نراقب صعود الكاهانية إلى سدة الحكم
الإسرائيلي ومحاولتها السيطرة على جهاز القضاء، المترافق مع توجه منهجي لحسم
السيطرة على الأراضي
الفلسطينية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أرض إسرائيل الكاملة،
وتعبئة كل فراغ بالاستيطان والمستوطنين. وصعود هذه الفاشية ليس انقلاباً فجائياً
بل هو تتويج لسياسات اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمؤسسة العسكرية
والمحكمة العليا.
خلافاً لذلك، يرى يائير لابيد الخطر الذي يهدد
الديمقراطية
ويعزله عن منظومة العوامل الأخرى بما في ذلك دور حكومته، يقول لابيد في مقال له في
هآرتس «يجب إسقاط هذه الحكومة» المقصود حكومة تحالف نتنياهو بن غفير وسموتريتش،
وبدون ذلك لن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية ليبرالية. لقد سيطروا على ما هو أكثر من
الحكومة ومن لجنة سن القوانين، لقد سيطروا على الحقيقة والديمقراطية بدون حقيقة
ليست ديمقراطية».
أما إيهود باراك فقد اعتبر أن الخلاف مع حكومة نتنياهو يصل
إلى «مرحلة خوض القتال عبر التظاهر في الشوارع والميادين لإسقاطها، وهذا إنذار
حقيقي لأن الخطر محدق ووشيك وسيؤدي إلى انهيار النظام السياسي الإسرائيلي». وما
قاله غانتس وتسيبي ليفني في تظاهرات تل أبيب الحاشدة لا يتعدى بدوره زاوية
الديمقراطية والصراع على السلطة، ويتشابه في مستوى الحدة.
الصراع بهذه الحدة بين أقطاب اليمين واليسار والوسط على
السلطة، يفترض نظرياً دخول الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ومناطق 48 على خط
الصراع والانحياز للأطراف التي تخدم مصالحه في الخلاص من
الاحتلال وفي وضع حد
للعنصرية. وفي الحد الأدنى يفترض أن يكون الشعب الفلسطيني ضد القطب الأكثر خطراً
وتطرفاً. لكن هذا يصطدم مع حقيقة أن أقطاب اليسار والوسط واليمين وأقصى اليمين
يلتقون على استمرار الاحتلال والاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري وتهويد مدينة
القدس، والسيطرة على الأغوار ونهب الموارد، وفصل الضفة عن القطاع وحشر الشعب في
بونتوستونات فصلاً عنصرياً مقطعة الأوصال، وتتوحد على استثمار الأيدي العاملة
الفلسطينية الرخيصة في مشاريع اقتصادية وفي البنية التحتية للمستعمرات.
وبهذا المعنى فإن الشعب الفلسطيني يواجه طبقة كولونيالية
موحدة ونظام أبارتهايد موحداً. يتصارع داخله علمانيون وأصوليون وقوميون يتعايشون
بغطاء ديمقراطي داخلي يحافظ على التوازنات، ويقدم خارجياً نموذج الديمقراطية
الإسرائيلية، حيث تعتبر إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
ولم يكن من باب الصدفة مصادقة الهيئة العامة للكنيست
بالقراءة الأولى يوم 10 الجاري على تمديد سريان أنظمة الطوارئ التي تفرض القانون
الإسرائيلي على المستعمرات في الضفة الغربية - قانون الأبارتهايد- صوتت كتلة لابيد
وكتلة غانتس على تمديد القانون وعارضته فقط الأحزاب العربية (9 أصوات) و4 أصوات من
حزب العمل. حدث ذلك في وقت احتدام الصراع بين الأقطاب.
