كتب

قراءة هادئة في حقوق المرأة كما جاءت في الخطاب القرآني

لم يسبق الإسلام دين ولم تتفوق على حضارته حضارة، في تقرير حقوق النساء
لم يسبق الإسلام دين ولم تتفوق على حضارته حضارة، في تقرير حقوق النساء
يعتقد البعض أن الإسلام وشريعته، هو من ظلم المرأة، وحرمها من حقوقها، وميز الرجل عنها، والحقيقة أن الإسلام بريء من ذاك، فهو دين العدل والمساواة بين الناس جميعاً، وهو أول من أعطى المرأة حقوقها كاملة وأعلى من قدرها، ورفع شأنها، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، ولم يميز الرجل عنها، ولم يشجعه في التسلط على المرأة، أو التعامل معها بقسوة وحرمانها من حقوقها، لكنة سوّى بينهما في الحقوق والواجبات، لأن المساواة بين الرجال والنساء أصل مقرر بنص القرآن الكريم: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء". 

ولم يسبق الإسلام دين ولم تتفوق على حضارته حضارة، في تقرير حقوق النساء، وجعلها مساوية لحقوق الرجال، فقد نزل الوحي مقرراً: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، ولأن من طبائع الرجال الاستبداد بنسائهن؛ فقد كان من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، أن يحسنوا التعامل معهن حيث قال: "استوصوا بالنساء خيراً" وأخبر أنهن والرجال سواء: "إنما النساء شقائق الرجال".

الكاتبة فوزية العشماوي، أستاذة الدراسات العربية والإسلامية، بجامعة جنيف بسويسرا، والخبيرة الخارجية لتطوير المرأة، في العالم العربي، والإسلامي، لدى منظمة اليونسكو بباريس، حملت على عاتقها، عبء توضيح، وتفسير كثير من الأمور التي اختلط فهمهما عند الكثير من الناس في هذا الشأن، من خلال رصد ما ذكر عن المرأة في القرآن الكريم، منذ الآيات الأولى، التي نزلت في مكة المكرمة، قبل الهجرة، حتى الآيات الأخيرة، التي نزلت في المدينة المنورة، وكيف تطور الخطاب القرآني في تقديم المرأة. 

تناولت العشماوي الكثير من هذه السور والآيات، بالشرح والتفسير، في هذا الكتاب، الذي تألف من 187 صفحة من القطع الكبير، قسمت ما بين ثلاثة أجزاء، تضمن كلا منهم فصلان، ثم الخاتمة، وقائمة بسور القرآن، والآيات المتعلقة بالمرأة، فالمراجع والهوامش، ونبذة عن المؤلفة.

سلطت العشماوي في الجزء الأول من الكتاب، حزمة من الأضواء، على النموذج الأولي للمرأة في الخطاب القرآني المكي قبل الهجرة، فتناولت في الفصل الأول منه، أمثلة لنساء عاديات من البشر، اللواتي أشير إليهن في الآيات، والسور المكية، دون ذكر أسمائهن، منهن النماذج السوية التي يقتدى بهن، ومنهن النماذج السيئة التي يجب تفاديهن، ثم دلفت في الفصل الثاني للحديث عن النساء حول الأنبياء، والملوك، وبعضهن أيضا نماذج سيئة يجب تفاديها، مثل امرأة لوط، وامرأة العزيز، والنسوة في المدينة، بينما كل نساء الأنبياء، فيما عدا امرأة لوط، وامرأة نوح، أمثلة ممتازة نفتخر بهن ونقلدهن؛ مثل زوجة أيوب، ومريم العذراء، وغيرهن، وصولاً إلى أمنا هاجر، وهي المثال الرائع للزوجة المطيعة، والأم الرؤوم.
  
