كتاب عربي 21

عبرات ونظرات في مجزرة أصحاب الأخدود

أحمد عمر
1300x600
1300x600
الجريمة الكاملة تعريفاً هي المُحكَمة التي يرتكبها المجرم من غير دليل أو أثر، لم يثبت أن قام مجرم مهما بلغ من الذكاء والاحتياط بارتكاب جريمة من غير أن يترك دليلاً، لا بد أن يترك أثراً، بصمة، شعرة تسقط من رأسه، لكن هذا كلام فيه نظر، وما نراه في أفلام التحقيق البوليسي أمثال مسلسلات كولومبو وأجاثا كريستي من دقة وعدل هي للمتعة والإثارة.

وقد ترك لنا مرتكبو مجزرة التضامن فيلماً مصوّراً موثقاً "للفضيلة" التي قاموا بها، كي يتباهوا بها أمام رؤسائهم أو مرؤوسيهم أو زوجاتهم وبناتهم، فالصور والفيديوهات باتت إحدى طرق الاستشفاء والاستبراء من القهر والغيظ، وإحدى طرق إعلان النصر. وقد ينجو القتلة الذين حصلوا على عفو، من القصاص في الحياة الدنيا لأنهم يرتكبون الجريمة الكاملة، مع أنها موثقة. الجريمة الكاملة هي التي يرتكبها القوي ضد الضعيف.

ومن رحمة الله بعباده، أن جعل الجريمة ناقصة والإنسان عاجزاً عن كمالها، وكُتب للضحية القصاص، وإنّ لكم في القصاص حياة. وقد سمّيت سورة البقرة باسمها لجريمة قتل، بسبب ما ورد فيها من قصة موسى عليه السلام مع قومه بشأن القتيل الذي لم يعرف قاتله، ثم بعد ذلك أمر الله موسى أن يأمر قومه بأن يذبحوا بقرة، فشدّدوا في طلب أوصافها، فشدّد الله عليهم.
المجزرة واضحة، مصوّرة، بل إن بعض مشاهدها سينمائية، خاصة المشهد الأول، ومقترفوها معروفون ويعترفون بارتكابها، فهم يدافعون عن الوطن، والسنّة عندهم كلهم دواعش و"عراعير"، بل بلغ من عجائبها أن أهل بعض الضحايا سعدوا بظهور ذويهم في الفيديو، وحمدوا القتلة على لطفه وكرمه، وقتلهم الضحايا من غير تعذيب

المجزرة واضحة، مصوّرة، بل إن بعض مشاهدها سينمائية، خاصة المشهد الأول، ومقترفوها معروفون ويعترفون بارتكابها، فهم يدافعون عن الوطن، والسنّة عندهم كلهم دواعش و"عراعير"، بل بلغ من عجائبها أن أهل بعض الضحايا سعدوا بظهور ذويهم في الفيديو، وحمدوا القتلة على لطفه وكرمه، وقتلهم الضحايا من غير تعذيب، فقد عصب القتلة الذين يحبّون اللهو؛ عيون الضحايا الذين أخذوا من الشارع، وأوهموهم بأنهم سيعبرون شارعاً فيه قناص، وكانوا قد حفروا أخدوداً، فعبر الضحايا البرزخ إلى الحياة الأخرى، وحرقوهم، ثم طمروهم، لله درّ ذكائهم، طمسا لمعالم الجريمة المصوّرة.

نذكّر القارئ بأشهر مشهد في فيلم أبو كاليبتو لميل جيبسون، الذي يروي قصص القرابين التي تقدّم للآلهة في حضارات المكسيك القديمة، وفيه يمنح القتلة الضحايا فرصة صغيرة للهرب في مسرح القتل، وينجح واحد في الهروب، وكانت الفرصة معدومة في أبو كاليبتو السوري، وأبو كاليبتو مصطلح توراتي يعني يوم القيامة.

وما إن علم الرئيس السوري الحنون، بشأن تحقيق الغارديان، حتى أصدر مرسوماً عقب ليلة القدر بالعفو عن كل الجرائم الإرهابية المرتكبة قبل تاريخ مجزرة التضامن. ولم ينسب المرسوم سبب الإصدار إلى فضائل رمضان، فسوريا الأسد بلد علماني، السبب هو الردّ على تقرير الغارديان الذي تجاهله إعلام العواصم العربية المضادة للربيع العربي، بما فيها دمشق. وقد بالغ ناشطون وصحفيون مشهود لهم بالخبرة بتقرير الغارديان الذي تعود مجزرته إلى سنوات، وتنادوا إلى رفع دعوى أمام المحاكم الدولية التي شبعنا من عدلها، وقصة وثائق القيصر المهملة في أدراج المحاكم والمؤسسات الدولية معروفة، وأثنوا على صحيفة الغارديان (اسمها يعني الحارس أو الوصي) التي حققت سبقاً صحافياً بعد سبع سنوات من ارتكابها، وروت قصة الفيلم وأبطاله هم: نصار شحود، وأور أوميت أونغر، وهما باحثان في المعهد الهولندي لدراسات الحرب والهولوكوست والإبادة الجماعية، ودمّر سليمان، باحث وعضو الشبكة الدولية للباحثين في شؤون العنف والحرب والإبادة الجماعية.
شرط القصاص في الدولة هو العدل، وشرطها بين الدول هو تناسب القوة، والعدل مفقود، والقوة منعدمة، فلن يعدو الخبر سوى كونه خبرا من الأخبار، سننشغل به عدة أيام ويُنسى

وهي قصة بوليسية واستخبارية، لو أنها ظهرت في صحيفة الأهرام أو الشرق الأوسط السعودية لما حفل بها أحد، وقد تتهم بالاختلاق، فصحفنا مشكوك بأمر صدقية أخبارها. لدينا عشرات الأفلام عن القتل، لن يقبل المجتمع الدولي بها، شهادتنا غير مقبولة.

