كتاب عربي 21

قهرمان مرعش و"أسد كويك" وجراد مكة

أحمد عمر
لم يهرع الأسد ليزور منطقة الزلزال في حلب مثلما فعل أردوغان في تركيا
لم يهرع الأسد ليزور منطقة الزلزال في حلب مثلما فعل أردوغان في تركيا
استمرت الحرب الساكنة في أثناء الزلزال، الذي أغنى العدو عن القصف بالطائرات، لكن القصف الإعلامي لم يهمد، فشمتت صحيفة " شارلي ايبدو" بالضحايا، وآزرتها صحيفة ألمانية، وتباهى الإعلام المصري الذي يستبطن شعار: "والنبي لنكيد العزال" بالمدينة الإدارية وعصمتها عن الزلازل والزلل.

وتنفس كثيرون الصعداء لأنهم يقيمون على اللوح غير الأناضولي، مع أنَّ العلماء حذروا دولاً عربية من موجات الزلزال الأناضولي المرتدة عن دين الجيولوجيا، وصدمات الصفائح الأرضية ونطح بعضها ببعضها.

المروءة الدولية نائمة وكرمها استعراضي ومتأخر، وهي ما تزال تبحث عن موافقة "الطرف الآخر"، وهي لا تكتفي "بالصمات" إذنا. والمعونات العربية الحكومية لم تبلغ مقدار هدية إيفانكا عند حجها إلى بلاد الحرمين، أو تشاكل أجرة اللاعب العاشق رونالدو، حتى إن ديفيد هيرست نعى في مقال الضمير الأوروبي الذي مدّ أوكرانيا بالمليارات، وبخل بها على ضحايا الزلزال.

المروءة الدولية نائمة وكرمها استعراضي ومتأخر، وهي ما تزال تبحث عن موافقة "الطرف الآخر"، وهي لا تكتفي "بالصمات" إذنا. والمعونات العربية الحكومية لم تبلغ مقدار هدية إيفانكا عند حجها إلى بلاد الحرمين، أو تشاكل أجرة اللاعب العاشق رونالدو

ذمّ هيرست الحكومة البريطانية التي اكتفت بالتبرع ببضعة ملايين من الدولارات. السعودية نفسها مدّت أوكرانيا قبل بضعة أيام بأربعمائة مليون دولار لا تنقص سنتا، بينما أغاثت تركيا بعُشر مبلغ أوكرانيا "الشقيقة"، أما الأمم المتحدة، وهي ليست بصاحب، فتذرعت بفساد الطرق حيناً، وإذن الطرف الآخر، ومماطلات النظام حيناً آخر، حتى قضى معظم الضحايا السوريين تحت الأنقاض، ثم خرج الأسد في اليوم الرابع من تحت الأنقاض السياسية سعيداً، فرحاً، مستبشراً، وعلى وجهه فالق ابتسامة، بالربيع السياسي، فزار حلب التي كان محروماً من زيارتها، واستقبلته الحسناوات بالزغاريد والقبلات، وهتف أحد المستقبلين به أن زيارته أزالت آثار النكبة: لم تعد حلب منكوبة يا سيادة الرئيس.

سمعنا ورأينا وقرأنا مئات التقارير عن الزلازل، منها أنه تقع كل يوم ألف هزة لا نشعر بها، وأن زلزال قهرمان مرعش يعادل 130 قنبلة نووية، وذكر تقرير إخباري آخر أنه يعادل 500 قنبلة، ثم قيل إنها تعادل ألفي هيروشيما (وحدة تدميرية). وذكرت تقارير أنَّ تركيا انزلقت وتمددت ثلاثة أمتار تحت تعذيب الشدّ الجيولوجي.

وعزا بعضهم الزلزال إلى السدود التي بنتها تركيا على مياه دجلة والفرات والأنهار الصغيرة التي أسرت وراء السدود، وقيل إن الزلزال وقع بسبب ظلم الإنسان للإنسان، وفي حبس المياه ظلم، وفي الإفساد في الأرض ظلم. واشتكى سوريون كُثر من ارتفاع منسوب العنصرية الذي تشنّه أحزاب معارضة، وازداد بعد الزلزال، فقد وُصف بيوم القيامة، وفي يوم القيامة يفرّ المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه.