المثال المتطور للمرأة، والذي يجب أن يقتدى به، كان موضوع الجزء الثاني، حيث تحدثت فيه العشماوي عن المرأة في الخطاب القرآني المدني، وبداية تشريع وتقنين وضع المرأة في السور المدنية، حيث استعرضت العشماوي الآيات والسور المدنية، التي أكدت على المساواة، التي أقرها القرآن المدني بين الرجل والمرأة، في العقاب، والجزاء والثواب، بعد أن أوضحت الفرق بين صورة المرأة في السور المكية حيث كانت ظلاً للرجل، وصورتها المتطورة في السور المدنية، حيث تطورت مع تطور المجتمع؛ من مجتمع القرية القبلي، في مكة المكرمة، إلى مجتمع المدينة، الذي تسود فيه تعددية ثقافية، وتشريعات جديدة، تجمع بين المؤمنين من المسلمين المهاجرين والأنصار، وبقية أهل المدينة، فنجد أن السور المدنية، تضمنت تشريعات لتقنين وضع المرأة المسلمة ، وتقنين حقوقها، كل هذه الحقوق التي سنتها الآيات المدنية، لا تسري فقط على نساء المسلمين في المدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هي حقوق مستدامة، يجب أن تتمتع بها المرأة المسلمة في كل زمان ومكان في هذا العالم. 

بيَّنت الكاتبة، في الجزء الثالث، النموذج المتكامل لوضع المرأة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وكيف أن الإسلام منحها مكانة وحقوقاً لم تكن تتمتع بها النساء، في أي مكان آخر في العالم، هذه المكانة التي يمكن أن تتطور مع تطوير المجتمع، دون المساس بالثوابت الأساسية، التي جاءت في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.

حالف المؤلفة عظيم الصواب، عندما خصصت الفصل الثاني من هذا الجزء والأخير، للرد على الافتراءات المتداولة في عصرنا الحاضر عن المرأة المسلمة، والتي أصبحت قضايا شائكة، تشوه المثال المتكامل للمرأة، حيث فندتها العشماوي، بالدليل القاطع، والحجة الدامغة من آيات القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة؛ مثل؛ حجاب المرأة المسلمة، وميراث المرأة المسلمة وغير المسلمة، وكذا المهر والإنفاق، وحقوقها في الزواج، والطلاق.
  
نجحت العشماوي في تقديم  كتابها، من خلال منهج موضوعي تحليلي، عرضت فيه تفسير مختلف الأمثال عن المرأة في القرآن الكريم، بأسباب النزول (خصوص السبب)، لشرح وتوضيح الظروف والملابسات التي نزلت فيها الآيات والسور، ثم الأخذ بمقاصد الآيات لنأخذ المثال كعبرة، ونموذج نقتدي به، أو نتفاداه.
 
وخيراً فعلت المؤلفة حين استندت في توثيق متن كتابها، على مصدر هام، شأن من تبعه "ألا يضل أبدا"، وهو القرآن الكريم، ونظراً لأن بعض الأمور المتعلقة بالنساء اللواتي أشير إليهن، قد ذكر بإيجاز شديد، استعانت العشماوي ببعض الأحاديث النبوية الشريفة، وبعض الروايات التي جاءت في أمهات الكتب الإسلامية لكبار المفسرين.

أخيراً، فنحن أمام عمل  بحثي أكاديمي، لا يسقط عن المثقفين، والباحثين المتخصصين في شتى العلوم الإنسانية، والمهتمين بحقوق الإنسان، وفي مقدمتهم المهتمين بحقوق المرأة وقضاياها، ليدرك الجميع أن الإسلام كفل للمرأة مكانة رفيعة؛ لو تم تطبيق المسلمين لها، كما كانت مطبقة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لحسدها عليها نساء العالم، وخاصة المرأة الأوروبية التي لم تحصل على كثير من حقوقها المدنية، والسياسية، إلا بعد صراع مرير، استمر أكثر من مائة عام أو يزيد، بينما المرأة المسلمة تمتعت بمعظم هذه الحقوق دون نضال ولا كفاح، منذ عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في حين ظلمها المجتمع في الوقت الحاضر، عندما إساءة تفسير وتطبيق آيات الله المحكمات، وسنة رسوله الذي لا ينطق عن الهوى.

التعليقات (0)