قال الصحفي البريطاني جوناثان فريدلاند، في مقال على صحيفة "الغارديان"، إن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين
نتنياهو يشكل خطرا وجوديا على "
إسرائيل"، ويمكن مقاومته بمساندة
الفلسطينيين.
وأوضح الكاتب في
مقال رأي ترجمته "عربي21"، أنه مطلوب إحداث تغيير بالجملة في طريقة تفكير التيار السائد في
اليسار الإسرائيلي، بحيث يستمعون إلى مطالب الفلسطينيين في تحقيق المساواة داخل الخط الأخضر وإنهاء الاحتلال فيما يليه من المناطق
ونقل عن البروفيسور الإسرائيلي دانيال كاهنمان، أن ما يجري في "إسرائيل" هو أسوأ تهديد منذ عام 1948، مبررا ذلك بأن الضرر هذه المرة "قد يستحيل إصلاحه".
وذكر أنه لا يوجد بـ"إسرائيل" دستور مكتوب، ونتنياهو بخطة تقويض القضاء، سيتمكن من الحكم بلا قيود، وسوف يوفر له مخرجا يعفيه من المثول أمام المحكمة وهو الذي يقاضى ويواجه احتمال صدور حكم عليه بالسجن بتهم تتعلق بالفساد.
وتاليا التقرير كما ترجمته "عربي21"
إنه ليس شخصاً عادياً، بل من المعروف أنه فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد، وبأنه مؤلف كتاب "التفكير بسرعة وببطء"، وهو من أكثر الكتب مبيعاً، وبأنه ليس ممن يؤثر عنهم المشاركة في المظاهرات والاعتصامات. ولكني هذا الأسبوع تحدثت مع دانيال كاهنمان، الذي يوشك أن يتم السنة التاسعة والثمانين من عمره، وصدمني ما لمسته من إحباط فيما سمعته منه.
قال لي البروفيسور المولود في "إسرائيل": "إنه لأمر مرعب. فهذا أسوأ تهديد لإسرائيل منذ عام 1948"، العام الذي تأسست فيه الدولة – كما يقول، بل هو أسوأ حتى من حرب 1973 عندما بدا بقاء إسرائيل وكأنه على المحك – لأن الضرر هذه المرة "قد يستحيل إصلاحه."
لم يكن كاهنمان يتحدث عن جيش أجنبي تتجمع جحافله على حدود البلد، ولا عن قنبلة نووية إيرانية، ولا عن احتمال تفجر انتفاضة فلسطينية ثالثة (مع أننا نتجه نحو ذلك)، وإنما عن شيء تفعله تل أبيب بنفسها: ما يطلق عليه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بكل لطف عبارة "خطة الإصلاح القضائي" بينما يصفه الآخرون بأنه استئصال لأمعاء المحاكم الإسرائيلية، وتسليم الحكومة صلاحيات لا تخضع لأي رقابة.
هذا الأسبوع، وجه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن نسخة دبلوماسية أخف من نفس التحذير، وأعطى نتنياهو درساً في التربية الوطنية حول أهمية استقلال القضاء وسيادة القانون. في هذه الأثناء، وقع مئات من الشخصيات البارزة، ومنهم كاهنمان، "خطاب طوارئ" نددوا من خلاله بالتغييرات المقترحة، بينما أعلن رئيس واحدة من أكبر الشركات الإسرائيلية في قطاع التكنولوجيا بأنه سيغادر البلاد احتجاجاً.
وهؤلاء يعارضون خطة من شأنها أن تحد من صلاحيات المحكمة العليا في نقض قرارات السياسيين، الأمر الذي سوف يتيح لنتنياهو أو أي رئيس وزراء قادم إبطال أحكام المحكمة العليا بمجرد الحصول على أغلبية برلمانية بسيطة، ويمكن السياسيين من اختيار من يرغبون تعيينهم من القضاة. في الوقت الحالي تعتبر المحكمة العليا القيد الوحيد الذي من صلاحياته الحد من سلطات الحكومة في "إسرائيل".
