في أروقة القصور وبين جنبات المساكن الفاخرة، وتحديدا
في إحدى زوايا المطبخ، تقع
الثلاجة المذكورة. وبالرغم من وجودها في كل بيت واتخاذها
مخزنا لطعام وشراب أصحابها أياما طوالا، إلا أن
السيسي، ذات خطاب، قبل ست سنوات
قال بالنص، وفي جمع من حاشيته التي تصفق له على كل كلمة وهمسة: "والله العظيم
أنا قعدت 10 سنين تلاجتي ما فيها غير الماية بس"، ثم عقب على ذلك بجملة أظنها
كانت المقصودة من هذه المقدمة قائلا: "ومحدش سمع صوتي".
راودتني الفكرة لأتسلل إلى ثلاجة الجنرال، حين تسربت
صور المباني التي يبنيها لنفسه وسط عشرات الدعوات منه شخصيا ومن حاشيته الإعلامية، إلى التقشف والاقتداء به، وقت أن كانت ثلاجته خاوية إلا من الماء. حينها قال
الزعيم تعقيبا على الصور المسربة بالنص: "أنا بعمل قصور رئاسية..
وهعمل..!".
بين مرحلة "محدش سمع صوتي" ومرحلة "بعمل
وهعمل"، سنوات وسياسات للجنرال تسللنا من خلالها إلى ثلاجته لنلقي نظرة
بداخلها، نتفحص بعض المنتجات التي أفرزتها السنون واحتفظت بها حكومته بأوامر من
ساكن القصر، لنقف على مدى صلاحيتها للاستخدام الشعبي، فوجدنا فيها ما يلي:
في أحد الأرفف، وجدنا كيسا يشتمل على بقايا فاسدة
لمؤتمرات باسم الشباب كان يجلس فيها الجنرال بالساعات مديرا ظهره لجمهوره، منفقا عليها أموالا طائلة ليلتقط صورة هنا وهناك ويخطب خطبة عجيبة، من أمامه الحائط ومن
خلفه الجمهور، وبتصريحات لا تليق بمن يفترض أن يكون رئيسا لأكبر دولة في الشرق
الأوسط!
في الرف التالي، وجدنا علبا بلاستيكية تحتوي على بقايا
من مشاهد وصور لمسلسلات رمضانية، أنفق عليها "ياسر جلال" ملايين الجنيهات
لتزوير تاريخ عاشه الشعب، وتلميع نفسه بنفسه، فتحناها فسمعنا صوته
"إنتو ضيعتوا فلوس البلد وغرقتوها في الديون وخليتو قيمة الجنيه في
الأرض"!
وفي رف آخر، وجدنا شنطة بلاستيكية مكتوبا عليها نصيب
الشعب من القصور والفلل الرئاسية التي أنفقت عليها الدولة مليارات؛ فتهللنا، ولما
هممنا بفتحها وجدناها خالية تماما!
في أحد الأدراج، وجدنا مجسما لطائرة مكتوب عليها
"
مصر للطيران"، لكنه كان متهالكا ومفككا، فتركناه على حالته ونحن نتذكر
طيارة الباشا ذات نصف المليار دولار!
في باب الثلاجة، وجدنا علبة صغيرة مكتوبا عليها
"خاص بطبيب الفلاسفة"، فتحناها فوجدنا ورقة صغيرة مكتوبا عليها
"والله العظيم أنا لو ينفع أتباع لأتباع".
وهكذا يا عزيزي، كلما تفحصنا في الثلاجة أكثر وأكثر، لم
نجد فيها ما يسد رمق الشعب، بل وجدنا صورة من دفتر لصندوق النقد الذي دوّن فيه ما
على بلادنا من ديون، وما سنورثه لأجيالنا القادمة من هموم.
صارت الثلاجة خاوية إلا من زجاجات الماء -كما قال
الباشا-، ولما هممنا بالانصراف، لفت انتباهنا أنه حتى زجاجات الماء ناقصة إلى حد
كبير، فتذكرنا وثيقة المبادئ التي وقعها الجنرال بخصوص سد النهضة لنفقد بها نصيبنا
من مياه النيل.
أغلقنا ثلاجة الوطن الكئيبة التي تولى تموينها العساكر، وتذكرنا أياما كان لباسم عودة ورفاقه فيها رأي آخر وقلنا: حتى الماء صار على وشك
النفاد.. فهل سنسمع صوتا أم سيظل الوطن حبيسا في كلمة "ومحدش سمع صوتي"؟
* صحفي مصري، نائب رئيس اتحاد طلاب مصر السابق