هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
- تونس تواجه أزمة اقتصادية حادة بحكومة ضعيفة جدا وفاقدة للحلول.
- الحكومة ستتجه مجبرة لرفع أسعار المواد الأساسية والمحروقات وتجميد الأجور.
- المؤسسة المسؤولة عن استيراد الحبوب الغذائية توقفت عن إبرام بعض صفقات شراء القمح.
- الحل الوحيد لمعالجة الأزمة الآن هو أن نستبق الانفجارات والتوترات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية المقبلة.
- النظام يبحث عن إضفاء شرعية وهمية على مشروعه السياسي من خلال "الاستشارة الوطنية".
- الرئيس سيمضي قدما لتكريس مشروعه السياسي ما لم يجد أمامه سدا مجتمعيا وسياسيا يمنعه من الانحراف بالتجربة الديمقراطية.
حذّر السياسي التونسي البارز والأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، من "حدوث انفجار اجتماعي بتونس يصعب التحكم فيه، خاصة أن البلاد ستواجه صعوبات متزايدة خلال الفترة المقبلة، وسيطغى الجانب الاقتصادي والاجتماعي على سلم الأولويات وأجندة الاهتمامات الوطنية، وذلك في ظل غياب الحوار الوطني، وتفاقم الاحتقان الاجتماعي والسياسي".
وأوضح، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن "تونس تواجه أزمة اقتصادية حادة بحكومة ضعيفة جدا، وفاقدة للحلول، فضلا عن أن الحرب الروسية - الأوكرانية ستكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد التونسي الذي يئن من صعوبات حقيقية"، لافتا إلى أن الحكومة ستتجه مجبرة لرفع أسعار المواد الأساسية، ورفع أسعار المحروقات، وتجميد الأجور، وبالتالي ستزداد الأوضاع صعوبة أكثر فأكثر".
وقال: "الحل الوحيد إذا ما أردنا النجاح في المرحلة القادمة هو أن نستبق الانفجارات والتوترات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية التي سيكون لها انعكاس سلبي على الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد؛ فالحكمة تقتضي الاتفاق على حزمة من الإصلاحات، وأن تتحد جهود كل التونسيين لمواجهة كل التحديات، خاصة أن النظام الحالي يواجه عزلة دولية غير مسبوقة ستُعمّق من هذه الأزمة".
ورأى "الشابي" أن "الحديث عن بديل وطني في ظل الأوضاع الراهنة أمر مبكر نسبيا؛ فالبديل اليوم لمقاومة الحكم الفردي في البلاد هو التمسك بالمسار الدستوري الذي يتطلب عملا وطنيا كبيرا، أما الحديث عن تحالفات لإقامة سلطة بديلة عن سلطة قيس سعيد فهو حديث سابق لأوانه؛ ويجب أن تنصب جميع الجهود أولا من أجل فرض العودة للنظام الديمقراطي".
وتاليا نص المقابلة مع "ضيف عربي21":
ما انعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية على الأوضاع في تونس؟
بالطبع هناك انعكاسات على الاقتصاد التونسي، الذي يئن من صعوبات حقيقية؛ فتونس اليوم تمر بأزمة اقتصادية حادة، كما أن الحرب الروسية - الأوكرانية لها انعكاسات على جميع اقتصادات العالم، وفي مقدمتها الاقتصاد الأوروبي، لكون أوروبا أكبر شريك اقتصادي وتجاري لروسيا، وبالتالي سيكون هناك تأثير غير مباشر على تونس.
أيضا ارتفاع أسعار النفط، الذي جاوز سعر البرميل الواحد 140 دولارا ستكون له انعكاسات كبيرة على ميزانية الدولة التي وضعت حساباتها على أن متوسط سعر البرميل 75 دولارا، وهو ما تضاعف تقريبا، مما سيزيد المصاعب لتوفير موارد لميزانية الدولة، ويجب أن نذكّر أن ميزانية الدولة في العام الحالي تستدعي تمويلا أجنبيا يُقدر بـ 4 مليارات دولار، وهي غير متوفرة حتى الآن؛ لأن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لم تنطلق بعد، بالإضافة إلى أن ارتفاع أسعار النفط سيزيد من احتياجاتنا للقروض الخارجية أكثر بحوالي مليار دولار، مما سيُعقّد الوضع الاقتصادي في تونس.