فلا يوجد لـ"إسرائيل" دستور مكتوب ولا مجلس ثان. فإذا ما أحبطت المحكمة، سيتمكن نتنياهو من الحكم بلا قيود، وسوف يوفر له مخرجاً يعفيه من المثول أمام المحكمة وهو الذي يقاضى ويواجه احتمال صدور حكم عليه بالسجن بتهم تتعلق بالفساد. وعن ذلك يقول كاهنمان إن "إسرائيل" حينذاك سوف تنضم إلى ناد يشتمل من بين أعضائه على فيكتور أوربان في المجر ورجب طيب أردوغان في تركيا، وبذلك "سوف تصبح إسرائيل ديمقراطية زائفة."
بالطبع سوف يقول كثير من الناس إن "إسرائيل" لم تزل منذ 56 سنة ديمقراطية زائفة، منذ اللحظة التي تحولت فيها إلى قوة احتلال داخل المناطق الفلسطينية التي استولت عليها في حرب عام 1967. بالنسبة لهؤلاء، قد يبدو التشاؤم الحالي الذي يعبر عنه علماء إسرائيل ورجال الأعمال في قطاع التكنولوجيا فيها علامة مرحباً بها على أن الكيان الإسرائيلي بأسره يوشك أن ينهار.
إلا أن ذلك يخفق في الأخذ بالحسبان حقيقة جلية: إن الذين يخسرون جراء هذه التغييرات يضمون اليهود الإسرائيليين المعارضين، على وجه التأكيد، ولكن أكثر من سيعانون بسبب ذلك، لا محالة، هم الفلسطينيون.
وهذا صحيح من عدة اعتبارات، بعضها واضح وبعضها ليس كذلك. فلنبدأ بما هو واضح. من خلال عملها كما لو كانت مكابح في وجه طغيان الأغلبية، لم تزل المحكمة العليا توفر، وبشكل منتظم، الحماية لحقوق الأقليات – بما في ذلك 20 بالمئة من مواطني "إسرائيل"، الذين هم عرب فلسطينيون.
من المؤكد أن سجل القضاة ليس بدون شائبة، ولكن فيما لو تم المضي قدماً بهذه الإصلاحات وتم اختزال المحاكم إلى كائنات بلا أسنان داخل الحكومة، فإن الأمور ستغدو أسوأ بكثير مما كانت عليه.
على سبيل المثال، ينوي شركاء الائتلاف الذي يقوده نتنياهو من التيارات اليمينية المتطرفة والقومية المتطرفة منع الأحزاب العربية في إسرائيل (فلسطين المحتلة) من الترشح في الانتخابات واحتلال مقاعد داخل الكنيست. فيما لو جردت المحكمة العليا من صلاحياتها، فلن يبقى شيء ولا أحد بوسعه أن يوقفهم.
إلا أن ذلك يذهب إلى ما هو أشمل. في مؤتمره الصحفي الذي عقده في القدس، أعاد وزير الخارجية الأمريكي بلينكن التأكيد على دعم واشنطن المستمر منذ وقت طويل لحل الدولتين: وهو الذي يرتجى من خلاله أن يتم حل الصراع من خلال صيغة تضمن وجود "إسرائيل" آمنة إلى جانب دولة فلسطينية مستقلة. وهذا هو الموقف المتبنى من قبل المجتمع الدولي منذ عقود، ويعود أصله إلى ما يقرب من قرن مضى، منذ أن اقترحت لجنة بيل لأول مرة مشروع التقسيم في عهد الانتداب البريطاني، وكان ذلك تحديداً في عام 1937. يرى المناصرون لهذا المشروع أنه الجواب الوحيد الممكن لحل اللغز الإسرائيلي الفلسطيني. إلا أن ثمة مشكلة واحدة: ألا وهي أن المشروع لفظ أنفاسه منذ أمد بعيد.
تحدث مع الناس في الميدان وستجد أنهم لا يصفون لك حل الدولتين وإنما يتحدثون عن واقع الدولة الواحدة، فقد زال بالتدريج الخط الأخضر الذي كان يفصل بين "إسرائيل" التي تأسست في عام 1948 والمناطق المحتلة ما بعد 1967، بينما تضمن المستوطنات والطرق والبنى التحتية تداخل الجهتين بشكل يستحيل معه في أي وقت في المستقبل فك التشابك بما يسمح بإقامة دولة فلسطينية.
