نشر موقع إكسيوس
الأمريكي أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي تقريراً قال فيه إن النظام
المصري يعرقل
صفقة تسليم جزيرتي
تيران وصنافير إلى
السعودية، التي كانت قد عقدت بتدخل أمريكي نشط
وتنسيق تام مع إسرائيل.
التقرير نقل عن
أربعة مصادر إسرائيلية وآخر أمريكي أن النظام المصري طرح تحفظات وطلبات فنية خاصة
بتفاصيل وإجراءات عملية التسليم، في ما يشبه الابتزاز للحصول على دعم مالي من الإدارة
الأمريكية ودفعها لتسليمه المعونة المالية كاملة (قرابة مليار و300 مليون دولار
سنوياً) بعد اقتطاع عشرة في المائة منها (أي أكثر من 130 مليون دولار تقريباً) لمرتين
متتاليتين.
بداية، وللتذكير
بالقصة أو الصفقة للدقة، ورغم الرأي العام المصري الرافض وحكم قضائي بمصرية تيران وصنافير،
إلا أن نظام الجنرال عبد الفتاح
السيسي أصر على التنازل عنهما للسعودية بالتحايل والالتفاف
على الحكم القضائي، ثم بتمرير التنازل في البرلمان المصطنع والمدار من أجهزة
مخابرات النظام (2017-2018)، بموازاة حملة إعلامية مكثفة عبر أبواقه لتبرير الصفقة
وخنق أي أصوات وروايات مناقضة ومعارضة.
تمت الصفقة التي رفضها نظام حسني مبارك لعقود، مقابل دعم مالي سعودي لنظام الجنرال السيسي لحلّ أزمته الاقتصادية، ومنع سقوطه وانهياره، الأمر الذي يبدو مسألة وقت على أي حال في ظل سياساته الخاطئة والديون الهائلة التي راكمها على البلاد، والتنبؤات المتواترة بانهيارها وإفلاسها
تمت الصفقة التي رفضها
نظام حسني مبارك لعقود، مقابل دعم مالي سعودي لنظام الجنرال السيسي لحلّ أزمته
الاقتصادية، ومنع سقوطه وانهياره، الأمر الذي يبدو مسألة وقت على أي حال في ظل
سياساته الخاطئة والديون الهائلة التي راكمها على البلاد، والتنبؤات المتواترة بانهيارها
وإفلاسها وفق النموذج السريلانكي أو حتى اللبناني غير المسبوق منذ عقود طويلة كما
تقول الأمم المتحدة.
كانت إسرائيل قد
احتلت الجزيرتين خلال حرب حزيران/ يونيو 1967 ثم استعادتهما مصر إثر معاهدة كامب
ديفيد، غير أن الدولة العبرية أصرت على نيل ضمانات أمنية شملت نزع سلاح الجزر ونشر
قوات حفظ سلام دولية بقيادة أمريكية خارج مظلة الأمم المتحدة، للسهر على تنفيذ
الضمانات كما لإبقاء مضيق تيران مفتوحاً أمام الملاحة الإسرائيلية والدولية.
وعليه، وعندما
قرر النظام المصري تسليمها للسعودية كان لا بد من أخذ موافقة إسرائيل باعتبارها
طرفا ذا صلة حسب معاهدة كامب ديفيد، وهي لم تمانع الصفقة بالطبع، شرط الحصول على
ضمانات أمنية بديلة ومقابلٍ ما من السلطات السعودية.
هنا دخلت الإدارة
الأمريكية على الخط لتبرير عودتها للمنطقة بعد فترة من العزوف والانكفاء، وانخرط الرئيس جو بايدن شخصياً في الصفقة (أيلول/ سبتمبر
الماضي)، واستغلها لتسريع وتيرة
التطبيع بين السعودية وإسرائيل وتخفيف الضغوط
الداخلية ضده، والقول إن انفتاحه على السعودية بعدما وصفها بالدولة المارقة المنبوذة
يأتي من باب خدمة إسرائيل ومصالحها.
المَخرج الأمريكي
تضمن نقل القوات الدولية إلى شبه جزيرة سيناء ولكن مع نصب كاميرات لمراقبة الجزيرتين،
كما مضيق تيران، وانتزاع موافقة الرياض المتلهفة والمستعجلة للصفقة؛ على بوادر تطبيعية
تجاه تل أبيب تضمنت السماح بعبور الطائرات الإسرائيلية في أجوائها في طريقها نحو الشرق
الأقصى، وتقصير مدة الطيران إلى النصف، بكل ما يعني ذلك من مكاسب وفوائد سياسية
واقتصادية مع الصين والهند تحديداً، إضافة إلى الموافقة على تسيير خط طيران مباشر عبر
شركة متفق عليها لنقل مواطني الأراضي العربية المحتلة عام 1948 لأداء فريضة الحج في
الأراضي الحجازية المقدسة.
مماطلة النظام كانت موجهة مباشرة لواشنطن كردّ على اقتطاع 10 في المائة (130 مليون دولار تقريباً) من أموال المعونات الأمريكية لمرتين متتاليتين، وبما يقارب 260 مليونا، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام
سارت الصفقة على
ما يرام وكان يفترض أن تشهد خاتمة سعيدة نهاية العام المنصرف 2022، إلى أن قرر النظام
المصري وبشكل مفاجئ المماطلة وطرح مطالب ونقاط إجرائية وفنية تتعلق بأماكن وآليات نشر
الكاميرات، وما إلى ذلك من تفاصيل.