أضف إلى ذلك، أن نصف احتياجات تونس من القمح ترد إليها من أوكرانيا، واليوم أوكرانيا ساحة حرب ومعارك، وهو ما أثّر على سعر القمح عالميا، وقد بلغني أن المؤسسة الوطنية المسؤولة عن استيراد الحبوب الغذائية قد توقفت عن إبرام عدد من صفقات شراء القمح بسبب تضاعف الأسعار، وبالتالي الانعكاسات الاقتصادية واضحة وخاصة على المواد المدعمة من الدولة، وعلى رأسها القمح وأسعار المحروقات، مما سيُكلّف الدولة دعما إضافيا في ظل وجود سلطة ما يُطلق عليها "منظومة 25 تموز/ يوليو" التي يرأسها قيس سعيد، والتي تفتقد لرؤية لمعالجة الأزمة الاقتصادية من الأساس، والآن نعاني في تونس من العجز في بعض المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية مثل الزيت المدعم، والقمح، والسكر، والأرز.. ومع استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية ستزداد الأوضاع صعوبة أكثر فأكثر.
كيف ترى حجم العزوف عن المشاركة في «الاستشارة الإلكترونية» التي من المقرر أن تنتهي خلال أيام قليلة؟
كنّا نتوقع من البداية ألا تلقى تلك الاستشارة نجاحا، والأرقام اليوم تنصفنا؛ فبالرغم من تسخير كل إمكانيات الدولة، وإنفاق المال العام على حث المواطنين على المشاركة، ظلت نسبة المشاركة ضعيفة جدا، ولا تصلح للرئيس الذي أطلق هذه الاستشارة حتى يبني عليها توجها لنظام سياسي جديد، ولتمرير مشروعه السياسي.
واليوم عدد المشاركين دون 400 ألف مشارك، وقد كان الغرض منها في البداية محاولة من الرئيس قيس سعيد للالتفاف على استحقاق الحوار الوطني، ومعالجة الأزمة العميقة التي كانت تمر بها تونس، فأطلق هذه "الاستشارة الشعبية" من خلال طرح بعض الأسئلة المغلوطة وحصر "آراء المواطنين" من خلال إجاباتهم على الاستشارة، وتقديم المقترحات لتعديل الدستور، والنظام الانتخابي، ثم الذهاب للانتخابات في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، كل ذلك لإضفاء شرعية شعبية على مشروعه السياسي، وفي آخر ظهور إعلامي للرئيس سعيد أقرّ بفشل هذه الصعوبات، وكعادته بحث عن شماعة يُعلق عليها هذا الفشل، ولذلك اتهم خصومه والمناوئين له بأنهم لعبوا دورا في عزوف المواطنين عن المشاركة في تلك الاستشارة، حتى قراره الأخير بمجانية الولوج إلى منصة الاستشارة الإلكترونية لم يغير من الأمر أي شيء، وظلت الاستشارة تراوح مكانها.
قيس سعيّد أعلن مؤخرا أن 82% من التونسيين يفضلون النظام الرئاسي، و92% يؤيدون سحب الثقة من النواب البرلمانيين استنادا للنتائج الأولية للاستشارة الإلكترونية.. كيف تنظرون لهذه الأرقام؟
هذه التصريحات صدرت بعد أسبوع واحد من انطلاق منصة الاستشارة، ولم تتجاوز نسبة المشاركة في ذلك الوقت 1% من الناخبين التونسيين، وهي إحصائيات وأرقام نسميها "نوفمبرية" نسبة لنظام 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الذي أسقطته الثورة، عندما كانت الانتخابات والاستفتاءات تتم بنسب تفوق الـ 90%؛ فالرئيس أراد أن يقول إن التونسيين يناصرون مشروعه السياسي، ويختارون النظام الرئاسي، وإنهم يريدون أن تجرى الانتخابات على دوائر ضيقة وبالنظام الفردي، وغيرها من المقترحات، وهو ما عزّز شكوكنا وانتقادنا لهذه الاستشارة، والتي وضعت لتمرير البرنامج السياسي الخاص بالرئيس، وهي عادة كل الأنظمة التي تبحث عن إضفاء شرعية وهمية على مشاريعها السياسية، وهو ما يؤكد تحفظنا على هذه الاستشارة، والأهداف المرسومة لها، وعلى المخرجات التي ستنتج عنها، وهو ما يجدّد دعوتنا لإيقافها فورا، والرجوع إلى طريقة حوار وطنية سليمة سواء سياسية أو مدنية أو اجتماعية للوصول لتوافقات للخروج بالبلاد من هذه الأزمة التي طالت وتعمقت أكثر من اللازم.
