شيئا فشيئاً يتحول اليمن إلى صفقة غاشمة بين واشنطن والرياض، بدليل هذا العدد من المسارات التفاوضية العبثية التي تُظهر العالم كما لو كان ينجز شيئاً أو يحاول أن ينجز شيئاً لصالح اليمنيين. ومثال على ذلك المفاوضات الجارية حول فتح المعابر بمحافظة تعز ومحافظات أخرى، والمسار الخاص بخزان صافر على ساحل البحر الأحمر.
وبغض النظر عن استمرار معاناة اليمنيين خصوصاً في تعز، فإن الرئيسي جو بايدن يبدو مطمئنا بأنه قد حقق بالهدنة التي تجددت لشهرين إضافيين في اليمن، ما عبر عنه أثناء حملته الانتخابية وأكده بعد توليه الرئاسة، وهو إنهاء الحرب في اليمن، بغض النظر عن النتيجة التي ستؤول إليه هذه الحرب.
ويقيني أن الرؤية الأمريكية ليست ضبابية تجاه مستقبل اليمن، بل تبدو واضحة إذا ما تأكدنا من أن اليسار الديمقراطي داخل الحزب الحاكم في واشنطن يمضي في الضغط من أجل تبييض صفحة الحوثيين وخلق الذرائع التي تجعل منهم شريكاً مناسباً لواشنطن، في مقابل الضغط على السعودية وابتزازها والتضحية بالشراكة الاستراتيجية الطويلة الأمد معها.
الرؤية الأمريكية ليست ضبابية تجاه مستقبل اليمن، بل تبدو واضحة إذا ما تأكدنا من أن اليسار الديمقراطي داخل الحزب الحاكم في واشنطن يمضي في الضغط من أجل تبييض صفحة الحوثيين وخلق الذرائع التي تجعل منهم شريكاً مناسباً لواشنطن، في مقابل الضغط على السعودية وابتزازها
لذلك لا نستغرب إذا رأينا الطرفين، الحكومي والحوثي، يفشلان في التوصل إلى نتيجة سريعة وإيجابية بشأن إعادة فتح المعابر في محافظة تعز وفي عدد من المحافظات الأخرى.
من كان يتصور أن الطرفين سيذهبان إلى جولة جديدة حول قضية يفترض أنها محسومة ومرتبطة بشكل وثيق ببقية البنود التي تضمنها
اتفاق الهدنة، وعلى رأسها إعادة فتح
مطار صنعاء للرحلات المدنية وفتح المعابر في محافظة تعز؟
إن المشاهد التي تُنقل يومياً عن المعابر الثانوية شديدة الوعورة التي يسلكها أبناء محافظة تعز للوصول إلى عاصمة المحافظة وبقية المناطق، تُغني عن كل قول، حيث الازدحام والحوادث اليومية والخسائر الكبيرة التي يتكبدها السكان جراء سلوك هذه الطرق.
لا أحد يمكنه أن يجادل بشأن أولوية فتح المعابر في تعز، كتجسيد حقيقي لنجاح
الهدنة بعد
تمديدها شهرين إضافيين، غير أن الحوثيين لا يخفون هدفهم الحقيقي وراء استمرار الحصار القائم على تعز، إذ ينظرون إلى هذا الوضع باعتباره ضمانة ضرورية للاحتفاظ بغنيمة الحرب التي يصعب عليهم التفريط بها، بعد أن أدركوا أن مأساة تعز ليست جزءا من الأجندة العسكرية أو الإنسانية أو الأخلاقية للتحالف.
لا أحد يمكنه أن يجادل بشأن أولوية فتح المعابر في تعز، كتجسيد حقيقي لنجاح الهدنة بعد تمديدها شهرين إضافيين، غير أن الحوثيين لا يخفون هدفهم الحقيقي وراء استمرار الحصار القائم على تعز، إذ ينظرون إلى هذا الوضع باعتباره ضمانة ضرورية للاحتفاظ بغنيمة الحرب التي يصعب عليهم التفريط بها
تكرست محافظة تعز طيلة سنوات الأزمة والحرب كساحة صراع رمادية، انعقدت بشأنها تفاهمات تلقائية بين الانقلابيين من جهة، والتحالف وتوابعه من المليشيات المنفلتة عن عقال الدولة والسلطة الشرعية من جهة أخرى، لإبقاء تعز خارج الترتيبات وللتقليل من فرض أبنائها في الوصول إلى حسم عسكري لصالحهم، بعد أن أثبتوا قدرتهم على تحقيق هذا الحسم منذ الأشهر الأولى لمقاومتهم البطولية ضد تحالف الانقلاب؛ الذي كان يضم الحوثيين وصالح والإمكانيات العسكرية الهائلة للدولة اليمنية ومنها أكثر من 12 لواء عسكريا كانت تطوق مدينة تعز.
