قال موقع
ميديل إيست آي إنه بموجب الخطة الجديدة للنظام القضائي لدى
الاحتلال فسوف تتآكل الضوابط والموازنات وسيتم اختيار القضاة من قبل الائتلاف المتطرف الذي يترأسه
نتنياهو.
وفي ما يأتي النص الكامل للتقرير:
لقد
أطلقت كل أنواع الأسماء على الخطة الجديدة للنظام القضائي لدى الاحتلال.
أما
أهارون باراك، الرئيس السابق للمحكمة العليا الذي يتجنب في العادة إصدار
التصريحات المثيرة، فقارنها بما قال إنه "بداية نهاية الهيكل الثالث"،
وهو تعبير تنبؤي يصف زوال "
إسرائيل".
ومن
التوصيفات التي أطلقها عليها بعض خصومها "تغيير النظام" وكذلك
"الانقلاب السياسي". وأما ياريف ليفين، وزير العدل الذي يقف من وراء كل
هذه الضجة، فأطلق عليها بكل بساطة عبارة "إصلاحات".
أياً
كان التعريف الذي تختاره، فإن من شأن خطة ليفين – فيما لو تم تنفيذها – ألا تكتفي
فقط بإعادة ترميم النظام القانوني وإضعاف المحكمة العليا، بل إنها ستفضي إلى تغيير
جوهر النظام السياسي بأسره في إسرائيل.
فالبلد
الذي كان يفاخر، على الأقل أمام مواطنيه من الإسرائيليين اليهود، بأنه الديمقراطية
الوحيدة في الشرق الأوسط، يوشك أن يصبح "ديمقراطية سلطوية"، شيئاً
مماثلاً لبعض الديمقراطيات التي نشأت في أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد
السوفياتي.
هذا
بالطبع في أحسن الحالات. أما في أسوأ الحالات فإنه سيتحول إلى "دكتاتورية
الأغلبية البرلمانية العرضية"، كما يشرح ذلك مايكل بن يائير، المدعي العام
السابق في إسرائيل.
وقال
في تصريح لموقع ميدل إيست آي: سوف تصبح الحريات محدودة وستكون "خاضعة"
للحكومة، والتي هي حكومة نصف الشعب بإدارة من يمثلون نصف الشعب لصالح نصف الشعب –
بدون آلية كفيلة بتوفير الحماية للأفراد والأقليات.
اظهار أخبار متعلقة
والضحية
الرئيسية لهذه الثورة الدستورية ستكون الحريات المدنية لجميع الإسرائيليين –
وبالذات للمواطنين الفلسطينيين، والنساء اليهود، وأعضاء مجتمع المثليين ومن على
شاكلتهم، وطلاب اللجوء.
وستكون
الأوضاع كارثية بالذات في ظل الحكومة الحالية التي تتكون من وزراء وأعضاء برلمان
لا يتورعون عن إعلان عنصريتهم، بل ولم يزل بعضهم يقف في الخندق المخالف للقانون.
وأفضل
مثال على ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يواجه تهماً بالفساد، ما فتئ
ينكرها. والذي تمضي محاكمته بتلك التهم قدماً بالتوازي مع ثورته القضائية، التي
يقال إنها من تخطيط حليفه ليفين.
تشتمل
الخطة على كثير من المكونات التي ستأتي على نظام الضوابط والموازنات وعلى استقلال
القضاء فتقضي عليها، ما سيركز فعلياً جميع السلطات في أيدي السياسيين.
من
الأمثلة على ذلك التغيير المقترح بشأن اللجنة التي تعين القضاة. فحالياً، يحظى
الائتلاف الحاكم بثلاثة مقاعد داخل اللجنة المكونة من تسعة أعضاء، بينما تمنحهم
الخطة الجديدة خمسة مقاعد، بما سيعطي الحكومة فعلياً أغلبية واضحة.
سوف
يكون ائتلاف نتنياهو قادراً من الناحية العملية على تعيين قضاته. ولربما كان ذلك
هو السبب الحقيقي من وراء ما يسمى بالإصلاحات. سوف يكون ذلك جيداً لنتنياهو، ولكنه
خطر على إسرائيل.
ما
تشتمل عليه الخطة
خرج
ليفين على الناس بالخطة بعد أسبوع واحد من تعيينه رسمياً وزيراً للعدل.
ولقد
غدا مألوفاً أن تعمل الحكومة الجديدة بسرعة فائقة، فتقرر بنفسها طمس جميع آثار
سابقتها، في ما يعطي الإحساس بأننا بصدد عملية انتقام منظمة أكثر مما نحن بصدد
تنفيذ سياسة جديدة.
كل
وزير في الحكومة، والتي تتضمن لأول مرة عناصر من الأحزاب اليمينية المتطرفة
والدينية المتشددة، لديه مهمة رسالية خاصة به يسعى للقيام بها.
اظهار أخبار متعلقة
ففي
حالة ليفين نفسه، يفتح توقيت اقتراحه الذي تم الكشف عنه في الرابع من يناير/
كانون الثاني نافذة مهمة على الحوافز الحقيقية التي تقف وراء هذه الإصلاحات
المتسرعة.