هل تعتقد أن الرئيس قيس سعيد سيمضي قدما في الاستفتاء على تعديل للدستور وتعديل نظام الحكم إلى نظام رئاسي؟
أعتقد ذلك؛ فالرئيس سعيد منذ أن جمع كل السلطات وهو يمضي قدما غير عابئ بالانتقادات، ولا بعدم التجاوب مع أطروحاته، بل سيمضي قدما لتكريس مشروعه السياسي ما لم يجد أمامه سدا مجتمعيا وسياسيا وشعبيا يمنعه من الانحراف بالتجربة الديمقراطية التونسية من تجربة رائدة أقامت دولة القانون والمؤسسات إلى تجربة تكرس من جديد الحكم الفردي ونظاما سياسيا أقرب إلى نظام الجماهيرية العربية الاشتراكية العظمى التي عانى منها الإخوة الليبيون، والرئيس سعيد الآن شعاره لا عودة للوراء، ويمارس سياسة الهروب للأمام، في محاولة منه لتكريس خياراته السياسية، وعلى القوى السياسية والحيّة في تونس أن تضع حدا لهذا الانحراف الحاد بالحياة السياسية والعودة للنظام الديمقراطي، والمسار الدستوري، والتوافق على حلول وخارطة طريق قادرة على إخراج البلاد من هذه الأزمة.
كيف ترى رفع الإقامة الجبرية عن القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري؟
هي خطوة جاءت متأخرة جدا، بعد أكثر من ستين يوما من الإقامة الجبرية المفروضة خارج إطار القانون، وبالاستناد على أمر رئاسي يعود لخمسين سنة مضت، عندما واجه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الحركة النقابية التونسية بالقمع والقتل، وهو ما يؤكد على وجود سلطة اليوم تنفرد بالقرار، وتتخذ قرارات غير ديمقراطية، لذا لا نفهم سبب وضعه قيد الإقامة الجبرية، وما هي الأسباب التي دفعت وزير الداخلية للتراجع عن هذا القرار، وكأن وزير الداخلية يتصرف كيفما يشاء في قضية حرية المواطن التونسي، ويتخذ القرارات دون تبرير ويتراجع عنها، وهو أمر مرفوض، وقد نبهنا إليه من قبل، حين وضعت شخصيات عديدة رهن الإقامة الجبرية مثل العميد شوقي الطبيب - رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد – وغيره من الشخصيات الذين وضعوا أيضا قيد الإقامة الجبرية ثم رفعت عنهم دون تبريرات، وهو ما يؤكد أن مجال الحريات العامة يضيق أكثر فأكثر، وأن السلطة القائمة في تونس تتجه نحو التضييق على الحريات، حتى حرية السفر والتنقل؛ فالعديد من النخب السياسية والنواب ممنوعون من السفر، وعليهم استشارة وزارة الداخلية قبل السماح لهم بمغادرة البلاد دون مراقبة قضائية، وهناك اليوم اعتقالات ومحاكمات للمدنيين أمام القضاء العسكري، ومحاكمة المدونين والناشطين الذين ينتقدون السلطة، وكلها دلائل على تراجع خطير للحريات في تونس، ورغم تعليق الرئيس العمل بمعظم مواد الدستور إلا أنه يصرّح بتمسكه بملف الحقوق والحريات، لكن على أرض الواقع هذه الحقوق والحريات تُنتهك يوميا.
هل الإفراج عن نور الدين البحيري سيؤدي إلى تصعيد جديد أم تهدئة وحوار؟
لا أعتقد أن هذا طريق الحوار أو التصعيد، لأن الإفراج عن نور الدين البحيري جاء نتيجة صموده، ودخوله في إضراب عن الطعام قارب من 60 يوما، وتضامن الديمقراطيين في تونس معه على الرغم من الاختلافات السياسية، لكن لا أعتقد أن خروجه له علاقة بالتصعيد أو التهدئة؛ فخروجه جاء بعد رفض داخلي وضغط دولي، ورفض لهذه السياسات القمعية.
كيف تنظرون لما يُقال حول توظيف القضاء العسكري في تصفية الخصوم السياسيين؟
مع الأسف القضاء العسكري اليوم يُوظف ويُقحم في تصفية وتكميم أفواه المعارضين السياسيين، وآخر ضحاياه هو العميد الأسبق للمحامين السيد عبد الرزاق الكيلاني الذي يقبع اليوم في السجن بقرار من قاضي تحقيق بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس، على خلفية ممارسة عمله كمحام وتوجهه لزيارة موكله الأستاذ نور الدين البحيري عندما كان رهن الإقامة الجبرية.
الآن الأستاذ نور الدين البحيري عادت له حريته وهو في منزله، بينما عميد المحامين الأسبق رهن الإقامة الجبرية، أيضا هناك أحكام عسكرية صدرت بحق نواب ومدونين، وهو ما يبعث على القلق؛ لأن السلطة في تونس تلجأ إلى القضاء العسكري وتتجنب القضاء المدني، لأن القضاء كان يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، والآن – كما يعلم الجميع – تعرضت السلطة القضائية إلى هجمة قوية من الرئيس قيس سعيد، الذي اتخذ قرارا بحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب، ونصب مكانه مجلسا معينا من قِبل رئيس الجمهورية، وله اليد الطولى في مراقبة أعماله، ليعود القضاء لمنطقة نفوذ السلطة التنفيذية، وهي محاولة كبيرة وخطيرة للنيل من استقلالية السلطة القضائية.
والقضاة التونسيون يخوضون اليوم نضالا كبيرا لرفض هذا النهج، ومعهم كل الديموقراطيين في تونس متمسكين باستقلالية القضاء، والرئيس سعيد يريد أن يلغي كل مكتسبات الثورة، ومكتسبات الدولة المدنية والديمقراطية، ويلغي كل المؤسسات الرقابية والسلطات المستقلة عنها من أجل بسط نفوذه وسلطته المطلقة، وفي المقابل ليس لديه أي تصور لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تمر بها البلاد؛ فكل التوجيهات والأعمال التي يقوم بها الرئيس منصبة على إلغاء الهيئات الرقابية والتعددية التي اكتسبها التونسيون في حياتهم السياسية، حتى يتسنى له السيطرة على الإدارة والدولة دون أن تكون له قدرة على معالجة الأوضاع والاستحقاقات الاقتصادية، وبالتالي يزيد الأوضاع صعوبة في بلادنا، ولا أعتقد أن الاستمرار في هذا النهج يمكن أن يطول أكثر من ذلك.
هناك دعوات للمعارضة التونسية للبدء في تجهيز البديل الوطني.. إلى أين وصلت تلك الدعوات؟
الحديث عن بديل وطني في ظل هذه الأوضاع مبكر نسبيا، البديل اليوم لمقاومة الحكم الفردي في البلاد هو التمسك بالمسار الدستوري، وعندما ننجح في هذه الخطوة - وهي خطوة تتطلب عملا وطنيا كبيرا - عندها نتحدث عن البدائل وعن المناخ السياسي، والتنافس على السلطة التي تمثل الإرادة الحرة للناخبين التونسيين عبر انتخابات عامة من خلال صناديق الاقتراع، والحديث اليوم عن تحالفات لإقامة سلطة بديلة عن سلطة قيس سعيد هو حديث سابق لأوانه؛ فيجب أن تنصب جميع الجهود أولا من أجل فرض العودة للنظام الديمقراطي.
برأيكم، هل يمكن أن ينجح الحوار والحلول الوسطى مع الرئيس قيس سعيد أم أنه "ليس هناك أي حل مع الانقلاب إلا نهايته"، كما يقول البعض؟
الرئيس قيس سعيد حتى الآن لم يبد أي استعداد للحوار، ولم تكن لديه قابلية لذلك، وحتى قبل استيلائه على مقاليد الأمور في تموز/ يوليو الماضي لم يعرف عنه أنه رجل حوار أو تفاعل مع القوى الأخرى؛ فهو يدير الدولة دون تواصل مع الآخرين؛ فلم يستقبل الأحزاب السياسية المؤيدة له فضلا عن المعارضة، ولقاءاته تعد على أصابع اليد الواحدة، ولم يجرِ أي حوار مع وسائل الإعلام الوطنية الكبرى في تونس إلا حوارا يتيما بعد مائة يوم من توليه المنصب، فالحوار لا يحتل أي مكان في رؤية الرئيس قيس سعيد أو تصوراته.
