقا عليه.
twitter.com/kotbelaraby