وقيل إن الزلزال وحّد مشاعر الشعب التركي والمصائر، لكن التوحيد لم يدم سوى يوم أو بعض يوم، فما لبث الصراع السياسي أن برز، فغرد كمال قليتشدار أوغلو، كبير الطاولة السداسية، متسللاً إلى تويتر، يشكو من حظر المنصة، وكانت الحكومة التركية قد حظرتها في بعض المناطق خوفاً من الإشاعات، واختناق الشبكة بالاتصالات والاستغاثات. ثم ذكرت الأخبار تسجيلاً لنحو 600 واقعة سطو على المحلات والبيوت في الأناضول، ونقل أحد المغيثين واقعة لقُطّاع طرق بثّها على الهواء.

وطُرد سوريون لاجئون من أماكن إقامتهم لتخلى للمواطنين الترك، ثم نعى "المناضل" كمال كليتشدار أوغلو تقصير الحكومة، ثم ما لبث أن ظهر ألد أعداء السوريين، وأحد كبار اللاعبين بورقة اللاجئين السوريين، أوميت أوزداغ، الذي اتهم شاباً سورياً بسرقة الهواتف النقالة، فظهر أن الشاب تركي، وكذّب زعيم حزب ظفر، وبيّن هويته، وأنَّ أوزداغ استغل فيديو له وهو يبدل مكان هاتفه من الجيب الخلفي إلى الجيب الأمامي فنسبه إلى سوري واتهمه بالسرقة. لم يكف أوزداغ عن التأليب ضد السوري، ودعا إلى مؤتمر صحافي بجانب أماكن إقامتهم لتحرير تركيا من الغزاة السوريين، فالصراع السياسي اشتد على مقياس ريختر، والكراهية بضاعة سهلة ومربحة.

يتضايق العلمانيون من ربط الزلزال بالظلم، فهو عندهم ظاهرة جيولوجية منقطعة، وذكرت تقارير أنَّ المياه الكثيرة التي حجزت وراء سد اتاتورك قادرة على إبطاء حركة دوران الأرض بضع ثوان! وكان سدُّ أتاتورك قد حجز خلفه سبعة مليارات متر مكعب، فأطلقت الحكومة التركية السدّ في اليوم الخامس تخفيفا له عن الأثقال التي حملها على كاهله سنوات طويلة، وخوفا من تصدعه وكسر ظهره، فجرت المياه مرة ثانية في نهري الفرات والخابور، فتذكر الناس المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد. وكان النظام السوري قد فتح سدّ الرستن أيضاً، خوفاً عليه.

وانتظر السوريون كثيراً معونات الأمم المتحدة لصناعة خيام اللاجئين، التي تأخرت، ولعلَّ الأمر يذكر بمذبحة سربرنيستا التي تواطأت عليها الأمم المتحدة مع الصرب.

تحسنت العلاقات التركية اليونانية بعد شدة وتهديدات متبادلة وصراع على الجُزر والغاز، وفتح الطريق بين أرمينيا وتركيا بعد خمس وثلاثين سنة من القطيعة. آخر سيارة عبرت الطريق بين الدولتين كانت مساعدات تركية بعد الزلزال الذي ضرب أرمينيا سنة 1988. هي الدنيا كذلك؛ يوم لك ويوم عليك.

عجب كاتب هذه السطور من مطالبة السوريين الأسدَ بإعلان الحداد أسوة بالرئيس التركي، وكان الرئيس التركي قد أعلن الحداد أسبوعا على الضحايا، والعجب أولى من عدم إعلان الأسد النصر، أو عدم إعلانه يوم قهرمان مرعش عيداً وطنياً!

وقد عجب كاتب هذه السطور من مطالبة السوريين الأسدَ بإعلان الحداد أسوة بالرئيس التركي، وكان الرئيس التركي قد أعلن الحداد أسبوعا على الضحايا، والعجب أولى من عدم إعلان الأسد النصر، أو عدم إعلانه يوم قهرمان مرعش عيداً وطنياً!

