هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهد الأسبوع المنصرم جولة جديدة من التصعيد العسكري بين أذربيجان وأرمينيا خلّفت ما يزيد على الـ50 قتيلا أذربيجانيا وحوالي الـ200 قتيل في صفوف الجيش الأرميني. وتبادل الطرفان الاتّهامات بشأن المسؤولية عن هذا التصعيد المتكرّر في الاشتباكات العسكرية. وقالت أذربيجان إنّ يريفان تواصل بشكل مُكثّف انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الثلاثي الذي تمّ برعاية روسيّة في عام 2020، فيما ادّعت أرمينيا أنّ أذربيجان هي التي تسعى خلف التصعيد المستمر معها.
ونتيجة لهذا التطوّر الخطير، فقد توالت ردود الفعل الإقليمية والدولية، فأعلنت روسيا عن مبادرتها لوقف إطلاق النار مشيرة الى انّها تتوقّع أن يتم إحترام الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه مع الأطراف المعنيّة بهذا الشأن. من جانبه، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عن قلقه العميق، ودعا المتحدث الرسمي باسمه إلى اتخاذ خطوات فورية لتهدئة التوترات وممارسة أقصى درجات ضبط النفس وحل أي قضايا معلقة من خلال الحوار. وحث الجانبين على التنفيذ الكامل للاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً.
رئيس الوزراء الأرميني حاول الإستنجاد بفرنسا والولايات المتّحدة وروسيا، وردّ الجانب الفرنسي برفع الملف الى مجلس الأمن، الذي تتولى رئاسته حالياً، لمناقشته، فيما طالب الجانب الأمريكي بوقف إطلاق النار مشيراً الى "النزاع بين الطرفين حول إقليم قره باغ". إنتقدت أذربيجان الموقف الامريكي بشدّة مُذكّرة بانّ الإقليم ليس موضع تنازع وأنّه يتبع لأذربيجان بحكم القانون الدولي. وفيما أعلنت تركيا دعمها لموقف أذربيجان في التصعيد الأخيرة ودعوتها الجانب الأرميني الى الإلتزام بما تمّ التوصل إليه في عام 2020، أشارت إيران، الحليف التقليد لأرمينيا، إلى أنّ الأمن القومي الأرميني مسألة في غاية الأهمّية بالنسبة لطهران.
وتُعدّ هذه الجولة من الإشتباكات الأعنف وأسفرت بحسب بعض التقارير عن تقدّم للقوات الأذربيجانية في بعض المناطق داخل الأراضي الأرمينية. وتشير أذربيجان الى أنّ أرمينيا كانت تكدّس الأسلحة في بعض المناطق على الحدود فيما يبدو انّه إستعداد لتصعيد آخر قبل ان تقوم باستفزاز الجانب الاذربيجاني. وتعتبر هذه الجولة أيضاً بمثابة إستكمال للجولة التي وقعت في شهر أغسطس الماضي وأسفرت عن إستعادة أذربيجان المزيد من الأراضي التابعة لها والتي تقع تحت الاحتلال الأرميني منذ حوالي 30 عاماً.
وكان الطرفان قد دخلا في حرب عنيفة في العام 2020 امتدت حوالي 6 أسابيع، وأسفرت للمرة الأولى منذ حوالي 30 عاماً عن تحرير أذربيجان لجزء كبير من أراضيها التي ظلّت تقع تحت الاحتلال الأرميني طوال تلك المدّة نتيجة للدعم الذي كانت يريفان تتلقاه من روسيا وإيران بالإضافة الى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتّحدة وفرنسا. ونجحت أذربيجان بفضل دعم عسكري تركي عبر مُسيّرات بيرقدار (تي بي2) وإلتزام سياسي ودبلوماسي من هزيمة أرمينيا، كما دخلت إسرائيل على خط النزاع لتدعم أذربيجان في وجه التدخلات الإيرانية.
