هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
استأنف نقيب المحامين التونسيين والوزير السابق عبد الرزاق الكيلاني، فور الإفراج عنه من السجن موفى الشهر الماضي، تحركاته الحقوقية في المحاكم وفي التظاهرات الثقافية والسياسية المعارضة لـ "حل البرلمان وتجميد الدستور" وتطالب بـ "استئناف المسارين الديمقراطي والبرلماني والتراجع عن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء والهيئات الدستورية"..
وانخرط الكيلاني في تحركات يتزعمها حقوقيون وسياسيون يساريون وليبيراليون وإسلاميون وقوميون من أجل تأسيس "جبهة للخلاص الوطني" و"مبادرة ديمقراطية" تعلن قريبا عن "خطة لإنقاذ البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية"..
الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس التقى الكيلاني وأجرى معه الحوار الآتي خصيصا لـ "عربي21":
عبد الرزاق الكيلاني يتحدث لكمال بن يونس
س ـ أستاذ عبد الرزاق الكيلاني عرفت منذ 1990 رئيسا لمنظمة المحامين الشباب في تونس وفي البلدان المغاربية ثم نقيبا للمحامين.. وبعد انتخابات أكتوبر 2011 توليت حقيبة وزارية ثم عينت سفيرا في جنيف.. وقد اتهمك بعض خصومك عند اعتقالك مطلع الشهر الماضي بـ"ممارسة السياسة" والانحياز إلى "حزب سياسي".. فأين الحقيقة؟
ـ أولا ممارسة السياسة والانتماء إلى الأحزاب ليست تهمة بل هي حق يضمنه الدستور والقانون.. لكن من روجوا ضدي "إشاعات" وحاولوا شيطنتي يعلمون جيدا أنني كنت دوما مستقلا عن كل الأحزاب وأنني رافعت عن كل السياسيين من مختلف التيارات بصفتي محاميا وعميدا للمحامين ورئيسا لجمعيتهم وعضوا في الهيئة الوطنية..
كما أنهم يعلمون أنني كنت في موفى 2010 ومطلع 2011 من بين الذين تصدروا مسيرات المحامين والحقوقيين بملابس المحاماة أمام قصر العدالة وفي الشوارع، لأن غالبية المحامين انخرطت وقتها في الحراك الشعبي والاحتجاجات ضد الظلم والاستبداد وساهمت في إسقاط حكم بن علي وفي إنجاح الطور الأول من الانتقال الديمقراطي..
والبعض يعيب علي إلى اليوم دوري في "ثورة الحرية والكرامة" في يناير 2011 وبعدها.. بما في ذلك عندما كنت سفيرا في جنيف لدى منظمات الأمم المتحدة وهيئات حقوق الانسان الأممية..
أغلب الأصدقاء والخصوم متأكدون جيدا من استقلاليتي ومن علاقات الصداقة التي تجمعني مع المحامين والسياسيين من كل التيارات في تونس وفي فرنسا وأوروبا والوطني العربي.. لذلك تضامن معي عند افتعال قضية عدلية ضدي في المحكمة العسكرية عشرات نقباء المحامين الحاليين والسابقين في تونس وفي فرنسا وأوروبا ومن الاتحادات الدولية للمحامين..
يشرفني أن أعرف نفسي بكوني محاميا وحقوقيا مستقلا يؤمن بعلوية الدستور والقانون وبالقيم الكونية..
ودون خوض في التفاصيل أنوه بكون أولوية الأولويات يجب أن تكون اليوم الاحتكام لدستور يناير 2014 الذي أنجزه المجلس الوطني التأسيسي التعددي المنتخب في أكتوبر 2011 بعد مشاورات شملت عشرات آلاف المواطنين والسياسيين، بينهم أكاديميون وخبراء من مختلف المدارس والتيارات بمن فيهم الأستاذ قيس سعيد.
هذا الدستور نموذجي عربيا لأنه نص على احترام "حرية الضمير" و"حرية المعتقد" وعلى مكاسب سياسية وحقوقية بالجملة.. يمكن تعديله لكن من قبل البرلمان المنتخب وليس عبر مراسيم وأوامر ظرفية..
البحيري وراضية النصراوي
س ـ لكن البعض اتهمك بالانحياز إلى حزب النهضة الإسلامي ويستدلون بمرافعتك عن نائب رئيس هذا الحزب الوزير السابق المحامي نور الدين البحيري؟
ـ هذه مغالطة أخرى لأني دافعت عن الزميل المحامي نور الدين البحيري مع عدد كبير من مشاهير المحامين الليبيراليين واليساريين والمستقلين بينهم الأساتذة أحمد نجيب الشابي ورضا بالحاج وحاتم قطران وإسلام حمزة ومحمد الهادفي رئيس المحامين في محكمة تونس وعضو الهيئة الوطنية وعبد الرؤوف العيادي وسمير ديلو...
وفي سياق مهمتنا حاولنا زيارة المحامي نور الدين البحيري في المستشفى، حيث كان في إضراب جوع وكانت حياته في خطر.. وعندما منعنا عون أمن من زيارته طالبته بقرار كتابي يبرر المنع.. فوقع افتعال قضية ضدي.. وانطلقت محاولات شيطنتي.. لكن المحامين التونسيين والأجانب الذين حضروا استنطاقي أمام القاضي العسكري، وبينهم محامون من فرنسا ورئيس فرع المحامين في تونس محمد الهادفي، أوضحوا أن القضية كانت مفتعلة..