لذلك، لن تحل أي أزمة في تونس إلا عن طريق الحوار، ولا بد أن تنجح القوى السياسية المتمسكة بالخيار الديمقراطي في قلب موازين القوى لحمل الرئيس على القبول بهذا الحوار، حوارا وطنيا شاملا جامعا لا يستثني أحدا إلا مَن يرفض الحوار، وعلينا قبل ذلك تهيئة المناخات السياسية تحضيرا لانطلاق هذا الحوار، وهذا لا يعني أننا سنبقى رهن إرادة شخص واحد لإقامة هذا الحوار حتى لو كان رئيس الجمهورية.
وأعتقد أنه حان الوقت لكل القوى السياسية والمجتمعية لتبدأ بالتواصل فيما بينها لتهيئة المناخ السياسي لإقامة هذا الحوار، ونتمنى أن يكون الرئيس طرفا فيه، لكن لا يشترط أن يتوقف عليه، وأن تلتقي القوى الحيّة وتتفق على خارطة طريق ثم تتفق على طريقة لفرض هذه الخارطة، وهو أمر حتمي ربما تفرضه الأيام القادمة على جميع القوى السياسية في البلاد.
لكن ما فرص نجاح هذا الحوار؟
إما أن ننجح في هذا الحوار وإنقاذ بلادنا من التفكك، أو تدخل تونس وتواصل – لا قدر الله – في هذا النفق المظلم الذي دخلته منذ عدة أشهر، نحن نعتقد أنه «بقدر أهل العزم تأتي العزائم» بمعنى: بقدر إيماننا بأهمية هذا الحوار، واستعادتنا للقوى الحيّة، واستعادتنا للرأي العام وفرض هذا الحوار، يمكن له أن ينجح، وعلى القوى السياسية اليوم في تونس أن تقوم بالتنازلات الضرورية، لا من أجل بعضها البعض، ولكن من أجل المصلحة الوطنية العليا، وأن تقبل بالجلوس، وتقدم المقترحات، وتواجه الفكرة بالفكرة بديلا عن الانفراد بالحكم، عندما تنجح القوى السياسية والمجتمعية برسم ملامح خارطة الطريق والإنقاذ الوطني، والاتفاق على الشخصية الوطنية لقيادة المرحلة القادمة، ومرحلة انتقالية جديدة للإنقاذ الوطني عندها يمكن أن نتحدث عن النجاح، نحن اليوم بالخطوات الأولى في هذا الطريق، لكن علينا أن نسرّع هذه الخطوات ونُكثّف العمل من أجل بلوغ أهدافنا.
ما تلك التنازلات المطلوبة من القوى السياسية المختلفة برأيكم؟
التنازلات المطلوبة من القوى السياسية أولا: خفض حدة التوترات؛ فالمناخ السياسي في تونس متوتر وحاد جدا، وتقليل الانقسامات، وهذا لا يعني إلغاء التنافس أو التغاضي عن محاسبة من كان سببا في الوصول بالبلاد لهذه الأزمة العميقة، لكن قدرنا أن نجلس كما تتطلب الحكمة والعقل، وعلى كل الفرقاء السياسيين أن يقبلوا ببعضهم البعض، وما زلت أضرب مثالا بالحرب الروسية – الأوكرانية؛ فبالرغم من المعارك الدائرة إلا أن جلسات التفاوض عُقدت مرات متعددة ولم تتوقف؛ فإذا كان هذا بين المتحاربين فكيف بنا ونحن نختلف على الحلول، ونحن لم نصل والحمد لله للنزاعات المسلحة أو العنف، لذا علينا أن نقبل بالحوار، وأن نخطو هذه الخطوة، وقد نجحنا في السابق عندما نظمنا حوارا وطنيا نال استحسان الداخل والعالم، ومُنحت تونس على إثره جائزة نوبل للسلام، فلنا تجارب وقدرة على النجاح فلماذا نهدرها اليوم، ونستسلم لمحاولة الرجوع للوراء.
هناك توقعات بأن يلقي قيس سعيد خطابا -خلال أيام- حول طبيعة رؤيته للمرحلة القادمة.. فما توقعاتكم لهذا الخطاب المرتقب؟
لا أتوقع أن يكون هناك خطاب بالمعنى المعروف للخطابات التقليدية لرؤساء الدول حول المراحل القادمة والتوجهات والإصلاحات، لأن تقنية الرئيس قيس سعيد الاتصالية بأن يتوجه للتونسيين عبر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية عند لقائه بأعضاء الحكومة بكلمات غالبا ما تتسم بالحدة والتوتر والتهديد والوعيد؛ فلا نلمس رؤية للمستقبل أو محاولة لجمع التونسيين على كلمة سواء، من أجل مواجهة هذه التحديات.