لم يطل الحزن الذي وحّد الشعب التركي، فالإنسان سريع النسيان، وكان الإنسان نسيّا. منذ شهور مضت والحيوانات تطوف حول نفسها محذّرة منذرة، وأمس غزا الجراد مكة المكرمة، وظهرت صور جحافل الحشرة والجمهور ذاهل، شارد عنه، مشغول بجهاد اللاعبين. وأصدر المركز الوطني للوقاية من الآفات النباتية والأمراض الحيوانية ومكافحتها في السعودية "وقاء"؛ بيانا ضد "المرجفين" قال فيه: "إنّ ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وجود جراد صحراوي في ملعب الشرائع بمكة المكرمة، إنما هو نوع من أنواع النطاطات يسمى "الجخاخ" أو "النطاط"، وهو جراد صديق مثل أمريكا، فعسى أن يكون كذلك!

ذُكرت أسباب كثيرة للزلزال لكن لم يذكر أحد كثرة القنابل التي ضرب الأسد وحلفاؤه سوريا بها، فقشرة الأرض سميكة، وإن لم تكن أغلظ وأسمك من قلب الإنسان. ولم يذكر أي تقرير أن الشعب السوري، مقيما ونازحا، ما يزال تحت الأنقاض.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (4)
أبو العبد الحلبي
الأربعاء، 15-02-2023 05:16 م
أرجو الله أن يهديني للحق و الصواب في هذا التعليق بما يرضيه سبحانه و تعالى : لا يوجد في قاموسي تفرقة بين سوريا و تركيا فقد كانتا بلداً واحداً لعدة قرون ثم أتى الاستعمار الأوروبي فقام برسم حدود بينهما عبر اتفاقية "سايكس البريطاني – بيكو الفرنسي" ففصل الإخوة و الأخوات و الأقارب و الأصهار عن بعضهم في منطقة الزلزال مثلاً الممتدة من ديار بكر إلى حلب مروراً ببلدات شانلي اورفا و قهرمان مرعش و غازي عينتاب و أنطاكية و غيرها . يحتاج البسطاء الطيبون من أمتنا لقراءة جيدة للتاريخ و للجغرافيا. كان الناس في أيَة بلدة شمال و جنوب خط التفرقة الاستعماري خليطاً من المسلمين العرب و الأتراك و الأكراد لديهم ولاءٌ لدولة الخلافة العثمانية التي انهارت "فعلياً" عند الانقلاب على الخليفة "عبد الحميد الثاني رحمه الله" عام 1909 ميلادي . قبل ذلك و بعد ذلك حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ، كان أبناء "منطقة الزلزال" جنوداً أبطالاً مخلصين أوفياء لدولتهم لم يماثلهم أحد . لاحظ أن غالبية مدن تركيا الحالية يتكون اسمها من كلمة واحدة "أنقرة ، أزمير ، بورصة ...الخ" لكن البلدات الثلاث المذكورة يتكون اسمها من كلمتين أولاهما بقرار من الدولة لتكريمها "شانلي تعني المجيد ، قهرمان تعني البطل ، و غازي تعني المجاهد ". قد يكون الزلزال بمثابة إنذار لقومٍ نتيجة ذنوب لعل الكثرة الباقية منهم يرجعون إلى الله و قد يكون لأن الله يحبُ قوماً فيريد أن يتخذ منهم شهداء "تحت الهدم" . يقولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ). أما منطقة شمال غرب سوريا فهي منطقة بلاء مستمر منذ 12 عام –قبل الزلزال و بعده- فعسى أن الله يريد تنقية المؤمنين هناك كما ورد في الحديث الشريف (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) حتى تكون خير أيامهم عند لقاء الله أرحم الراحمين . هذه الدنيا قصيرةٌ فانيةٌ متاعُها غرور و لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، فلو طال على مؤمنين موقنين بالله زمن البلاء فيجب عليهم عدم