من أصعب ما يواجهه الإنسان في حياته أن يتقبل برضا وأريحية ما يبتليه الله تعالى به من مصائب، وقد سمع الشافعي أحدهم وهو يطوف بالكعبة يناجي ربه قائلا: يا رب هل أنت راض عني؟ فقاطعه: هل أنت راض عن الله؟! سؤال أثار استغراب صاحبنا فرد قائلا: من أنا حتى أرضى عن الله؟ ومن أنت يرحمك الله؟ فعرّفه بنفسه، ورد عليه موضحا: إذا كان سرورك بالنقمة يكافئ سرورك بالنعمة فأنت راض عن الله!
ليس سهلا على أحدنا أن يُسر بالنقمة مثلما يسر بالنعمة، وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، ولكن كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضدّه.. فرق كبير بين الحزن لأننا فقدنا عزيزا، وبين السخط والاعتراض على قضاء الله بلسان الحال أو المقال أو بهما معا.
فكرة المصيبة سواء أكانت ابتلاء بمرض خطير أو فقدا لعزيز غال، ثقيلة جدا على النفس ولا يحتملها إلا مؤمن مسلّم لربه بطمأنينة ويقين وواثق بأن النور قادم مهما كان الوضع القائم قاتما.
ويدرك أن الله اختار له الأفضل حتى لو لم يستطع رؤيته في حينه؛ كما جاء في الآية الكريمة على لسان موسى عليه السلام مع الرجل الصالح بعد أن خرق سفينة جديدة أمامه: "قال أخرقتها لتغرق أهلها"، ثم تبين أن هذا الخرق البسيط أنقذ سفينتهم من الحاكم الظالم الذي كان يأخذ أموال الناس عنوة؛ وكما قيل، الظاهر: إن هذا ابتلاء والواقع: إن فيه الفرج!! وهنا يتجلى إدهاش الرحمن لعباده؛ عندما تظن أن الله ابتلاك بمصيبة ثم تكتشف أنه أنقذكَ من بلاء حقيقي، تصغر مصيبتك الحالية أمامه حتى تتضاءل وتختفي.
قال عمر بن عبد العزيز: "ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوّضه مكانها الصبر إلا كان ما عوّضه خيرا مما انتزعه". وكرم عطاء الخالق لا يتجلى بطمأنة قلبه بالصبر فقط على أهميته؛ بل إنه يرى ولو بعد حين أن ذلك الأمر كان به الخير.
أجمل ما يمكن أن تحمله في صدرك أن تطمئن لقضاء الله وقدره، فلا تجزع ولا تخاف، وتتلقى برضا تام كل ما يقدره الله لك مهما كان صعبا وقاسيا.
جاء في الهدي النبوي: "إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاًا في الجنة، وسموه: بيت الحمد". فالحمد الصادر من القلب والرضا التام بما قسمه الله نعمة يحرم منها من بضاعته قليلة بالدين وصلته ضعيفة برب العالمين، وعليه يجزع ويتوتر وينفعل رغم علمه التام بأنه لن يغير شيئا من الذي جرى، ولكن ضعف اليقين دفعه لهذا الانفعال وقد يرافقه سوء قول وفعل يصرفانه أكثر عن طريق الله.
إن سرعة الإفاقة بعد المصيبة تعين على التخطي والتجاوز والقدرة على اتخاذ القرار السليم والتصرف بحكمة وكياسة، وهي دليل امتلاء قلب صاحبها بالإيمان وحسن الظن برب العالمين الذي لا يقدر لعبده إلا الخير.
ومن ثمرات
الابتلاء أنه يعطي المرء إشارة وتنبيها ليعود لخالقه ويحسن توبته ويجدد مع الدين صحبته، وهنا وجب التحذير ممن يقع بخطيئة توزيع رحمة الله على الناس، فيقول عن المصيبة التي يقع بها أحدهم ابتلاء وعن نفس المصيبة على شخص آخر عقوبة. وهكذا يقرر والعياذ بالله عن رب العالمين، وحاشى لله ذلك، بل إن هذا يتنافى مع الأدب بحق الله تعالى.
في النهاية لندع الأحكام على الآخرين جانبا ونسأل الله تعالى اللطف بنا وأن يجنبنا
المصائب والفتن لأن مواجهتها جدا خطيرة وليست سهلة بالتأكيد، ولكن إن واجهنا بقدرنا شيئا منها - وهذا وارد - أن نصبر ونحتسب ونحدّث أنفسنا بخير قادم منها، حتى لو لم نتلمس طريقه لحظة وقوعها.