ومن بين المهازل توجيه اتهامات مماثلة لعميد للمحامين مثلي رافع طوال عقود عن كل السجناء والمتهمين في قضايا سياسية ونقابية.. بينها قضايا تهم حقوقيين ومحامين محسوبين على "أقصى اليسار" مثل الصديقة المحامية والحقوقية راضية النصراوي وزوجها حمة الهمامي أمين عام حزب العمال.. الذي أنوه بما كتبه دفاعا عني عندما كنت في السجن..
وقد ذكر الصديق حمة بعلاقات المودة والتقدير التي جمعتني به وبزوجته الأستاذة راضية النصراوي طوال عقود.. وأسجل بكل فخر أني تعلمت منها الكثير مهنيا وحقوقيا.. وهي صديقة مثلما تجمعني علاقات صداقة بالأساتذة أحمد نجيب الشابي ونور الدين البحيري والعمداء شوقي الطبيب وعبد الوهاب الباهي والبشير الصيد.. وكل النقباء ورؤساء جمعية المحامين الشبان الذين وقفوا معي.. بصرف النظر عن ميولاتهم الفكرية والسياسية.. وكان بينهم مثلا الأستاذ محمد عبو الذي دافعت عنه بقوة عند تتبعه واعتقاله في 2005..
جبهة للخلاص والديمقراطية
س ـ وماذا عن انخراطك في المظاهرات التي دعا إليها القياديون في "المبادرة الديمقراطية" وحراك "مواطنون ضد الانقلاب" ومسار تشكيل "هيئة للخلاص الوطني"؟
ـ أسجل أولا أن المحامين وممثلي السلطة القضائية لعبوا دورا كبيرا جدا في تاريخ الكفاح الوطني والحقوقي في تونس منذ أكثر من قرن..
ويعرف الجميع أن نخبة من رواد الحركة الوطنية في عهد الاحتلال، بينهم الزعماء الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف والهادي نويرة وفتحي زهير وعبد الرحمان الهيلة.. كانوا محامين ومن رموز الأسرة القضائية الموسعة..
وخلال كل محاكمات المعارضين "اليوسفيين والقوميين والشيوعيين والديمقراطيين الليبراليين والإسلاميين والنقابيين والطلبة" كان المحامون في الموعد دفاعا عن الحريات والقانون والدستور.. وقد حصل شرف الدفاع عن عدد كبير منهم منذ مباشرتي للمحاماة قبل أكثر من 35 عاما..
وبعد منعرج 25 يوليو والقرارات التي أدت إلى "تجميد" الدستور والبرلمان الذي انتخبه ملايين المواطنين في 2019 ثم "حل" المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وهيئة مكافحة الفساد، وقفت مع الشخصيات والقوى التي تؤمن بعلوية الدستور والقانون وبأن الخلافات السياسية تحسم عبر الحوار بين الوطنيين والديمقراطيين وليس عبر "استخدام القوة" وإلغاء المؤسسات الشرعية المنتخبة..
الخلافات السياسية حقيقية.. ومطلوب من كل الأطراف إعلان نقد ذاتي بما في ذلك الأطراف التي شاركت في الحكم قبل ثورة 2011 وبعدها تلك التي وصلت إلى السلطة بعد انتخابات 2019..
وقد كنت وزيرا ثم سفيرا في 2012 و2013 و2014 أسجل أن من بين غلطات حكومات ما بعد ثورة 2011 أن كثيرا من أعضائها والمتحكمين فيها كانت من بين من تنقصهم الخبرة والكفاءة..
لكن لا بديل اليوم عن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وشرعية الانتخابات..
وعندما نتحدث عن حاجة البلاد إلى خطة للإنقاذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي فلا بد من دعم جهود الأطراف التي تدعم هذا المسار وبينهم الأصدقاء في "المبادرة الديمقراطية" وحراك "مواطنون ضد الانقلاب" ونخبة المحامين والأكاديميين الديمقراطيين..
وفي هذا السياق تتنزل انتقاداتي لمهزلة إحالة أعضاء البرلمان على محلات البوليس والمحاكم واتهامهم بـ"الانقلاب" و"التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" بسبب اجتماع افتراضي عبروا فيه عن موقف سياسي يعارض الانقلاب على الدستور..
وتشرفت أن شاركت وترأست في تحركات حول هذا الملف مع خبراء اقتصاد ودراسات استراتيجية ومع شخصيات وطنية مثل الأساتذة أحمد نجيب الشابي وجوهر بن مبارك ورضا بالحاج والحبيب بوعجيلة وشيماء عيسى وإسلام حمزة وعبد الرؤوف العيادي والصافي سعيد وأسامة الخريجي وغيرهم..
ولا يحرجني أن أعلن مجددا أن "محاكمة ممثلي السلطة التشريعية بقرار من السلطة التنفيذية يكرس النيل من مبدأ الفصل بين السلطات ومن استقلالية القضاء ومن شرعية المؤسسات المنتخبة.. وهو انقلاب على الدستور وعلى القانون.. ولا بد من حل سياسي ومن حوار وطني حقيقي لإنقاذ البلاد من مزيد الانزلاقات"..