تقارير

مخيم الدهيشة "المؤقت" يحلم بالحرية و"اليونسكو"

 مخيم الدهيشة لا يقل أهمية عن بلدة ماتشو بيتشو الأثرية المذهلة في البيرو، ويضاهي في الروعة تاج محل
مخيم الدهيشة لا يقل أهمية عن بلدة ماتشو بيتشو الأثرية المذهلة في البيرو، ويضاهي في الروعة تاج محل

لم تتوان صحيفة "الغارديان" البريطانية عن وصف مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم بأنه "لا يقل أهمية عن بلدة ماتشو بيتشو الأثرية المذهلة في البيرو، ويضاهي في الروعة تاج محل في الهند".

وأثارت مطالبة بعض الخبراء والفنانين بوضع المخيم على قائمة منظمة "اليونسكو" للتراث العالمي، الكثير من الأسئلة حول هوية سكانه وهو يعتبر أحد نقاط المواجهات الساخنة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.

يقع مخيم الدهيشة جنوب شرق مدينة بيت لحم في الضفة الغربية ويبعد عن مدينة القدس 23 كم، وبلغت مساحته عام 1949 حوالي 258 دونما، ثم وصلت إلى 340 دونما.

ومنذ البداية أخذ المخيم صفة "المؤقت" بعد أن تأسس عام 1949 كمخيم مؤقت للاجئين فلسطينيين يعود أصلهم إلى 45 قرية غربي القدس والخليل غادروا بيوتهم في حرب 1948 تحت نيران العصابات الصهيونية وبعد تدمير قراهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
 
ضم المخيم في بداية تأسيسه نحو 3200 نسمة، وارتفع العدد عام 1967 إلى نحو 4200 نسمة، ووصل حاليا بحسب تقديرات "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" لعام 2020، إلى 9311 نسمة، وتقول إحصائيات أخرى إن الرقم ربما وصل إلى 15 ألف نسمة.

 

 

                      أزقة المخيم ترمز إلى البؤس والمعاناة الفلسطينية


ونظرا إلى أن المخيم اعتبر وقت إنشائه حلا إنسانيا مؤقتا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، فقد بدأت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في نهاية خمسينيات القرن العشرين ببناء وحدات سكنية بسيطة كانت تتكون من غرفة واحدة مساحتها 10 أمتار مربعة (وفق قاعدة متر مربع واحد للفرد) وحمام مشترك بين كل 15 مأوى، وكان للغرفة سقف معدني يسمى "الزينكو" وأرضية من الباطون، وبمرور السنين قام اللاجئون ببناء بيوت أوسع من الوحدات التي بنتها "الأونروا"، وأضافت العائلات مزيدا من الغرف والأراضي وتوسيعها وبنائها بحسب الحاجة.

وكانت "الأونروا" قد استأجرت الأرض من الحكومة الأردنية التي كانت تتبعها منطقة بيت لحم، ولا تزال الدولة الأردنية تمتلك الأرض من الناحية الفنية والقانونية. 

وبعد مرور أكثر من 73 عاما، اختلف المشهد في مخيم الدهيشة فلم تعد هناك خيام، بل منازل خرسانية متعددة الطوابق متعرجة بين شوارع وأزقة ضيقة، كما أنه أصبح هناك متاجر ومدارس ومساجد، وتبرز قضبان التسليح الفولاذية من معظم أسطح المنازل، ويبدو أن ثمة سببا وجيها يجعل كل شيء يبدو غير مكتمل وكأنه "مؤقت".

وأثناء الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987 أقام جيش الاحتلال سياجا حول المخيم وبقي الجدار حتى عام 1995، حين أصبح المخيم تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

 

                          إحدى طرقات مخيم الدهيشة الضيقة

ولم ينزو المخيم في زاوية مظلمة من الذاكرة رغم المعاناة والفقر فقد بقي يتردد في نشرات الأخبار كأحد نقاط التماس مع الاحتلال الذي اقتحم المخيم أكثر من مرة، ما كان يتسبب في ارتقاء عدد من الشهداء من أبناء المخيم، لكن ما جعل المخيم يصعد إلى واجهة الأخبار الرئيسية من جديد هو عامل آخر.

فقد استغل الفنان التشكيلي الإيطالي أليساندور بيتي، وزوجته الباحثة الأكاديمية الفلسطينية ساندي هلال مؤسسة جمعية "الدار للتخطيط العمراني والفني"، معرض "موزاييك رومز" الذي أقيم هذا العام في العاصمة البريطانية لندن، لعرض صور من المخيم والقرى الفلسطينية التي دمرت في حرب عام 1948 .

وبحسب عدة تقارير صحفية بريطانية تناولتها كبرى الصحف البريطانية فقد رأى الصحفي البريطاني أوليفر واينرايت أن المخيم يستحق أن يدخل قائمة "اليونسكو" وأن يحصل على وضع حماية كموقع تراثي باعتباره يعبر عن "تراث عديمي الجنسية".

أليساندور بيتي وساندي هلال عرضا على هامش المعرض مجموعة من الصناديق الضوئية الكبيرة، وضع عليها صورا ساحرة التقطها المصور الإيطالي لوكا كابوانو، الذي جرى تكليفه مرات عدة من قبل "اليونسكو" لتوثق مواقع التراث العالمية في بلاده.

 

                        معرض لصور مخيم الدهيشة بلندن

واعتمد كابوانو على التقاط صور للمخيم في الليل، مع تسليط إضاءات ساحرة عليها تضفي عليها أجواء من الرومانسية.
  
ومنذ عام 2007، يعمل الزوجان على تجميع ملف لتقديمه إلى "اليونسكو" يدعون فيه إلى إبراز "القيمة العالمية المتميزة" للموقع باعتباره موقعا يعبر عن "أطول وأكبر عملية نزوح في العالم" بحسب "الغارديان".

المشروع يسعى إلى إدراج المخيم و44 قرية هجر أصحابها منها إلى مخيم الدهيشة، على لائحة التراث العالمي، وذلك "لأن نمط البناء في المخيم يجسد ذكرى النكبة، ويعبر عن حيز استثنائي اجتماعيا وسياسيا، كما أنه يرتبط بإيمان استثنائي بحق العودة لجميع اللاجئين"، بحسب ساندي هلال.

المخيم الذي لا يزال يطلق عليه "المؤقت" توسع وبات أشبه بقرية كبيرة تكتظ بالسكان الفقراء والمحرومين والمحاصرين الذين لا يزالون يحلمون بالخروج منه إلى فضاء الحرية. 

ويوما بعد يوم أصبح المخيم يغص بالمباني الخرسانية والشوارع والأزقة الضيقة، وكأنه خارج المكان والحيز الإنساني.

المراجع

ـ أوليفر واينرايت، "الغارديان"، مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين.. هل يصبح من مواقع التراث العالمي؟ 20/10/2021. 
ـ وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا)، المخيمات في الضفة الغربية.
ـ موقع الحرة، الدهيشة.. جهود لوضع مخيم فلسطيني على قائمة "التراث العالمي" ، 15/10/2021
ـ خليل موسى،  اندبندنت عربية، محاولة لإدراج مخيم الدهيشة الفلسطيني على لائحة التراث العالمي.
ـ العربي الجديد، الدهيشة.. مخيم فلسطيني يسعى للحصول على مكانة في التراث العالمي لليونسكو، 15/10/2021.


التعليقات (0)