والنتيجة في المحصلة هي الدولة الواحدة بحكم الأمر الواقع، تلك الدولة التي تعود السيادة فيها إلى الحكومة الإسرائيلية (وهي الصورة التي لن تزداد إلا حلكة فيما لو انهارت السلطة الفلسطينية، كما يتنبأ الكثيرون). في هذا الوضع، من شأن التحلل من آخر القيود التي تكبح جماح السلطة التنفيذية الإسرائيلية عبر "الإصلاح القضائي" أن يزيد الطين بلة. يجلس إلى جانب نتنياهو وزراء في حكومته متحالفون معه لا يخفون عزمهم على جعل الحياة لا تطاق بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في واقع الدولة الواحدة. يعزم أحدهم على التحرك باتجاه جعل الظروف التي يعيش فيها السجناء الفلسطينيون المحتجزون لأسباب أمنية أشد قسوة، بينما يعزم آخر على مصادرة حصة أكبر من الأموال التي تعود ملكيتها إلى السلطة الفلسطينية.
يلوح في الأفق مستقبل من المحتم أن يتكرر فيه ذلك النمط من العنف الذي شهدناه في الأسبوع الماضي، والذي يفضي إلى سفك دماء لا نهاية له – مقتل عشرة فلسطينيين في جنين، ومقتل سبعة يهود أثناء مغادرتهم لكنيس داخل القدس، وإلقاء القبض على مطلق نار فلسطيني لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره.
هل من مخرج على الإطلاق؟ لم يعد أحد يتحدث عن المحادثات. لا توجد رغبة ولا قدرة على خوض جولة أخرى من المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فالطرفان اليوم أبعد ما يكونان عن بعضهما البعض. ويبدو أن الولايات المتحدة قد تخلت عن دورها كوسيط محتمل. في حوار كاشف الأسبوع الماضي، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية حتى استخدام كلمة "احتلال".
ولكن مع كل ذلك، ثمة إجراء يمكن التحرك من خلاله، إنه السلاح الذي لم يخطر بالكاد على بال خصوم نتنياهو اللجوء إليه. تأملوا في النتائج التي أوصلت هذه الحكومة اليمينية المتطرفة إلى السلطة: من حيث عدد الأصوات، كان النصر الذي حققته كتلة نتنياهو ضئيلاً. تكمن المشكلة في أن خصوم نتنياهو منقسمون على أنفسهم، ولذلك فشلوا في جذب ما يكفي من أصوات الدائرة التي كان بإمكانها أن تحدث الفرق لصالحهم في هذه الحالة: إنها دائرة خمس المواطنين الإسرائيليين من العرب الفلسطينيين. وصلت نسبة المشاركة الإجمالية في انتخابات نوفمبر / تشرين الثاني 70 بالمائة، ولكنها بين العرب الإسرائيليين لم تتجاوز 53.2 بالمائة. ولو أن العرب صوتوا بنفس الأعداد التي صوت بها اليهود، لما كان نتنياهو اليوم رئيساً للوزراء.
من أجل علاج ذلك، مطلوب إحداث تغيير بالجملة في طريقة تفكير التيار السائد في اليسار الإسرائيلي، بحيث يستمعون أخيراً إلى مطالب الفلسطينيين في تحقيق المساواة داخل الخط الأخضر وإنهاء الاحتلال فيما يليه من مناطق. هذا من شأنه بالتالي أن يحدث تغييراً شاملاً في أوساط الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن ذلك الاعتراف بأن مقاطعة المؤسسات السياسية الإسرائيلية كان لها معنى عندما بدت الدولة الفلسطينية المنفصلة وشيكة تلوح في الأفق، ولكن لم يعد لها معنى الآن، لأن كل ما تنجزه هو تقوية أولئك الذين خرجوا عازمين على تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم.
يوشك نتنياهو أن يحقق أكبر استحواذ له على السلطة، ومن شأن ذلك أن يدمر ما درجت "إسرائيل" على التباهي به من كونها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. لربما يكون قد فات الفوت ولم يعد بالإمكان الحيلولة دون ذلك الآن. ولكن قد تغدو واحدة من أكبر المفارقات في التاريخ أن يكون الشعب الذي ينقذ "إسرائيل" من نفسها هم الفلسطينيون أنفسهم.