الاعتراض على ربَ العالمين أحكم الحاكمين . أبشروا يا أهل البلاء الصابرين في بلاد الشام المباركة و على الأخص شمالها بهذا الحديث من حبيبكم عليه الصلاة و السلام : (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ). الشرح : يَتَمَنَّى أَهْلُ العافية المُرتاحون فِي الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ " و هو كَثِيرٌ أَوْ بِلَا حِسَابٍ - بِدليلِ قوْلِهِ تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) – " فيَتَمَنَّى أصحابُ العَافِيَةِ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُطِعَتْ فِي الدُّنْيَا ‏قِطْعَةً قِطْعَةً بِالْمَقَارِيضِ " ‏جَمْعُ الْمِقْرَاضِ و هو المقصَ " لِيَجِدُوا ثَوَابًا كَمَا وَجَدَ أَهْلُ الْبَلَاءِ. هل تعلم أخي العربي أن أعداء الله الأغبياء في سوريا خدموا و يخدمون الأهداف الربَانية تجاه المؤمنين من حيث لا يشعرون و لا يعلمون ؟ المعذرة على الإطالة.
احمد
الثلاثاء، 14-02-2023 07:02 ص
الذي قطع المياه عن العراق و سوريا منذ حوالي ثلاثين سنه لكنه اشتد خلال السنوات الاخيره حتى اصبح العراق من أكثر الدول في العالم التي تفقد اراضي زراعيه فلقد فقد سبعين بالمئه من اراضيه الزراعيه و هذا يعني جفاف ملايين الاشجار و الحيوانات اما معاناه البشر فهي معروفه ... لدى تركيا 861 سد حاليا.... سد أليسو على نهر دجله لوحده قطع خمسين بالمئه من المياه عن العراق و هناك عشرات غيره اما سد اتاتورك ( 48 مليار متر مكعب ) فهور من اكبر السدود بالعالم بعد سد الممرات الثلاث .. بأختصار اليوم نهري دجله و الفرات شبه منتهيان ..كل هذا ببركه الاخوة الاتراك .. منذ ايام بدأت اطلاقات المياه من السدود التركيه فأبتلت فروع دجله بالماء و التي جفت منذ سنوات و لولا الزلزال ما نزلت قطره ماء من السدود التركيه .. ! بطبيعه الحال كلنا متألم على حال اخواننا في تركيا اليوم لكن هل تألم الاتراك على ما فعلوة في سوريا والعراق لسنوات طوال ؟ اتمنى ان يكون الزلزال سببا في مراجعه سياسه تعطيش الجيران
سعدو
الإثنين، 13-02-2023 10:16 م
انقطع الامل وسدت كل الابواب ولم يبقى لنا الا باب السماء ونحيل قضيتنا الى العداله الربانيه ونحسن الظن بان القادر المقتدر سيدبر لنا فرجاً من كل المصائب والنكبات فنعم المولى ونعم النصير.
Mihrac Ural
الإثنين، 13-02-2023 07:58 م
لم يذكر أحد براميل الصنديد بثار الأثد كسبب من أسباب هذه الكارثة!! علماً أن عدداً من علماء الجيولوجيا قد حذروا من تأثير الحرب الأسدية القذرة المدمر!! و لم يذكر أحد مافيات المدعو بشار أسد المسماة "أجهزة أمنية" و دورها في تهجير السوريين، من خلال وضعهم على قوائم الترقب إذا فكروا بالقدوم إلى سوريا المحتلة من قبل هذا الوضيع بشار الأسد و كلابه المسعورة.. كل السوريين الذين أعرفهم أو ربما أغلبهم و المغتربون رغماً عنهم خارج امبرطوية الأسد، هم مطلوبون للأفرع الأمنية إما لمراجعتها أو للاعتقال أو أصدر الأسد و كلابه عليهم أحكامه القرقوشية.... يجب أن نتعاون جميعاً على الخلاص من هذا التافه المنحط بشار الأسد، إذا كنا نريد لهذا العالم أن يعيش بسلام..