شرط القصاص في الدولة هو العدل، وشرطها بين الدول هو تناسب القوة، والعدل مفقود، والقوة منعدمة، فلن يعدو الخبر سوى كونه خبرا من الأخبار، سننشغل به عدة أيام ويُنسى، وقد تبثّ إحدى الصحف الغربية تحقيقاً مضاداً لجريمة داعشية فيسوّى بينها وبين السوريين، وتنتهي المعركة الإعلامية بالتعادل.

أمجد يوسف "سفاح كريم"، لم يعذّب مثل غيره، فقتله سريع من غير ألم، وقد نُسب تصريح لأم بحثت عن ابنها المفقود تسع سنوات، ثم عثرت عليه، فسعدت بموته من غير تعذيب، وذُكر أنها وزعت الحلوى. وكانت الحكومة التركية إبان جريمة خاشقجي تسرب صور مقتله إلى صحيفة الواشنطن بوست، فتظفر الصحيفة بالمجد والبيع والاهتمام والتقدير، لأنّ شهادة الصحف التركية مطعون بصحتها، فالغرب القوي هو الحكم، والقاتل عظيم، وله أموال، وسلطان.
يظنُّ أن سبب كشف الجريمة في هذا الوقت مردّه الخصومة الروسية الأوربية. للفيديوهات تجار يشترونها من الطرفين، ويبيعونها لوكالات الأنباء العالمية التي تدّخرها للوقت المناسب

إن عمل قيصر، الشاهد الذي سرب صور مئات الضحايا تحت التعذيب في أبو كاليبتو السوري، منظم ومحترف، ووراءه قصة مثيرة أيضاً، وصوره متقنة، والضحايا بالآلاف، لكنها مركونة في الأدراج، قال جمال عبد الناصر مرة: الجريمة التي ليس لها صور ولا تظهر في الإعلام ليست موجودة، وفي حكم العدم، ثم تحول الزمان فأمسى الخبر الذي لا يرد على الصحف الأجنبية في حكم العدم.

يظنُّ أن سبب كشف الجريمة في هذا الوقت مردّه الخصومة الروسية الأوربية. للفيديوهات تجار يشترونها من الطرفين، ويبيعونها لوكالات الأنباء العالمية التي تدّخرها للوقت المناسب. ثمة عبرة من التقرير غير عبرة معرفتنا بالقتلة وجهلنا بأسماء الضحايا على خلاف الجرائم والمجازر، وغير غيرة الغارديان الطارئة ونفرتها للحقيقة، وغير بطولة نصار شحود (آنا العلوية) التي ندمت على التقرير بعد أن شاع بين الناس وأساء إلى طائفتها، وغير كرم الرئيس السوري بمرسوم العفو، ثمة عظة هي أنّ مرسوم العفو له وجوه عدة؛ هو عفو عن القتلة، وكمين للخصوم، ومصالحة وطنية، وصبغة تجميل أمام حكومات الغرب.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (1)
أبو العبد الحلبي
الثلاثاء، 03-05-2022 12:19 م
تتضمن الآية الكريمة 33 من سورة الإسراء في القرآن المجيد رفع معنويات لأبناء و لبنات أمتنا لكونها تتحدث عن وعدين صادقين للمظلومين في بلاد الشام المباركة و غيرها من بلدان المسلمين التي استشرى فيها القتل لأناس أبرياء بسبب مقاصد سياسية خبيثة و نتيجة مخططات استعمارية في منتهى حماقة قصر النظر . تقول الآية (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ). الوعدان هما لأولياء الدم أي أقارب المقتولين ظلماً : أن الله سبحانه و تعالى سيمنحهم سلطاناً على منظومة القتلة و أن الله جلَت قدرته سينصرهم على الأعداء القتلة المجرمين . شاهد تاريخي : قال أحد الصحابة رضوان الله عليه في تفسير الآية أن بني أمية كان منهم سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه المقتول ظلماً ، و أن أولياؤه كانوا بني أمية و على رأسهم سيدنا معاوية بن أبي سفيان و لقد سعى هؤلاء للاقتصاص من قتلة عثمان فمنحهم الله الدولة الأموية العظمى التي امتدت من الصين إلى إسبانيا ، و تمكنت تلك الدولة من قتل كافة قتلة عثمان بأساليب في غاية الدهاء امتدت على عدة سنوات و جرى قتل آخر اثنين من المجرمين على يد الحجاج بن يوسف "أي في عهد الخليفة الفقيه التابعي عبد الملك بن مروان رصي الله عنه" .