هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ آذار (مارس) 2021 تاريخ إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل خارطة طريق لحوار وطني يهدف إلى إصلاح منظومة الحكم ومعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتونس تعيش على وقع سؤال لا يزال يتردد باستمرار: هل تغادر البلاد مفترق الطرق للخروج من الأزمة؟
لقد كانت حصيلة التفاعل مع الدعوة للحوار قبل 25 تموز (يوليو) 2021 سلبية، حيث واجهها رئيس الدولة بالرفض من أجل الوصول بالأوضاع لما وقع.. وكذلك أطراف الحكم التي بقيت تدور في حلقة مفرغة من المحاولات الجزئية الترقيعية دون تقدير للمخاطر المحدقة بالمسار.. أما المعارضة فقد بقيت أسيرة لحساباتها الصغيرة وحقدها الأيديولوجي الذي جعل البعض منها يدعو للانقلاب على الديمقراطية لإقصاء منافسيه.
بعد 25 تموز (يوليو) وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر أصبحت البلاد تعيش حالة خروج كامل عن الشرعية وانقلاب على الديمقراطية كامل الأوصاف والشروط متمثلا في تجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع اعتداءات ممنهجة على الحقوق والحريات وعجز عن حلحلة الأزمة الاقتصادية أمام تمسك المؤسسات المالية الدولية بعودة الديمقراطية والشرعية الدستورية كشرط أساسي لتمويل الميزانية، إضافة إلى موافقة كتابية من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة على الإصلاحات المتعلقة بالمالية العمومية وصندوق الدعم والمؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية وغيرها.
كما وأن المحادثات لا تزال في طورها الأول الذي يمر بأربعة مراحل للتوصل لاتفاق وذلك بعد أن توقف مسار المفاوضات مع الصندوق الذي انطلق قبل 25 تموز (يوليو) 2021 وكان من المقرر أن ينتهي باتفاق في أيلول (سبتمبر) الماضي .
هذه التطورات الاقتصادية السلبية بدأت تفعل فعلها اجتماعيا اليوم من خلال النقص الفادح في المواد الأساسية وتدهور المقدرة الشرائية بما جعل الأوضاع مرشحة للتوتر في ظل توقعات بقيام أزمة اقتصادية عالمية أخرى بسبب الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي جعلت سعر النفط يصل إلى ما بين 100 و140 دولار للبرميل، وكذلك سعر القمح الذي بلغ قرابة 500 دولار للقنطار الواحد وغيرها من المواد خاصة وأن تاثيراتها لم تصل بعد إلى بلادنا وأن ميزانية الدولة لعام 2022 قد بنيت على سعر أقصى للبترول لا يتجاوز الـ 75 دولار للبرميل .
هذه الأوضاع التي تعيشها تونس بما يكتنفها من غموض وما يتهددها من مخاطر تجعلها في أشد الحاجة إلى الحوار الوطني الجامع والتوافقات السياسية والاقتصادية المعقولة للخروج على أساسها من المأزق.. فهل توجد مؤشرات على ذلك أم أن حالة الانسداد لا تزال متواصلة؟
رغم أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد أعاد ترتيب بيته الداخلي بعقد مؤتمره الشهر الماضي ومكن الأمين العام وبعض أعضاء المكتب التنفيذي من عهدة قيادية ثالثة ودعم الانسجام داخل القيادة النقابية بما أتاح للأمين العام إمكانية القيام بمبادرة وطنية مسؤولة لإنقاذ البلاد، فإن المنظمة لا تزال تراوح مكانها بين التأكيد على إلحاحية الحوار الوطني الجامع وضرورته وبين ما يبدو من بوادر ارتهان لتوازناتها الداخية والحسابات السياسوية الضيقة لدى بعض الأطراف داخلها.. وقد اتضح ذلك بعد أن أعلنت قيادتها إثر المؤتمر عقد مجلس وطني في الغرض دون تحديد موعد إلى الآن في ظل أوضاع متسارعة لن يكون تطورها إلا على حساب الشغالين وكل الفئات الشعبية .
في ظل حالة الانسداد التي عليها الأوضاع لم يبقَ للتونسيين سلطة ومعارضة ومنظمات وطنية ومجتمع مدني ومواطنين إلا التنازل من أجل تونس والمسارعة بالجلوس إلى طاولة الحوار الوطني بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين لبناء توافقات وطنية حول تجاوز الأزمة والعودة للشرعية الانتخابية.
أما بخصوص منظمة الأعراف فإن موقفها من تطور الاحداث بعد 25 تموز (يوليو) الماضي كان غامضا ولا يزال إلى الآن، إلا من بعض القلق الذي تعبر عنه أحيانا رغم ما تؤشر عليه الأزمة من انعكاسات سلبية على منظوريها .
وكذلك الحال بالنسبة لاتحاد الفلاحين الذي لم يعلن موقفا صريحا رغم ما تعرض له من محاولات استهداف .
كما أن الأطراف السياسية المعارضة للانقلاب لا تزال تدور في حلقة مفرغة رغم تطور آدائها في الأشهر الماضيه الذي لم يرتقِ إلى مستوى التحدي السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم ولا يتناسب مع نسق تدهور الأوضاع، حيث لم تتوصل إلى حد الآن للإعلان عن جبهة سياسية على أرضية برنامج الحد الأدنى الديمقراطي بل إنها لم تتوصل إلى إعلان تنسيقية فيما بينها وأقصى ما توصلت إليه هو التحرك السياسي والميداني المشترك الذي لا يزال متعثرا ويبدو أن المواقف فيه لا تزال مرتهنة لتقييمات ما قبل 25 تموز (يوليو) الماضي وحسابات المستقبل والتردد دون تفكير في الحاضر الذي تعتبر العودة للديمقراطية أولويته الأساسية.
الظاهر أن هذه الحيثيات قد جعلت السلطة القائمة تواصل التصلب وسياسة الهروب إلى الأمام وتكريس الأمر الواقع والمراهنة على تطبيع الأوضاع دون اعتبار للمخاطر الاقتصادية والاجتماعية أو اكتراث بكل مكونات الساحة السياسية والشركاء الدوليين الذين يصرون على عودة الديمقراطية والحياة الدستورية خاصة وأن خارطة الطريق المعلنة لا تحقق ذلك في ظل ما هي عليه من فشل في علاقة بالاستشارة الإلكترونية والمواعيد الانتخابية التي لا تمكن الآماد الزمنية المتبقية الآن من إنجازها وفق المعايير الدولية.
في ظل حالة الانسداد التي عليها الأوضاع لم يبقَ للتونسيين سلطة ومعارضة ومنظمات وطنية ومجتمع مدني ومواطنين إلا التنازل من أجل تونس والمسارعة بالجلوس إلى طاولة الحوار الوطني بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين لبناء توافقات وطنية حول تجاوز الأزمة والعودة للشرعية الانتخابية.
في هذه المرحلة المهمة من تاريخ تونس التي تقع المسؤولية فيها على عاتق اتحاد الشغل وأمينه العام بالأساس من أجل المبادرة بالضغط على الجميع للمشاركة دون شروط مسبقة.
فهل تعيش تونس ربيعا ديمقراطيا ثانيا مدخله الحوار وبناء التوافقات؟
*كاتب وناشط سياسي تونسي