مماطلة النظام كانت
موجهة مباشرة لواشنطن كردّ على اقتطاع 10 في المائة (130 مليون دولار تقريباً) من أموال
المعونات الأمريكية لمرتين متتاليتين، وبما يقارب 260 مليونا، في ظل الأزمة الاقتصادية
التي يعاني منها النظام، أو للدقة أدخل البلاد إليها مع إنفاق مليارات الدولارات على
مشاريع دعائية زائدة ولا حاجة لها.
ورغم احتضان بايدن
للسيسي في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ (تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي) ودعوته إلى القمة
الأمريكية الأفريقية في واشنطن (كانون الأول/ ديسمبر)، إلا أن ثمة بعدا برلمانيا في
قصة المساعدات، حيث الغضب واسع وكبير في أروقة الكونغرس والحزب الديمقراطي والإعلام
الأمريكي عموماً ضد النظام المصري، بسبب تجاوزاته وانتهاكاته الفظّة لحقوق الإنسان.
وهنا بدا الخصم أو الاقتطاع بمثابة ضريبة تدفعها الإدارة لاستمرارها في دعم
واحتضان نظام السيسي، رغم تصريح بايدن عن مقاطعة الديكتاتور المفضّل لسلفه وخصمه
دونالد ترامب، علماً أن الاقتطاع يعتبر من جهة أخرى بمثابة ضغط ملطف لدفع النظام إلى
تغيير وتخفيف سياساته وانتهاكاته الفظّة والجارفة لحقوق الإنسان، وعدم إحراج الإدارة
أكثر في هذا الملف.
في السياق، كانت
مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون المنطقة باربرا ليف قد زارت القاهرة في تشرين
الأول/ أكتوبر الماضي، ونصحت النظام بخوض حملة علاقات عامة في الكونغرس لإقناع النواب
بتغيير آرائهم تجاه خفض المعونة، إلا أن النظام رفض مدعياً أنها مهمة الإدارة القادرة
-حسب تعبيره- على تمرير ما تراه مناسباً من سياسات وقرارات.
في الحقيقة لا
يقتصر ابتزاز النظام المصري على واشنطن فقط كما قال الموقع الأمريكي، وإنما يطال
كذلك وإن بدرجات متفاوتة طرفي الصفقة الآخرين: الرياض وتل أبيب.
لا شك أننا أمام ابتزاز موصوف من قبل نظام السيسي للسعودية المعنية جداً باستعادة الجزر باعتبارها قصة نجاح للنظام والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، من أجل تقديم دعم مالي إضافي مباشر لخزينة النظام
ولا شك أننا أمام
ابتزاز موصوف من قبل نظام السيسي للسعودية المعنية جداً باستعادة الجزر باعتبارها
قصة نجاح للنظام والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، من أجل تقديم دعم مالي إضافي مباشر
لخزينة النظام (خارج دائرة الودائع والاستثمارات)، خاصة مع انتعاش الخزينة
السعودية إثر ارتفاع أسعار النفط على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا. وهنا لا بد من
التذكير بحديث الجنرال السيسي الصريح والعلني عن تحفظ الدول الخليجية "الشقيقة"
عن تقديم مزيد من الدعم المالي المباشر للنظام، كون المعونات باتت عاجزة عن حل أزمته
الاقتصادية المتراكمة والبنيوية أصلاً، والناتجة عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية
الخاطئة والكارثية للنظام نفسه.
ما يعزز هذه
الفرضية
حملة الردح الأخيرة المنظمة والمبتذلة من أبواق النظام ضد الرياض، والتي
وصلت إلى حد طلب أحد الأبواق مقابلا نفطيا ضخما جداً (100 مليار دولار)، مقابل
مشاركة الفنانين المصريين في المهرجانات الفنية بالسعودية.
ألاعيب ومناورات في الوقت الضائع، وغالباً سيتم التوصل إلى حلّ ما لحفظ وجه نظام السيسي المتراجع والمنهار والذي سيقبل كعادته بالفتات، خاصة بعدما تجاوزت الصفقة نقطة "اللا عودة" داخلياً وخارجياً، وهو ما مثّل أيضاً مضمون الرسالة الصريحة والحازمة التي نقلها مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان إلى السيسي
وبالنسبة لإسرائيل
لا يتعلق الأمر بالابتزاز حرفياً، وإنما نسبياً عبر دعوة ورسالة ضمنية لها للتحرك والضغط في واشنطن نيابة عن النظام، خاصة أن
تل أبيب معنية أيضاً بالصفقة من أجل المضي قدماً في سيرورة التطبيع مع السعودية.
في الجانب الإسرائيلي
ثمة بعد يتعلق بغزة أيضاً، مع حديث هيئة البث (الإذاعة العامة) أوائل الشهر الجاري
عن انزعاج تل أبيب من شروع نظام السيسي -لتحقيق مكاسب ومنافع اقتصادية خاصة به- بتأسيس
منطقة تجارية في بوابة صلاح الحدودية مع غزة دون التشاور مع الحكومة الإسرائيلية، المتحفظة
تحديداً فيما يخص إدخال مواد ومستلزمات البناء الأخرى في غياب رقابتها المباشرة
والحصرية كما تفعل عادة تجاه كل ما يدخل إلى قطاع غزة المحاصر.
بالعموم، تبدو المعطيات
السابقة كألاعيب ومناورات في الوقت الضائع، وغالباً سيتم التوصل إلى حلّ ما لحفظ
وجه نظام السيسي المتراجع والمنهار والذي سيقبل كعادته بالفتات، خاصة بعدما تجاوزت
الصفقة نقطة "اللا عودة" داخلياً وخارجياً، وهو ما مثّل أيضاً مضمون
الرسالة الصريحة والحازمة التي نقلها مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان إلى
السيسي أثناء مشاركته في القمة الأمريكية- الإفريقية في واشنطن منتصف الشهر الماضي.