فقد
تم الإعلان قبل يوم واحد من نظر المحكمة العليا في عريضة ضد قانونية تعيين رئيس
حزب شاس، آرييه دعي، وزيراً للصحة والشؤون الداخلية.
بالنظر
إلى كونه أكثر وزراء الحكومة خبرة، فإن نتنياهو يحتاج إلى بقاء درعي قريباً منه
أثناء فترة حكمه.
فقط
قبل سنتين أدين درعي بجنح ضريبية وصدر بحقه حكم مع وقف التنفيذ. هذا علماً بأنه
سوف يصبح وزيراً للمالية بعد سنتين اثنتين بموجب بنود الاتفاق الذي شكلت بناء عليه
الحكومة الائتلافية الحالية.
تسليط
سيف ديموكلز فوق رأس المحكمة العليا عشية جلسة الاستماع كان تحركاً مقصوداً ومعداً
له من قبل، حتى إن ميراف ميخائيلي، زعيمة حزب العمل، قارنت ذلك بما قالت إنه سلوك
المافيا.
وتكشف مكونات الخطة عن المزيد من الأدلة التي تثبت الحافز المحتمل.
فإلى
جانب تغيير لجنة اختيار القضاة، تقترح الخطة إجراءات من شأنها أن تعيق بشكل خطير
صلاحيات المحكمة العليا في لجم البرلمان.
فحالياً
بإمكان المحكمة العليا إبطال أي تشريع حكومي يثبت أنه يتناقض مع قوانين إسرائيل
الأساسية الثلاثة عشر، وخاصة القانون الأساسي المتعلق بالكرامة الإنسانية
وبالحرية. والغاية من قوانين إسرائيل الأساسية هي أن تصبح جزءاً من الدستور، الذي
ما زال غير موجود حتى الآن.
تقترح
خطة ليفين "بنداً متجاوزاً" يسمح لأعضاء البرلمان بأغلبية 61 نائباً (من
مجموع عدد النواب البالغ 120) بإعادة تفعيل قانون أبطلته المحكمة العليا.
وتسعى الخطة إلى السماح للوزراء بتعيين مستشاريهم القانونيين الخاصين بهم بدلاً من
الأشخاص المعينين المكلفين من قبل المدعي العام.
سوف
يتوجب على ليفين الآن تحويل خطة "الإصلاح" إلى تشريع، وطرحها للتصويت
أمام البرلمان في وقت لاحق من هذا الشهر.
منحنى
زلق
إذا
ما تم تنفيذ الخطة بشكلها الحالي، فسوف تصبح إسرائيل بلداً بدون قضاء مستقل،
وبدلاً من أن تكون حكومتها مضطرة إلى تبرير أفعالها فسوف تصبح نظاماً يتصرف بشكل
تعسفي.
ليست
هذه حوكمة، تلك الكلمة المفتاحية التي تتبناها الإدارة الجديدة وتسوق من خلالها
نفسها لدى الجمهور الإسرائيلي باعتبارها الجواب الشافي لما يعانونه من أمراض، بل
إنها خطر يحدق بحقوق الإنسان لكل من يعيشون داخل إسرائيل، إضافة إلى حقوق من
يعيشون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذين لم يزالوا يعانون منذ عقود بسبب
ما تتعرض له حقوقهم الإنسانية من انتهاكات.
يوسي
بيلين، وزير العدل السابق ورئيس حزب ميريتز، بشكل خاص، يساوره قلق شديد بسبب
"بند التجاوز".
فعلى
النقيض من بعض المزاعم، تم تطبيق هذا البند فقط 22 مرة خلال العشرين سنة الماضية،
وذلك لإبطال مقاطع من القانون كانت تتناقض بشكل سافر مع مبادئ المساواة وحقوق
الإنسان.
في
تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال يوسي بيلين: "نحن أمام فصل جديد في تاريخ
إسرائيل. فمن خلال النظر إلى الحزمة الكاملة للإصلاحات التي يجري التخطيط
لتنفيذها، فإنه لن يبقى لدى إسرائيل من الديمقراطية سوى الاسم".
يحذر
بيلين من أنه سيكون من الصعب التراجع عن هذه الإصلاحات فيما لو تم إدخالها، لأنه
سيكون من مصلحة جميع الحكومات القادمة التمتع بهذه الصلاحيات.
وقال
بيلين: "كم كانت حياتي السياسية ستكون أيسر لو أنه كان بمقدوري تعيين
المستشارين القانونيين الموالين لوزرائي في مناصب سياسية، كما يقترح الآن ليفين،
بدلاً من الاضطرار للتعامل مع موظفين يشغلون مناصب مهنية خاضعة لرقابة المدعي
العام".
ومن
خلال مقارنات مع بولندا والمجر، حيث تعرضت حرية الإعلام للتقييد خلال السنوات
الأخيرة، يخشى الوزير السابق من أن المنصات الإخبارية في إسرائيل ستكون المستهدفة
من بعد.
وأضاف:
"ها نحن نرى بداية ذلك من خلال تعيين الوزير الجديد للاتصالات، شلومو كارهي،
الذي راح يهدد بإغلاق المؤسسة العامة للإذاعة الإسرائيلية. إنه منحنى زلق يقود إلى
الهاوية".