إن تجاهل الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية
والسيطرة على ملايين الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم في تقرير المصير بشكل مخالف
ومتناقض مع القانون الدولي ومع ميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن له الاستمرار مزيداً
من الوقت. آن وقت الاعتراف بأن الاحتلال صاغ المجتمع الإسرائيلي بثقافة
الكولونيالية والأبارتهايد، وكان كاهانا وبن غفير وسموتريتش وغولدشتاين وجماعات
الهيكل وتدفيع الثمن وفتيان التلال وصولاً إلى الائتلاف الحكومي الذي يتزعمه
نتنياهو نتاجاً لهذا الاحتلال، كان التحوّل نحو التزمّت الديني والفاشية القومية
ومنظومة القوانين العنصرية يترافق مع يد خفيفة على الزناد تحصد الشبان
الفلسطينيين، وتحتجز العديد من جثامينهم، ويترافق مع اعتقال الفلسطيني بتهمة وبغير
تهمة -اعتقال إداري -وقمع الفلسطيني يومياً ومع ألوان من التطهير العرقي عبر منع
البناء، أو بتدمير البيوت والمنشآت الزراعية، ويترافق مع اقتلاع الأشجار ونهب
المحاصيل وحرق المركبات من قبل سوائب المستوطنين. ويترافق ذلك مع حصار قطاع غزة
وشن اعتداءات وحروب ضده وممارسة كل ألوان العقاب الجماعي ضد المواطنين
الفلسطينيين، والأهم يترافق مع منظومة قوانين تميز على أساس القومية والعرق.
التناغم بين صعود الفاشية وتفكيك وقمع ونهب المجتمع الفلسطيني، يتضح أكثر وأكثر مع
مرور الوقت، وقد بلغ أشده مع وصول الكاهانية إلى سدة الحكم.
كما نرى الاحتلال والطبقة العابرة للأحزاب
الملتزمة بثقافة الاحتلال، أعادت صياغة المجتمع الإسرائيلي بروح استعلاء ديني
وقومي، وبعدم احترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وبروح رفض أي نقد
لجرائم الحرب والانتهاكات الفادحة، وبمعاقبة كل مدافع عن الحقوق الفلسطينية من
منطلق حقوقي وسياسي وإنساني. بفضل ذلك وبسبب الدعم والتواطؤ الأميركي والدولي،
أصبحت إسرائيل والشعب الإسرائيلي فوق القانون وخارج نظام المحاسبة والمساءلة
والنقد والعقاب. من يقتل ويقمع ويضطهد الآخر سيدفع الثمن، سيكون لهذه العملية
انعكاسات شديدة السوء على الشعب الذي يستعمر شعباً آخر كما تقول المقولة الثورية
التي ما تزال تحتفظ بصحتها. «إن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً». ومع
ذلك قالوا وما زالوا يقولون إن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة!
المؤرخ الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتش أوضح تناقضات دولة
الاحتلال بالقول: إن الدولة التي تبدأ بإقامة جهاز سلطوي ينبري في قولبة أفرادها
كشعب، هذا الشعب الذي تنشِئه الدولة يكون شعباً بلا مضمون، ويتشكل داخله أساس فكري
للفاشية. وتتناقض إسرائيل مع الديمقراطية يقول ليبوفيتش. إذا كنا أمام مثلث متساوي
الأضلاع. الضلع الأول دولة يهودية والثاني ديمقراطية والثالث أراضٍ محتلة، فإن أي
تآلف بين اثنين من الأضلاع يقف على طرف نقيض مع الضلع الثالث. دولة يهودية
وديمقراطية تتنافر مع احتلال. الحل يكون بإنهاء الاحتلال. وإذا تم الاحتفاظ
بالأراضي المحتلة فإن ذلك يتنافر مع دولة يهودية بسبب الخلل الديمغرافي ويتنافر مع
الديمقراطية. من غير الطبيعي أن تمارس ديمقراطية في أوساط شعب تقوم دولته بممارسة
التمييز العنصري وتضطهد شعباً وتنهب مواردة وتتنكر لحقوقه المعرفة في القانون
الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
في لحظة احتدام الصراع الداخلي الإسرائيلي،
حول الديمقراطية واستقلال القضاء، قد يحدث بعض التراجع، وقد تبرم صفقات، لكن
الديمقراطية لن تتحقق مع بقاء الاحتلال ومنظومة قوانين الفصل العنصري، ثمة فرصة
أمام الديمقراطيين الإسرائيليين لبدء استقطاب جديد داخل المجتمع الإسرائيلي ضد
الاحتلال والنهب والعنصرية واضطهاد شعب آخر، هنا نقطة الالتقاء شديدة الأهمية مع
الشعب الفلسطيني وهنا الباب الشرعي للديمقراطية.