كتاب عربي 21

الهدنة إذ تتحول إلى وسيلة لهزيمة اليمنيين ودولتهم

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

أربعة أيام فقط هو الوقت المتبقي من زمن هدنة لشهرين؛ التي أُعلنت بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، ودخلت حيز التنفيذ في الثاني من شهر نيسان/ أبريل الماضي، وسط مؤشرات على إمكانية تمديدها دون صعوبات بعد أن حصل الحوثيون على ما يريدون دون أن يتعرضوا لهزيمة عسكرية، لتتحول إلى غطاء لتكريس نتائج الحرب وإضفاء المشروعية عليها.

حينما يكرر الرئيس الأمريكي الحديث بزهو عن الهدنة في اليمن فإنه يعني بشكل دقيق نجاحها في منع وصول الصواريخ والطائرات المسيرة مجدداً إلى العمق السعودي الإماراتي، لكن البيانات التي تتحدث عن استمرار الحرب على الأرض ربما لا تريد الإدارة الأمريكية سماعها؛ طالما الكُلف تدفع من جانب الشعب اليمني في شكل استمرار للحصار والقنص والمواجهات المسلحة في معظم جبهات القتال.

واللافت في تطورات الشهرين الماضيين الخطيرة على المستوى السياسي وعلى صعيد الحرب، أن انتقال السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي وإعلان الهدنة قبل ذلك؛ كلاهما تم خارج إرادة الممثلين السياسيين والحشد الألفي من الناشطين اليمنيين الذين تجمعوا تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالعاصمة السعودية، وفقاً لترتيبات أشرفت عليها الرياض وأبو ظبي، وهذا بحد ذاته يشير إلى أن الإرادة السياسية لليمنيين قد صودرت وليست فقط القرار السياسي.

انتقال السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي وإعلان الهدنة قبل ذلك؛ كلاهما تم خارج إرادة الممثلين السياسيين والحشد الألفي من الناشطين اليمنيين الذين تجمعوا تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالعاصمة السعودية، وفقاً لترتيبات أشرفت عليها الرياض وأبو ظبي، وهذا بحد ذاته يشير إلى أن الإرادة السياسية لليمنيين قد صودرت

لقد أثبتت عملية الانتقال القسرية من الرئيس السابق هادي إلى مجلس قيادة رئاسي أن النخبة السياسة اليمنية دخلت مرحلة العجز التام عن اجتراح تحولات تخرج البلاد من دائرة العنف ومصادرة القرار، وحالة الفوضى السلطوية التي تهيمن على معسكر الشرعية والمجلس الرئاسي، حيث يكتسب المشروع الانفصالي المزيد من المزايا بعد أن وُضع المجلس الرئاسي، الذي عاد إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، في العهدة العسكرية والأمنية للمجلس الانتقالي ذي الأجندة الانفصالية.

وفي الآن نفسه يمضي الحوثيون في تثبيت سلطتهم في المناطق الواسعة التي يسيطرون عليها من شمال البلاد، حيث يتركز معظم سكان اليمن تقريباً، على وقع المكاسب الإضافية التي حازوها بفضل الهدنة، حيث بات بوسعهم اليوم أن يتصرفوا بمليارات الريالات من عائدات المشتقات النفطية التي تدخل إلى مناطقهم، فيما يبقى مئات الآلاف من موظفي الجهاز الحكومي ومنتسبي الجيش والشرطة الذين يعملون في إطار سلطة الأمر الواقع الحوثية بدون مرتبات ويواجهون أوضاعاً معيشية مأساوية، نتيجة عدم التزام جماعة الحوثي بتوريد عائدات المشتقات النفطية لحساب خاص في البنك المركزي وصرفها كمرتبات.

لم تكن الحرب التي دخلت عامها الثامن وحدها هي الكارثة التي يعاني منها اليمنيون، فالحرب يمكن أن تكون وسيلة ضرورة للوصول إلى السلام وحماية الحقوق العامة وفرض الاستقرار، والأهم من ذلك إعادة السلطة إلى الشعب.

لذلك تبقى الكارثة الحقيقية بالنسبة لليمنيين هي في توظيف الحرب لتحقيق أهداف وغايات لا تخصهم؛ إلى الحد الذي يمكن معه القول إن سيطرة تحالف السعودية الإمارات على قرار الحرب حولها بالفعل إلى واحدة من أشد الوسائل هدما للدولة اليمنية وتبديداً لقدراتها وتصفيراً لخيارات شعبها، وهو أمر يستدعي من السياسيين اليمنيين التوقف عن الانصياع والتصفيق لكل ما يقوم به البلدان اللذان بددا أهم الإنجازات العسكرية في صفقات أنانية وسيئة للغاية.
الكارثة الحقيقية بالنسبة لليمنيين هي في توظيف الحرب لتحقيق أهداف وغايات لا تخصهم؛ إلى الحد الذي يمكن معه القول إن سيطرة تحالف السعودية الإمارات على قرار الحرب حولها بالفعل إلى واحدة من أشد الوسائل هدما للدولة اليمنية وتبديداً لقدراتها وتصفيراً لخيارات شعبها

لم تكن إيران وحدها من استغل الحرب اليمنية لتسوية مشاكلها الإقليمية والدولية، فها نحن نرى اليوم السعودية والإمارات تتصرفان بالقدر نفسه من الانتهازية لتسوية الخلافات الخطيرة مع الإدارة الأمريكية، مع فارق أن إيران استثمرت في جماعة الحوثي ودفعت بها إلى مستوى الاستحواذ الحقيقي على الدولة وإمكانياتها ومقدراتها، في الوقت الذي كانت الأجهزة السعودية والإماراتية ترى ذلك خطوة ضرورية لإنهاء ربيع اليمن، الذي كان قد جرى احتواؤه بسلسلة من التدابير التي أنتجت في نهاية 2011 سلطة انتقالية شديدة الخنوع والتكامل مع المصالح السعودية والإماراتية.
لم تكن إيران وحدها من استغل الحرب اليمنية لتسوية مشاكلها الإقليمية والدولية، فها نحن نرى اليوم السعودية والإمارات تتصرفان بالقدر نفسه من الانتهازية لتسوية الخلافات الخطيرة مع الإدارة الأمريكية

لا شيء أخطر من المسارات الفرعية التي فُتحت على هامش الحرب، وتأسيساً على الهدنة المرشحة للاستمرار، كأن تتحول معابر تعز -على كارثيتها- إلى قضية أكبر من مسألة وجود انقلاب لا يزال يسيطر على الدولة في صنعاء ويزداد رسوخاً، ويحدث هذا القدر الكارثي من التغييرات في هوية السلطة والدولة وفي الوعي والهوية العقائدية والثقافية للمجتمع.

وفي الجهة المقابلة من المعركة تتواصل المهاترات والصراعات بشأن المسافة الفاصلة بين الدولة الموحدة ومشروع الانفصال، حيث يواصل التحالف غض الطرف عن السلوكيات المذلة التي يتعرض لها أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في "معتقلهم المكيف" بقصر معاشيق، ومعها تتواصل التدخلات اللئيمة من جانب التحالف لتسوية الخلافات بطريقة الإقرار بالنتائج لا إلغائها، مما يعني أن معسكر الشرعية مرشح للذهاب إلى اتفاق رياض جديد.

 

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)