من المهم الإشارة إلى أن تعز كانت قد اُستُبِيحتْ إبان ثورة التغيير في 2011، وهُمِّشتْ وطُرحت كهدف عسكري ذي أولوية بالنسبة للانقلابيين بعد أيلول/ سبتمبر 2014، وتبنى الجميع سياسة التغطية على كل الجرائم التي طالت هذه المحافظة إبان الثورة.
ولطالما أبدى التحالف منذ اندلاع الحرب في ربيع 2015 رغبته في التضحية بنضال تعز وتضحيات أبنائها وكفاحهم، وتحييد حماسهم منقطع النظير لاستعادة دولتهم والحفاظ على وحدة بلدهم، وجمهوريتهم وديمقراطيتهم.
إن الاستمرار في وضع تعز على أجندة الاهتمام السياسي والإعلامي مهم للغاية، لكن يتعين علينا أن نضع موقف التحالف بقيادة السعودية، على وجه الخصوص، تحت الملاحظة لنتأكد من أنه قد تخلى بالفعل عن نظرته الانتهازية لتعز التي يستحضرها دائماً للمقارنة بين سلوكه العسكري في اليمن، وبين السلوك العسكري الإجرامي للحوثيين، الذي يأخذ شكل اعتداء مفتوح وسافر على الإنسان ومقدراته في هذه المحافظة.
لا أرى في هذا النوع من الطرح سوى إمعان مقصود في تصدير الذرائع التي تبيح للحوثيين الاستمرار في عدوانهم على تعز وبقية المحافظات، وتحرر التحالف من مسؤوليته الرئيسة تجاه محافظة تعز، التي استولى على القسم المفيد من موقعها الاستراتيجي المتمثل في الساحل الغربي وباب المندب
ينبري البعض من ناشطي الفضاء الإعلامي والاجتماعي، ومعظمهم يغرد ضمن الأولويات السياسية والأيديولوجية للتحالف، إلى استحضار ضعف أبناء محافظة تعز وقلة حيلتهم، ويجادلون بأن أبناء تعز بمقدورهم أن ينهوا الجدل بشأن المعابر عبر خوض معركة تحقق هذا الهدف رغماً عن الحوثيين وعبر إلحاق الهزيمة بوجودهم في تعز، لكنهم يغفلون حقيقة أن مقاومة تعز وجيشها تخضع لحصار عسكري من حليفها المفترض.
لذا لا أرى في هذا النوع من الطرح سوى إمعان مقصود في تصدير الذرائع التي تبيح للحوثيين الاستمرار في عدوانهم على تعز وبقية المحافظات، وتحرر التحالف من مسؤوليته الرئيسة تجاه محافظة تعز، التي استولى على القسم المفيد من موقعها الاستراتيجي المتمثل في الساحل الغربي وباب المندب، ووفر كل الإمكانيات العسكرية لحمايته، فيما تعمد إبقاء الجزء الذي يتركز فيه معظم سكان المحافظة مكشوفاً ومنهزماً وفاقداً للحيلة.
وإذا كان حصار تعز في بعده الإنساني الواضح يتجلى عبر استمرار الحوثيين في غلق وتفخيخ المعابر الرئيسية شمال غرب وشمال شرق وجنوب شرق محافظة تعز، فإن هناك من يحاصر تعز لدوافع سياسية واستراتيجية من الناحية الغربية، وبالتالي لا يمكن أن نصف التحالف وأدواته المباشرة من مليشيات مسلحة إلا بأنهم جزء من القوة التي تحاصر تعز وتمعن في خنقها حتى الموت، مثلهم مثل جماعة الحوثي الإرهابية الطائفية المسلحة.
twitter.com/yaseentamimi68