تقويض
المحكمة
تجري
عملية شيطنة المحكمة العليا في إسرائيل منذ بعض الوقت.
ففي
مقابلات أجراها في عام 2012 حول النظام القضائي، قدم نتنياهو نفسه باعتباره المنقذ
للنظام وبشكل خاص للمحكمة العليا.
وقال
إن ذلك هو إرثه، الشيء الذي نشأ عليه وورثه من سلفه مؤسس حزب الليكود رئيس الوزراء
السابق مناحيم بيغن.
إلا
أن الواقع كان مختلفاً. فتحت قيادته تعرض القضاء لهجمات متكررة من قبل شخصيات
يمينية ويمينية متطرفة.
تغيرت
لهجة نتنياهو في عام 2016 بعد أن صار موضع تحقيق ثم وجهت له تهم بالرشوة والفساد
وخيانة الأمانة.
ينفي
نتنياهو ارتكاب أي مخالفات. أما المحاكمة التي بدأت في عام 2020 فمستمرة، ولا تبدو
لها نهاية في الأمد المنظور.
كان
القضاء ذات يوم هو النظام الذي يتغنى به نتنياهو. أما اليوم فقد غدا خصماً له، حيث
يوصم القضاة بأنهم يساريون مهمتهم ليس فقط إسقاطه هو، بل وإسقاط جميع اليمينيين.
"إنهم الشر" في مواجهتنا "نحن".
لاقت
الحملة المناهضة للمحكمة نجاحاً غير عادي، حتى بين الأفراد والقطاعات التي تستفيد
أحياناً من الأحكام التي تصدرها المحكمة العليا.
وذلك
أن المحكمة يُنظر إليها باعتبارها كياناً نخبوياً يخدم ذاته، في حالة من الانفصام
عن الناس واحتياجاتهم. ولقد وجد استطلاع للرأي أجري في عام 2021 أن 41 بالمائة فقط
من السكان يثقون بالمحكمة العليا، بما يمثل انخفاضاً عن ما كانت نسبته 52 بالمائة في
استطلاع أجري قبل ذلك بشهور.
من
يستطيع إيقاف ذلك؟
من
السهل شن مثل ذلك الهجوم على دقائق القانون التي لا يفهم فيها إلا النزر اليسير من
الناس. ويكون الأمر أسهل فيما لو كان من توجه إليه أصابع اللوم شخصاً واحداً. وذلك
الشخص هو أهارون باراك الذي يُحمل المسؤولية عن مقاربة "النشاط القضائي"
أثناء شغله منصب رئيس المحكمة العليا في الفترة من 1995 إلى 2006.
كثيراً
ما يطلق عليه عبر السوشال ميديا حالياً لقب "الشيطان الأكبر"، ويطلق على
الكثيرين من حوارييه وتلاميذه لقب "الشيطان الأصغر"، وهي نفس الألفاظ
التي يستخدمها بعض الإيرانيين لوصف الولايات المتحدة وإسرائيل.
يدرك
باراك جيداً اللوم الذي يوجه إليه، ويدرك كذلك حقيقة أن الخطة التي أعدها ليفين
يُنظر إليها باعتبارها تصحيحاً للإصلاحات التي أدخلها هو أيام رئاسته للمحكمة.
ففي
برنامج تلفزيوني بثته القناة 11 يوم السبت، وجه ليفين الملامة إلى باراك باعتباره
هو الذي "جلب علينا كارثة هائلة".
وفي
نفس البرنامج قال باراك: "لو كنت أعلم أن إعدامي سيضع حداً لهذا الاضطراب
لكنت على استعداد لمواجهة فريق الإعدام".
من
الناحية المجازية، ذلك بالضبط هو الذي يحدث له الآن، بل ويحدث للنظام بأسره.
ولا
يمكن للمسألة أن تبقى قضية محلية. فعلى مدى عقود من الاحتلال تمكنت إسرائيل من درء
أي تدخل من قبل المحاكم والمؤسسات الدولية، زاعمة بأن المحكمة العليا الإسرائيلية،
المعترف بها في المحافل القانونية الدولية، لديها السلطة الأخلاقية الكاملة
للتمييز بين ما هو قانوني وغير قانوني، وبين ما هو صواب وما هو خطأ.
لا
يمكن الاستمرار في استخدام نفس الحجة حينما تكون المحكمة منزوعة الصلاحيات ومهانة
وبدون سلطة، وهو ما سيكون عليه حالها في إسرائيل إذا ما تمكن ليفين من تحقيق
مراده.
ولكن
ماذا تعني الساحة الدولية حينما يتعلق الأمر بمصالح نتنياهو وتعطشه لامتلاك سلطة
غير محدودة داخل أكثر حكومة عنصرية وتطرفاً وضيق أفق في تاريخ إسرائيل؟
الإجابة
بكل بساطة، كما عبر عن ذلك باراك: "لا يمكن لأي محكمة إنقاذ شعب إسرائيل إذا
كانوا هم لا يرغبون في إنقاذ أنفسهم".