وبالرغم من أن المعركة أسفرت عن شبه استسلام لأرمينيا نتيجة الخسائر الرهيبة التي تكبّدتها في الرجال والعتاد، وتوقيع الاتفاق الثلاثي لوقت إطلاق النار لإرساء السلام والإستقرار برعاية روسيا، إلاّ أرمينيا لم تلتزم باستكمال الانسحاب من الأراضي المتبقيّة التي كانت لا تزال تحتلّها وذلك وفقاً لما ينص عليه الاتفاق. وقد إستغلت أذربيجان الشهر الماضي رغبة بعض المتطرفين الأرمن داخل أرمينيا وخارجها (لاسيما في الولايات المتّحدة وفرنسا) ممّن يطالبون بالتصعيد ضدها، وشنّت عملية عسكرية خاطفة ومحدودة سُمّيت بـ“الانتقام" بعد انّ قام بعض العناصر الأرمن باستهداف جنود أذربيجانيين وقتل بعضهم.
تشير ردود أفعال أذربيجان وجهوزيتها العسكرية إلى أنّها واعية تماماً لما يريده البعض في أرمينيا لها. لكنّ ذلك لا يعني أنّه يجب الإطمئنان للوضع الحالي، فقد يؤدي الدعم الغربي المفتوح وغير المشروط لأرمينيا إلى تشجيع الأخيرة أو جناح المتطرفين فيها على تجاهل اليد الممدودة من قبل باكو للسلام والذهاب باتجاه تصعيد غير محسوب العواقب يدفع يريفان بالضرورة إلى حسابات خاطئة.
أدّت العملية إلى تحرير أذربيجان المزيد من المرتفعات في إقليم ناغورنو قره باغ من الاحتلال الأرميني، كما سيطرت على مدينة لاتشين الذي تمّ تكديسها خلال العقود الماضية بمستوطنين أرمن، وبسطت أذربيجان سيطرتها كذلك على ممر لاتشين الاستراتيجي بموجب الاتفاق الثلاثي الذي تمّ عام 2020 برعاية روسيّة. في مؤتمر قمة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند، قال الرئيس الأذربيجاني علييف: "قدمت أذربيجان لأرمينيا خمسة مبادئ أساسية لمعاهدة سلام تقوم على الاعتراف المتبادل بسيادة الدول وسلامة أراضيها"، لكن أرمينيا لا تزال تماطل وتتهرب.
وتعاني أرمينيا من إنقسام بين من يريد السلام وبين المتطرفيّن الذي يريدون التصعيد العسكري. المتطرفون حاولوا تنفيذ إنقلاب ضد رئيس الوزراء الأرميني عقب حرب العام 2020 للإطاحة به واستعادة التصعيد ضد أذربيجان. يدعم توجه هؤلاء، بعض اللوبيات الأرمنيّة النافذة في الخارج لاسيما في واشنطن وباريس. ويمنع الخلل في موازين القوى لصالح أذربيجان بالإضافة إلى الظروف الإقليمية والدولية الراهنة أرمينيا من الذهاب باتجاه الخيار العسكري المفتوح مع باكو. ويعتقد البعض انّ المماطلة في تنفيذ الإلتزامات وتطوير القدرات الذاتية وحشد الحلفاء بالتوازي مع اعتماد سياسة إستنزاف لأذربيجان قد يكون بديلاً مناسباً لأرمينيا.
وتشير ردود فعل أذربيجان وجهوزيتها العسكرية إلى أنّها واعية تماماً لما يريده البعض في أرمينيا لها. لكنّ ذلك لا يعني أنّه يجب الاطمئنان للوضع الحالي، فقد يؤدي الدعم الغربي المفتوح وغير المشروط لأرمينيا إلى تشجيع الأخيرة أو جناح المتطرفين فيها على تجاهل اليد الممدودة من قبل باكو للسلام والذهاب باتجاه تصعيد غير محسوب العواقب يدفع يريفان بالضرورة إلى حسابات خاطئة.