لذا، لا أتوقع أن يكون هناك خطاب بالمعنى الذي تحدثت عنه في سؤالك، إلى أن تنجح القوى الحيّة في تونس في تعديل موازين القوى، وفرض حلول لمواجهة هذه التحديات.
هل تعتقد أن قيس سعيد سيظل في منصب الرئاسة حتى انتهاء فترة ولايته الحالية في تشرين الأول/ أكتوبر 2024؟
هذا يدخل في باب التنجيم، وأرفض أن أكون منجما سياسيا؛ فأنا سياسي ومسؤول في حزب سياسي، وقد رفضنا قرار الرئيس قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان، وانقلابه على الدستور، ورفضنا قراره بوضع السلطة التنفيذية تحت سلطته بالكامل، ورفضنا حل المجلس الأعلى للقضاء، والإضرار باستقلالية السلطة القضائية؛ لأننا نؤمن بالمؤسسات وبالاستقرار، ونريد لبلادنا أن تكون مستقرة، وبالتالي لا أعمل على عزل الرئيس قيس سعيد أو الدعوة إلى ذلك قبل نهاية ولايته الدستورية، ندعوه لاحترام المؤسسات، ونحن نحترمه ما دام هو يحترم الدستور، وهو يمثل مؤسسة مهمة من مؤسسات الدولة، ولا نسعى نحو التصعيد الميداني، بل نريد العودة والاحترام الكامل لعمل المؤسسات، لذلك أرفض التحدث عن مثل هذه الاستنتاجات السابقة لأوانها، وهي أقرب للتنجيم السياسي منها إلى التحليل أو وضع الحلول.
ما السيناريو الذي تتوقع حدوثه مستقبلا في تونس؟
قيل قديما: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، وفسحة الأمل في بلادنا قليلة وتضيق مع الأسف؛ فالتوقعات أن تونس ستلقى صعوبات متزايدة، وسيطغى الجانب الاقتصادي والاجتماعي على سلم الأولويات وأجندة الاهتمامات الوطنية؛ لأن تونس اليوم تواجه أزمة اقتصادية بحكومة ضعيفة جدا، وفاقدة للحلول، وهناك تداعيات أزمة دولية ستزيد من تداعيات الأزمة التونسية، هناك غياب للحوار الاجتماعي، وهناك احتقان اجتماعي قد يؤدي لانفجار اجتماعي يصعب التحكم فيه، والحكومة التونسية ستتجه مجبرة – رغم شعارات رئيس الجمهورية - لرفع أسعار المواد الأساسية، ورفع أسعار المحروقات، كما ستتجه لتجميد الأجور، والمواطن التونسي اليوم عنده معركة يومية للبحث عن المواد الأساسية.
وهذه الأوضاع ستكون على رأس جدول الحياة السياسية في تونس، وستزيد الأوضاع احتقانا وتوترا، والحل الوحيد إذا ما أردنا النجاح في المرحلة القادمة هو أن نستبق الانفجارات والتوترات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية التي سيكون لها انعكاس سلبي على الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد؛ فالحكمة تقتضي أن نستبق هذا بخطوة من أجل الاتفاق على حزمة من الإصلاحات، والعودة بالبلاد مرة أخرى إلى المسار الدستوري، وأن تتحد جهود كل التونسيين لمواجهة هذه التحديات، خاصة وأن النظام الحالي يواجه حاليا عزلة دولية غير مسبوقة ستُعمّق من هذه الأزمة.
إذن فالأيام القادمة تبدو صعبة جدا في تونس، وعلينا أن نتمسك بخيط الأمل، وأن نضغط من أجل عودة مؤسسات الدولة، حتى تعمل بصورة طبيعية في خدمة الشعب التونسي، وكمؤسسات قادرة على إيجاد حلول وتيسير حياة المواطنين، وليس الأولوية كما يفعل اليوم الرئيس قيس سعيد مع الأسف؛ فالأولوية القصوى والوحيدة لديه هي جمع كل السلطات بين يديه فقط، دون أن يضع هذه السلطات في خدمة الاستحقاقات الوطنية وحل الأزمات التي تعاني منها البلاد.