للمرأة
الفلسطينية ميزاتها الخاصة، ليس فقط لكونها من فلسطين، ولأنها أحد أهم مرتكزات ترسيخ الهوية الفلسطينية في أذهان الأجيال الفلسطينية المتعاقبة، وإنما أيضا لإسهامها الفعال في نحت الكيان الفلسطيني أدبا وممارسة يتوارثه الأجيال.
يلحظ المتابع لتاريخ القضية والكفاح الوطني الفلسطيني ضد كل الغزاة لفلسطين، وفي مقدمتهم المحتل الصهيوني الذي يعتبر الأخطر على الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية، يلحظ بشكل جلي مشاركة كافة شرائح الشعب الفلسطيني بالنضال بأشكال عدة لدحر الغازي؛ وكان لافتاً بشكل حاسم حضور الشابات الفلسطينيات على كافة الجبهات حتى تنتصر فلسطين؛ وفي مقدمتهن الشهيدتان الأيقونتان لينا النابلسي ورجاء أبوعماشة.
لينا النابلسي
هي فتاةٌ فلسطينية وُلدت عام 1959 في مدينة نابلس، حيثُ قتلها الجنود الإسرائيليون خلال تظاهرةٍ جرت في المدينة بتاريخ 16 أيار/ مايو 1976. كانت معروفة بحبها للكتابة والتطريز والتمثيل المسرحي باللغة الإنجليزية، وذلك باعتبار أن والدتها كانت تُدرس اللغة الإنجليزية، كما كانت ناشطة في العمل السياسي وشاركت في هبة يوم الأرض في الثلاثين من آذار/ مارس من عام 1976. وقد شاركت لينا النابلسي وهي في طريق عودتها من المدرسة في التظاهرات في مدينة نابلس، حيث كان هناك إطلاق نار من قبل جنود المحتل الصهيوني على المتظاهرين الفلسطينيين المتسلحين بحجارة وطنهم.
اختبأت لينا في ورشة أحد الحدادين إلى أن هدأت الأوضاع، ثم حاولت التوجه إلى منزل صديقتها؛ وفي هذه الأثناء تعقبها جندي إسرائيلي وأطلق الرصاص عليها فأصابها في القلب، مما أدى إلى استشهادها فورًا. كانت لينا ثاني شهيدات نابلس بعد حرب 1967 وذلك بعد شادية أبو غزالة، التي ارتقت أثناء إعداد عبوة ناسفة عام 1968.
خَلدَ ذكراها العديد من الأدباء والفنانين والمغنيين وذلك لتأثر العديد بوفاتها ومنهم: لينا لؤلؤة حمراء للفنان المصري الشيخ إمام كلمات فدوى طوقان. يا نبض الضفة للفنان أحمد قعبور كلمات حسن ظاهر. أغنية جسر عودتكم لطبيبين مصريين أهدوها للينا النابلسي. رسمها الفنان الفلسطيني سليمان منصور بعد أن صادرت إسرائيل صورتها الحقيقية وهي مضرجة بالدماء.
وكتب رئيس بلدية نابلس يوم ارتقت لينا النابلسي: "بعد انتخابات دوائر البلدية سنة 1976 بأسابيع قليلة، كأن أول تعامل ساخن مع سلطات
الاحتلال، يوم استشهاد لينا، حين فقد شعبنا فتاة مميزة، اغتيلت في بيت صديقتها، بعد مظاهرة طلابية، فقد أراد اغتيالها هي بالذات، حيث كان بإمكانه اعتقالها، لكنه صمم على أن ينهي حياة واعية نشطة مجتهدة محبوبة ناجحة.. عرفت قيمة لينا بأعمق صورة عندما زرت المدرسة العائشية، واجتمعت في الساحة مع الطالبات والمعلمات، وكنت أرى الدموع في عيونهن، والهدوء الحزين الذي يحتفظ بلينا".
رجاء حسن أبو عماشة
زخر تاريخ الشعب الفلسطيني بأسماء نساء وشابات فلسطينيات ساهمن بشكل مباشر بالكفاح الوطني الفلسطيني والدفاع عن الهوية الوطنية خوفاً عليها من التغييب، ومنهن الشهيدة رجاء أبوعماشة، التي ولدت في قرية سلمة في مدينة يافا عام 1938، وتوفيت في كانون أول/ ديسمبر 1955، وعاشت رجاء منذُ نكبة 1948 كلاجئة في مخيم عقبة جبر في مدينة أريحا.
تلقت رجاء جزءاً من تعليمها الابتدائي في مدارس يافا وأكملت تعليمها بعد النكبة في مدارس أريحا، ثم أكملت تعليمها الثانوي في المدرسة المأمونية بمدينة القدس عام 1952. كانت رجاء من ناشطات الحركة الطلابية والوطنية الفلسطينية ،وشاركت كذلك في الحركة النسائية في الضفة الغربية، كما كانت من أوائل المبادرين إلى تأسيس الاتحاد العام لطلبة الأردن. شاركت رجاء بشكل لافت في الأحداث الوطنية عام 1955 ضد الأحلاف الغربية، وفي التاسع عشر من كانون أول/ ديسمبر 1955، قادت مظاهرة ضد حلف بغداد الذي كان يهدف إلى محاولة ضم الأردن إليه، فاقتحمت السفارة الأمريكية ورفعت عليها العلم الفلسطيني فأطلق الجنود النار عليها فاستشهدت في الحال ونقلت إلى أريحا، حيث دفنت بجنازة وطنية حاشدة على الرغم من حظر التجوال المفروض، وتعتبر رجاء أول شهيدة للحركة الطلابية الفلسطينية في الأردن.
وقد تركت الشهيدة رجاء أبوعماشة إرثاً من القصائد والنثر الوطني غير منشور، ولها عدة مقالات حول القضية الفلسطينية ونضال
المرأة، وقد نُشر جزء منها في بعض الصحف العربية ومنها الأردنية.
وقد رثاها الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)؛ بأبيات من الشِعر، بدأها بعبارة "هناك على سفح أريحا من بقايا فلسطين يقوم قبر في العراء.. بجانب خيمة باكية.. إنه قبر الشهيدة ذات الخمس عشر ربيعاً.."، ومن هذه القصيدة:
منسية مثل بلادي رجاء مرت كما مر شعاع الضياء
أغفت على سفح أريحا ولا من ادمع إلا دموع السماء
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا